حكم عقد التوريد
التوريد لغة : مصدر ورد، بتشديد الرأي .
قال ابن فارس - معجم مقاييس اللغة ١٠٥/٦-
الواو والراء والدال أصلان : أحدهما: الموافاة إلى الشيء ، والثاني : لون من الألوان .
فهو بمعنى توفية الشيء المتعهد به وإحضاره في وقت طلبه .
ولهذا قال الجوهري في الصحاح: ورد فلان وروداً : حضر
واصطلاحاً: عقد يتعهد فيه أحد الطرفين للآخر بتوفير سلع معلومة مؤجلة بأجل معلوم، مقابل مبلغ معين معلوم مؤجل كله أو بعضه.
وعرفه مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض :
عقد التوريد : عقد يتعهد بمقتضاه طرف أول بأن يسلم سلعاً معلومة ، مؤجلة، بصفة دورية ، خلال فترة معينة ، لطرف آخر مقابل مبلغ معين مؤجل كله أو بعضه.
@ وعقد التوريد لا يخلو من الأحوال التالية :
١ - أن تكن العين التي تم الاتفاق على توريدها، مملوكة للبائع،أو مأذوناً له في بيعها، وباعها بالصفة أو بالإنموذج- مثل هذه السلعة - فإذا كانت الصفات منضبطة، والأجل محدداً، فهي جائزة وإن لم يتم الإستلام والتسليم في مجلس العقد ، إن لم تكن من الأموال التي يجري فيها الربا.
@ فإذا باع العين الغير مملوكة لهأو المأذون له بالتصرف فيها بالبيع : لحظ نفسه فقد باع ما لا يملك .، وربح فيما لم يضمن .
وإن باعها لحظ مالكها، فهذا هو تصرف الفضولي ، يكون موقوفاً على إذن المالك .
@ فهذه بيع أعيان وليست بيع صفات.
والفرق بين بيع السلم وبيع ما ليس عندك ، أن بيع السلم : بيع صفات، وبيع ما ليس عندك : بيع أعيان.
وإذا بعت السلعة الغير مملوكة لك ثم سعيت في تحصيلها وبيعها للمشتري، فهذا بيع ما ليس عندك .
@ وأما إذا بعت تلك العين الغائبة بلا وصف فقد اختلف الفقهاء في ذلك ، فذهب الحنفية إلى جوازه، وللمشتري الخيار بالرؤية.
وذهب المالكية : أن للمشتري الخيار إذا شرط.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى المنع، لما فيه من الغرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر.
والذي يظهر ان بيع العين الغائبة المملوكة للشخص من غير وصف منضبط منهي عنه، فإذا وقع فصاحب الحق بالخيار بين الإمضاء والفسخ بعد الرؤية ، لأن النهي عن الغرر في المعاملات لحق المخلوق، إذا أسقطها سقط.
وسبق في القواعد : النهي هل يقتضي الفساد، وسبق تحقيق القول فيه .
وإذا كان الوصف مطابقاً لم يكن للمشتري الخيار إلا بعرف أو شرط، وإن كان الوصف غير مطابق فللمشتري الخيار بين القبول والرد .
٢ - أن تكون السلعة أو السلع التي تم عقد التوريد عليها: ليست مملوكة للمورد، وليست معينة، بل باعة بالوصف، فقال: أوفر لك بضائع صفتها كذا وكذا في موعد مؤجل محدد، فهذا بيع سلم، ومن شروط صحة بيع السلم :
أن يقبض المسلم إليه الثمن كاملاً في مجلس العقد.
لقوله صلى الله عليهزوسلم ( من أسلف في شيء، فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم ..)
فليسلف: أي فاليقدم ، فليعط .
ولأنه إذا لم يقدم الثمن كاملاً في بيع السلم ، كان من بيع الكاليء بالكاليء ، الذي انعقد الإجماع على عدم جوازه فيما إذا كان رأس مال لسلم، أو من الأموال التي يجري فيها الربا - كما حكاه شيخ الإسلام -.
ولأن العلماء أجمعوا على اشتراط تقديم الثمن كاملاً في مجلس العقد إذا كان بيع سلم ، إلا أن المالكية رخصوا في اليوم أو اليومين أو الثلاثة من باب التيسير والتسهيل .
وأن قدم بعض الثمن في مجلس العقد وأخر الباقي، فقيل : لا يصح مطلقاً، لان العقد عقد واحد، فإذا بطل في البعض بطل في الكل.
والقول الآخر وهو الأقرب : يصح بقسطه من الثمن ما لم يترتب على ذلك فوات لنفع أو حصول ضرر بتفريق الصفقة.
وذلك لأن إعمال الكلام أولى من إهماله، فما انعقد على الصفة الشرعية صح، وما لا فلا .
٣ - إذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب صناعة ، فهو عقد استصناع إذا كانت آلته وصناعته من المورد ، فهو بيع سلم يشترط فيه تسليم الثمن كاملاً في مجلس العقد، وإلا لم يصح، وهو رأي الجمهور خلافاً للحنفية .
- وقد أفردنا حكم الاستصناع سابقاً-.
-
٤ - أن يكون عقد التوريد ليست عيناً ، وإنما موصوفة عن طريق المواعدة الملزمة، فهذه لا تجوز ، لأنها بمعنى بيع السلم ، والعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني. .
وإذا كانت المواعدة غير ملزمة ، فتكون جائزة على أن يتم البيع بعقد جديد أو بالتسليم .
@ مع العلم أن الجمهور يمنعون من بيع المؤخر بالمؤخر الذي لم يقبض في مجلس العقد، ويستدلون بحديث( نهى عن بيع الكاليء بالكاليء) والحديث ضعيف.
والصحيح : جواز بيع المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي لم يقبض ، لحديث جابر في صحيح مسلم ، قال : كنت على جمل لي قد أعيا، فأردت أن أسيبه ، فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فضربه بيده، فسار سيراً لم يسر مثله، فقال ( بعنيه) فقلت : لا ، فقال : بعنيه بأوقية ، واشترطت حملانه إلى أهلي ، فلما أتيت المدينة ، أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه...) الحديث.
ففيه أن العين والثمن لم يسلمان إلا في المدينة في غير مجلس العقد، وعليه فلا بأس من تأخير الثمن والمثمن عن مجلس العقد إلا فيزحالتين :
أ- أن يكون رأس مال لسلم ( من أسلف في شيء فليسلف- أي فليقدم - ...) وللإجماع على ذلك .
ب - أن يكون من الأموال التي يجري فيها ربا النسئية
، يشترط التقابض في مجلس العقد، لحديث عبادة بن الصامت، وفيه( يداً بيد).
وعلى هذه الحالتين يحمل الإجماع الوارد في النهي عن بيع الكاليء بالكاليء.
٥ - أن يكون المورد أجيراً بتوريد خدمة من الخدمات ، أوتوريد السلع من شخص لآخر مقابل مبلغ معين، فهذا لا إشكال في جوازه، مالم يعلم بعدم صحة البيع أو تكون السلع محرمة، لأن المعين كالفاعل- وقد سبق بيانها-.
والله تعالى اعلم واحكم .
@ فإن قيل : عقد التوريد عقد وارد علىزعمل في الذمة ، وبيع سلعة موصوفة في الذمة ، فهو وارد على عمل وبيع فلا يشترط فيه تقديم الثمن في مجلس العقد، لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
فالجواب : أن العمل هنا تابع للبيع، لا العكس.
إذ إن المقصود الأعظم من عقد التوريد هو السلعة لا توريدها وإحضارها.
وكذا يقال في الاستصناع ، إذا قيل: عقد على سلعة وعمل فيها .
فالجواب : إن العمل تابع للسلعة لا عكسه كما تقدم .
كتبه / محمد بن يعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق