حكم من كبر ثلاث تكبيرات فقط في صلاة الجنازة :
إذا ترك الإمام في صلاة الجنازة التكبيرة الرابعة نسياناً، فإنه يشرع تذكيره ، بالتسبيح للرجال، والتصفيق للنساء، فإن فعل شرعت المتابعة ، وصحت الصلاة.وذلك فيما إذا كان الفاصل يسيراً عرفاً، وإلا أعادوا الصلاة كلها.
وإن لم يفعل الإمام ذلك فتابعه بعض المأمومين وأتموا صلاتهم ، وكبروا الرابعة ، صحت صلاتهم، وسقط بهم الفرض الكفائي في الصلاة على الجنازة، وذلك لأنه تُشرع مخالفة الإمام للعذر - كما سبق تقريره - .
وإن كبر عليه الجميع ثلاثاً فقط، لم يسقط الفرض الكفائي، وأعادوا الصلاة عليه، فإن دفنت الجنازة ، تعين الصلاة عليها وهي في قبرها ، لحديث المرأة التي كانت تقم المسجد، وصلى عليها صلى الله عليه وسلم في قبرها.
@ فإن قيل التكبيرات في الصلوات المفروضة سنة، وهو قول الجمهور ، وهو الأرجح لحديث المسيء في صلاته، ولم يذكر فيه تكبيرات الانتقال.
والقاعدة : تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
فهل تقاس التكبيرات التي في صلاة الجنازة عليها .
فالجواب : أن الركن ، الأصل فيه : أن كل ما هو من ماهية الشيء وهيئته ، فهو ركن فيه إلا ما دليل الدليل على عدم ركنيته، أو دلّ الدليل على ركنية ما ليس من الماهية .
وقد حكى ابن المنذر : الإجماع على ركنية التكبيرات الأربع .
@ قال ابن المنذر في الأوسط :
التكبيرات الأربع أركان لا تصح هذه الصلاة إلا بهن وهذا مجمع عليه .....)
@ وأخرج ابن أبي شيبة ( 11446 ) قال : حدثنا حسين بن علي عن زائدة ، عن عبد الله بن يزيد قال قال إبراهيم اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التكبير على الجنازة ثم اتفقوا بعد على أربع تكبيرات .
و أخرجه عبد الرزاق (6401) عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال كل قد فعل فاجتمع الناس على أربع تكبيرات و هذا سند صحيح .
@ وأنكر عطاء التكبير أقل من أربع ، ففي مصنف عبد الرزاق ( 6405 ) عن ابن جريج عن عطاء قال التكبير على الرجل والمراة أربعاً قلت بالليل والنهار قال نعم قلت فوضعوا رجلين جميعاً قال يكبر عليهما أربع تكبيرات فقال السائل فإن أناساً يقولون ثلاث كما المغرب ثلاث قال ما سمعنا بذلك . وهذا سند صحيح .
@ قال ابن قدامة في " المغني " : فَإِنْ نَقَصَ مِنْهَا تَكْبِيرَةً عَامِدًا بَطَلَتْ ، كَمَا لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً عَمْدًا ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا احْتَمَلَ أَنْ يُعِيدَهَا ، كَمَا فعللَ أَنَسٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُكَبِّرَهَا ، مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ، كَمَا لَوْ نَسِيَ رَكْعَةً ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا سُجُودُ سَهْوٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ . أ. ه.
@ إن كبر الإمام علي الجنازة ثلاثاً عمداً يعتقد جواز ذلك- لكونه مجتهداً ، أو سأل من يثق بدينه وأمانته ما لم يتبين له الحق في خلافه - فهذا مذهب مروي عن ابن عباس و غيره - وذلك بناء على أن قول الصحابي حجة - .
قال ابن قدامة مبيناً حال من يتعمد التكبير ثلاثاً : وروي عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثاً ولم يعجب ذلك أبا عبد الله وقال قد كبر أنس ثلاثاً ناسياً فأعاد ولأنه خالف ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الصلاة الرباعية إذا نقص منها ركعة بطلت كذلك ها هنا فإن نقص منها تكبيرة عامداً بطلت كما لو ترك ركعة عمدا المغني 2 / 197.
و فعل ابن عباس أخرجه عبد الرزاق (6402) و ابن أبي شيبة ( 11455 ) كلاهما قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي معبد قال كان ابن عباس يجمع الناس بالحمد ويكبر على الجنازة ثلاثاً.
و هذا سند صحيح على شرط الشيخين ، أبو معبد اسمه نافذ و هو مولى ابن عباس ثقة مخرج له في الصحيحين .
و قال ابن حزم : وهذا إسناد في غاية الصحة ( المحلى 5/127).
و توبع ابن عيينة عليه تابعه شعبة أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (6/339) .و هذا أحد الحديثين الذين رواهما شعبة عن أبي معبد عن ابن عباس .
و أخرج ابن أبي شيبة أيضا ( 11456 ) قال : حدثنا معاذ بن معاذ عن عمران بن حدير قال صليت مع أنس بن مالك على جنازة فكبر عليها ثلاثا لم يزد عليها ثم انصرف .و هذا أيضا صحيح غاية
و قال ابن عبد البر (6/338-339) : وذكر الفزاري عن حميد عن أنس أنه صلى على جنازة فكبر ثلاثا ثم سلم فقيل له إنما كبرت ثلاثا فاستقبل القبلة فكبر الرابعة ثم سلم .
@ وأخرجه عبد الرزاق( 6417) قال أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثاً ثم انصرف ناسياً فتكلم وكلم الناس فقالوا :: يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثا قال فصفوا ففعلوا فكبر الراعبة .
وهذا سند صحيح .
@ و أخرج أيضاً ( 11457 ) قال : حدثنا زيد بن الحباب عن القاسم قال أخبرني ابي أنه صلى على جنازة فقال له جابر بن زيد تقدم فكبر عليها ثلاثاً .
و ذكره ابن حزم عن آخرين قال : ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني شيبة بن أيمن أن أنس بن مالك صلى على جنازة فكبر ثلاثاً.
وبه إلى حماد عن يحيى بن أبي إسحاق أنه قيل لأنس إن فلاناً كبر ثلاثاً يعني على جنازة فقال أنس وهل التكبير إلا ثلاثاً ، و قال محمد بن سيرين إنما كان التكبير ثلاثاً فزادوا واحدة يعني على الجنازة . ومن طريق مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن زرارة بن أبي الحلال العتكي أن جابر بن زيد أبا الشعثاء أمر يزيد بن المهلب أن يكبر على الجنازة ثلاثاً .
و قال عنها إنها أسانيد في غاية الصحة .
ورواية شيبة صالحة فشيبة و يقال سعيد وثقه ابن حبان و ترجمه البخاري و لم يحك فيه شيئاً و مثله في طبقته في باب الأثر يصلح .
ورواية يحيى بن أبي إسحاق صحيحة يحيى ثقة له ما يستنكر .
ورواية زرارة لعلها تصلح فزرارة هذا فيه جهالة لكن رواية شعبة عنه تقويه فهو من كبار المتثبتين ، و قد قال الذهبي عن زرارة هذا مستور فتعقبه ابن حجر بقوله : وما أدري لم ذكره فإنه ليس من شرط هذا الكتاب ولو كان يذكر كل من لم يجد فيه توثيقاً ولو روى عنه جماعة لفاته خلائق ( اللسان 2/474).
والجواب عنه : أن قول الصحابي ليس بحجة إلا إذا قال الصحابي قولاً لا مجال للاجتهاد فيه ، وكان غير معروف بالأخذ عن أهل الكتاب- كما تقدم تقريره في القواعد -.
وقد نقل الاتفاق أن التكبيرات لا تنقص عن الأربع ، بل نقله ابراهيم النخعي اتفاقاً عن الصحابة ، فقد أخرج ابن أبي شيبة ( 11446 ) قال : حدثنا حسين بن علي عن زائدة ، عن عبد الله بن يزيد قال : قال إبراهيم اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التكبير على الجنازة ثم اتفقوا بعد على أربع تكبيرات .و أخرجه عبد الرزاق (6401) عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال كل قد فعل فاجتمع الناس على أربع تكبيرات و هذا سند صحيح .
و أنكر عطاء التكبير أقل من أربع ، ففي مصنف عبد الرزاق ( 6405 ) عن ابن جريج عن عطاء قال التكبير على الرجل والمراة أربعاً، قلت بالليل والنهار قال : نعم . قلت : فوضعوا رجلين جميعاً قال يكبر عليهما أربع تكبيرات فقال السائل فإن أناساً يقولون ثلاث كما المغرب ثلاث قال ما سمعنا بذلك . وهذا سند صحيح .
@ وقد جمع عمر - رضي الله عنه - أصحاب النبي على أربع بعدما اختلفوا عنده و لم يجمعهم على غيره و هذا ذكره غير واحد منهم سعيد بن المسيب و إن أعله ابن حزم بالانقطاع فهو غير صواب فابن المسيب عن عمر حجة كما قال أحمد و غيره .
@ وقد روي عن بعض الصحابة التكبير على الجنازة ستاً وسبعاً، ولم يثبت فعل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الثابت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أربع تكبيرات، أوخمس تكبيرات فقط على صلاة الجنازة .والله تعالى أعلم .
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق