متى يجوز للمسافر أن يترخص برخص السفر :
ما هي مسافة القصر :
-------
@ كل ما يسمى سفراً في عرف الناس، تتعلق به أحكام السفر، وما لا فلا .
لقوله تعالى( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) والضرب هو السفر، وما لم يجدد في الشرع، فالمرجع في تحديده إلى العرف).
@ والتحديد بخمسة وثمانين كيلو مترات، وهي مسيرة يومين وليلتين، فيه نظر .
وذلك أن الذين ذهبوا إلى ذلك استدلوا بحديث مرفوع صحيح ( لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين وليلتين إلا مع ذي محرم )
والجواب : أن الحديث جاء بألفاظ متعددة ، كلها صحيحة، منها المطلق بلا تقييد بمسافة( لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم ).
وفِي لفظ التقييد بيوم وليلة ، وفي لفظ التقييد بيومين وليلتين ، وفِي لفظ آخر التقييد بثلاثة أيام .
والقاعدة : أن المطلق إذا قيد بقيود متعارضة، تساقطت القيود، وبقي المطلق على إطلاقه .
وعلى هذا: فكل ما يسمى في العرف سفراً. ، لا يحل للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم .
@ وذهبت الظاهرية : إلى أن البروز عن البلد والخروج عنه ، يسمى سفراً، فإذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر.
لدليلين :
١ - قوله تعالى ( وإذا ضربتم في الأرض) أي سافرتم ، والسفر في اللغة : البروز والخروج من الشيء، أي خرج وبرز عن بلده، ويقال : أسفرت المرأة عن وجهها ، أي أخرجته وأبرزته وأوضحته.
ويقال : امرأة سافر : أي خرجت عن حجابها.
ففي معجم مقاييس اللغة :
(سَفَِرَ) السِّينُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى الِانْكِشَافِ وَالْجَلَاءِ.
مِنْ ذَلِكَ السَّفَرُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْكَشِفُونَ عَنْ أَمَاكِنِهِمْ.
وَالسَّفْرُ: الْمُسَافِرُونَ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: رَجُلٌ سَفْرٌ وَقَوْمٌ سَفْرٌ.
وَمِنَ الْبَابِ، وَهُوَ الْأَصْلُ: سَفَرْتُ الْبَيْتَ كَنَسْتُهُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا الْبَيْتِ فَسُفِرَ.
وَلِذَلِكَ يُسَمَّى مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ السَّفِيرَ.
قَالَ:
وَحَائِلٌ مِنْ سَفِيرِ الْحَوْلِ جَائِلُهُ * حَوْلَ الْجَرَاثِيمِ فِي أَلْوَانِهِ شَهَبُ
وَإِنَّمَا سُمِّيَ سَفِيرًا لِأَنَّ الرِّيحَ تُسَفِّرُهُ.
"وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: سَفَرَ بَيْنَ الْقَوْمِ سِفَارَةٌ، إِذَا أَصْلَحَ، فَهُوَ مِنَ الْبَابِ ; لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا كَانَ هُنَاكَ مِنْ عَدَاوَةٍ وَخِلَافٍ."
وَسَفَرَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا، إِذَا كَشَفَتْهُ.
وَأَسْفَرَ الصُّبْحُ، وَذَلِكَ انْكِشَافُ الظَّلَامِ، وَوَجْهٌ مُسْفِرٌ، إِذَا كَانَ مُشْرِقًا سُرُورًا.
وَيُقَالُ اسْتَفَرَتِ الْإِبِلُ: تَصَرَّفَتْ وَذَهَبَتْ فِي.
الْأَرْضِ.
وَيُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلْمُسَافِرِ سُفْرَةٌ.
وَسُمِّيَتِ الْجِلْدَةُ سُفْرَةً.
وَيُقَالُ بَعِيرٌ مِسْفَرٌ، أَيْ قَوِيٌّ عَلَى السَّفَرِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ السِّفَارُ: حَدِيدَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ النَّاقَةِ.
وَهُوَ قَوْلُهُ:
مَا كَانَ أَجْمَالِي وَمَا الْقِطَارُ * وَمَا السِّفَارُ، قُبِحَ السِّفَارُ
"وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ ; أَنَّهُ خَيْطٌ يُشَدُّ طَرَفُهُ عَلَى خِطَامِ الْبَعِيرِ فَيُدَارُ عَلَيْهِ، وَيُجْعَلُ بِفِيهِ زِمَامًا، وَالسَّفْرُ: الْكِتَابَةُ."
وَالسَّفَرَةُ: الْكَتَبَةُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُسْفِرُ عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّيْءِ الْمَكْتُوبِ.
و في ( تاج العروس (في مادة سفر) :
وقَوْمٌ سافِرَةٌ وأَسْفَارٌ وسُفّارٌ؛ أَي ذَوُو سَفَرٍ، لضِدّ الحَضَرِ، سُمِّيَ به لما فيه من الذَّهابِ والمَجِيءِ، كما تَذْهَبُ الريحُ بالسَّفِيرِ من الوَرَقِ وتَجِيءُ، كذا في المحكم.
وفي التَّهْذِيبِ: سُمِّيَ السَّفَرُ سَفَرًا؛ لأَنه يُسْفِرُ عن وُجُوه المُسَافِرِينَ وأَخْلَاقِهم فَيُظْهَرُ ما كان خافِيًا فِيها.
والسّافِرُ: المُسَافِرُ قيل: إِنما سُمِّيَ المُسَافِرُ مُسَافِرًا لكَشْفِه قِنَاعَ الكِنِّ عن وَجْهه، ومَنَازِلَ الحَضَرِ عن مَكانِه [ومَنْزِلَ الخَفْضِ عن نَفْسِه] وبُرُوزِه للأَرْض الفَضَاءِ، لا فِعْلَ لَه.
وفي المُحْكَم: ورَجُلٌ سافِرٌ: ذو سفَرٍ، وليس على الفِعْلِ؛ لأَنّا لم نَرَ له فِعْلًا.
وفي المصباح: سَفَرَ الرجُلُ سَفْرًا، مثل طَلَب: خرج للارْتِحالِ، فهو سافِرٌ، والجَمْعُ سَفْرٌ، مثل صاحِبٍ وصَحْب، لكن استعمالَ الفعلِ مَهْجُورٌ، واستعمِلَ المَصْدَر اسْمًا، وجُمِعَ على أَسْفَارٍ.
مُقْبِل:
وسَفَرَ الصُّبْحُ يَسْفِرُ، بالكسر، سَفْرًا: أَضاءَ وأَشْرَقَ، كَأَسْفَرَ، وأَنكَرَ الأَصْمَعِيّ أَسْفَرَ.
وفي البَصَائِر، والمُفْرَدات: والإِسْفَارُ يَخْتَصُّ باللَّون، نحو: {وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ} أَي أَشْرَق لَوْنُه. و{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} أَي مُشْرِقَةٌ مُضِيئَةٌ.
وفي الأَساس: ومن المَجَاز: وَجْهٌ مُسْفِرٌ: مُشْرِقٌ سُرورًا.
وفي التهذيب: أَسْفَرَ الصُّبحُ، إِذا أَضاءَ إِضاءَةً لا يُشَكّ فيهِ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «أَسْفِرُوا بالفَجْرِ، فإِنَّه أَعْظَمُ للأَجْرِ» يقول: صَلُّوا [صلاةَ] الفجرِ بعد تَبَيُّنِه وظُهُورِه بلا ارْتِيَاب فيه، فكلّ مَنْ نَظَرَه عَلِم أَنّه [الفجر] الصّادِقُ، وسُئل أَحمدُ بنُ حَنْبَل عن الإِسْفَارِ بالفَجْرِ، فقال: أَنْ يَتَّضِحَ الفَجْرُ حتى لا يُشَكَّ فيه، ونحوه قال إِسْحَاق، وهو قولُ الشّافِعِيّ وأَصحابه.
ويقال: أَسْفِرُوا بالفَجْرِ: طَوِّلُوها إِلى الإِسْفَارِ، وقيل: الأَمْرُ بالإِسْفَارِ خاصٌّ في اللّيَالِي المُقْمِرَة؛ لأَنّ أَوّلَ الصُّبحِ لا يَتَبَيّن فيها، فأُمِرُوا بالإِسْفَارِ احتياطًا، ومنهحديث عُمَر: «صَلُّوا المَغْرِبَ والفِجَاجُ مُسْفِرَةٌ»؛ أَي بَيِّنَةٌ مُضِيئَةٌ لا تَخْفَى، وفي حديث عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيّ: «كَانَ يَأْتِينَا بلالٌ يُفْطِرُنَا ونحن مُسْفِرُونَ[جِدًّا]» كذا في النهاية.
ومن المجاز: سَفَرَت الحَرْبُ: وَلَّتْ.
وفي البَصَائِر: السَّفْرُ: كَشْفُ الغِطَاءِ، ويَخْتَصّ ذلك بالأَعْيَانِ، يقال: سَفَرَت المَرْأَةُ، إِذا كَشَفَتْ عن وَجْهِها النِّقَابَ، وفي المحكم: جَلَتْه، وفي التهذيب: أَلْقَتْه، تَسْفِرُ سُفُورًا، فَهِيَ سافِرٌ، وهنَّ سَوافِرُ، وبه تَعْلَمُ أَنّ ذِكْرَ المرأَةِ للتَّخْصِيصِ، لا للتَّمْثِيلِ، خلافًا لبعضهِم.
ومَسَافِرُ الوَجْهِ: ما يَظْهَرُ منه قال امرُؤُ القَيْسِ:
ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ * وأَوجُهُهُم بيضُ المَسَافِرِ غُرّانُ
وأَسْفَرَ: دَخَلَ في سَفَرِ الصُّبْح، محرّكةً، وهو انْسِفَارُ الفَجْرِ، قال الأَخْطَل:
إِنّي أَبِيتُ وهَمُّ المرءِ يَبْعَثُه * من أَوّل اللّيل حَتَّى يُفْرِجَ السَّفَرُ
يريد الصُّبْحَ: يقول: أَبِيتُ أَسْري إِلى انْفِجَارِ الصُّبحِ، وبه فَسَّر بعضُهُم حديثَ «أَسْفِرُوا بالفَجْرِ».
ويقال: أَسْفَرَ القَوْمُ، إِذا أَصْبَحُوا.
وأَسْفَرَت الشَّجَرَةُ: صَارَ وَرَقُهَا سَفِيرًا تُسْقِطُه الرِّيَاحُ، وذلك إِذا تَغَيَّر لَونُه وابْيَضَّ.
ومن الَمجاز: أَسْفَرَت الحَرْبُ إِذا اشْتَدَّتْ، ولو ذَكَرَهُ عند سَفَرَت الحَرْبُ وَلَّتْ، كان أَصابَ.
وسَفَّرَهُ تَسْفِيرًا: أَرْسَلَه إِلى السَّفَرِ، وهو قَطْعُ المَسافَةِ.
وسَفَّرَ الإِبِلَ تَسْفِيرًا: رَعَاها بَيْنَ العِشَاءَيْنِ، وفي السَّفِير، وهو بياض قَبْل اللَّيْلِ، فتَسَفَّرَتْ هي؛ أَي الإِبلُ؛ أَي رَعَتْ كذلك.
وسَفَّرَ النّارَ تَسْفِيرًا: أَلْهَبَهَا وأَوْقَدَها.
وتَسَفَّرَ: أَتَى بِسَفَرٍ، محركةً؛ أَي بياضِ النّهَارِ.
وتَسَفَّرَ الجِلْدُ: تَأَثَّرَ من السَّفَر، وهو الأَثَر.
وتَسَفَّرَ شَيْئًا من حَاجَتِه: تَدارَكَه قبل فَواتِه، وهو مَجاز.
وتَسَفَّرَ النّسَاءَ عن وُجُوهِهِنَّ بمعنى اسْتَسْفَرَهُنّ؛ أَي طَلَبَ أَشْرَقَهُنَّ وَجْهًا، وأَنْوَرَهُنَّ جمالًا.
وتَسَفَّرَ فُلانًا: طَلَبَ عندَه النِّصْفَ من تَبِعَةٍ كانت له قِبَلَهُ، نقله الصّاغانيّ.
والجواب : كما أن السفر ، يطلق في لغة العرب ويراد به بروزه للأرض الفضاء، كذلك يطلق ويراد به : خروجه للارتحال فهو سافر، فإذا لم يخرج للرتحال لا يكون مسافراً، فلا يكون مسافراً لغة إلا إذا برز للأرض الفضاء- خرج من آخر عامر قريته- ناوياً الارتحال ، لا مجرد الخروج للأرض الفضاء وبروزه لها فقط .
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن مسافة الارتحال لم تحدد في الشرع ، فالمرجع في تحديدها إلى العرف.
٢ - الدليل الثاني : حديث أنس رضي الله عنه : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر ) .
والشك من شعبة ، فنبقى على الأصل وهو عدم جواز القصر إلا بيقين ، واليقين في حديث أنس هذا الفراسخ لا الأميال، فعند الشك نرجع لليقين .
وقاعدة الراسخين في العلم يردون المتشابه إلى المحكم .
فيكون الأرجح : ثلاثة فراسخ، لأن الشك من شعبة أحد رواة الحديث ، والأصل : عدم القصر حتى نتيقن السفر .
والميل :، ما يقارب كيلو ونصف، أي كيلو وستة من عشرة .
والفرسخ : ثلاثة أميال ، وثلاثة في كيلو وستة من عشرة تساوي أربعة كيلو وثمانية من عشرة.
هذا الفرسخ الواحد،.
وثلاثة فراسخ: تضرب ٣ في ٤.٨ تساوي أربعة عشر كيلو وأربعة من عشرة .
أي ثلاثة فراسخ تساوي : ما يقارب خمسة عشر كيلو متر، والكيلو يساوي ألف متر .
والجواب حديث أنس من عدة أوجه :
١ - كان في لغة العرب ، تدل على حصول الشيء ولو مرة واحدة .
وعلى هذا فتكون قضية عين .،
والقاعدة : قضايا الأعيان لا عموم لها .
٢ - أنه خرج مخرج التمثيل، وما خرج مخرج التمثيل فلا مفهوم له.
وهي مندرجة تحت قاعدة : التخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم به لم يبق مفهومه حجة .
فذكر أنس رضي الله عنه مثالاً لقصر النبي صلى الله عليه وسلم لقصره . لا قصد تحديد نهاية سفره لها.
٣ - محتمل : بدء القصر، ويحتمل غاية ونهاية حد القصر ، والترجيح بينهما يحتاج إلى دليل أو قرينة .
٤ - القاعدة : أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم.
وهذه الثلاثة الفراسخ : أحد مسافات السفر، فلا يخصص حديث أنس الآية وهي قوله تعالى ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ...).
٥ - أن هذا تحديد لبدء السفر، لا نهاية السفر.
فإن قيل : هل معناه إذا خرج ميلاً لا يقصر، قلنا : خرج مخرج التمثيل فلا مفهوم له.
٦ - أن ثلاثة فراسخ كانت في عرفهم تسمى سفراً .وعلى هذا لا تعارض بين الآية وحديث أنس.
والقاعدة : العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام .
٧ - الأئمة الأربعة وأتباعهم لم يأخذوا بظاهر حديث أنس، وإنما أخذ به الظاهرية ، ويشكل عليهم أنه إذا خرج أقل من هذه المسافة- ثلاث فراسخ - عندهم لا يقصر.
والله تعالى أعلم واحكم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق