حكم زواج الزاني من الزانية :
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
ذهب الجمهور - الحنفية ، والمالكية والشافعية - إلى صحة العقد والحالة تلك .
وذلك للأدلة التالية :
١ - قوله تعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين )
والإجماع منعقد على أن الزانية المسلمة لا يجوز أن تتزوج بالمشرك ، مما يدل على أن المراد بالنكاح ههنا الوطء، لا العقد.وكذا الزاني المسلم لا يحل له نكاح مشركة، لقوله تعالى ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقوله تعالى ( لا هن حل لهم ولا همزيحلون لهن). وقوله تعالى( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ).فتلك قرينة على أن المراد بالنكاح في هذه الآية : الوطء، الذي هو الزنا، لا عقد النكاح، لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة .
2. - الإجماع انعقد على عدم جواز إقامة الحد على المتزوج بالزانية، مما يدل على النكاح المراد به في الآية السابقة الوطء، لا العقد .
3. - عموم قوله تعالى ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) والأيامى : هم من لا زوج لهم ) فيدخل في ذلك الزناة وغيرهم .
4. وعموم قوله تعالى ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ...).ولا يقال بالنسخ، لأن النسخ لا يكن إلا بشرطين : أ _ أن نعلم المتفدم من المتأخر.ب - أن لا يمكن الجمع بينهما، وهما غير متحققين ههنا .
5. - ولما روي : أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ( إن امرأتي لا ترد يد لامس، فقال : فارقها، فقال : يا رسول الله : تتبعها نفسي، فقال ( إمسكها إذا ). @ ونوقش بأن الحديث ضعيف، وعلى فرض صحته: فالمراد التساهل في مخاطبة الرجال وملامستهم بدون وطء. @ ولا يكون الحديث منكر المتن لكونه يوهم الدياثة ، - وهي أن يرضى الرجل الفاحشة في أهله - وفِي الحديث ( لا يدخل الجنة ديوث ) ، وذلك لأن المحافظة على المرأة ، ومنعها من أسباب الفتنة ، وحراستها ، والغيرة عليها، ينافي الدياثة، وآن حصل من المرأة شيء بغير رضاه أو علمه أو قدرته لا يكون مستحقاً بسببه تحقق هذا الوصف فيه . فهو يستمتع بها مع شدة الغيرة والمحافظة عليهامن الريبة.
6. ولأن هذا هو قول ابن عباس من الصحابة . حيث فسر النكاح في الآية الواردة في الدليل الأول بالوطء.
@ وذهب الحنابلة إلى عدم صحة زواج الزاني أو الزانية قبل التوبة .
وذلك للأدلة الآتية :
١ - قوله تعالى ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ). والمراد بالنكاح ههنا العقد، وذلك لأن غالب الاستعمالات في النكاح أن يكون المراد بها الوطء لا العقد .
وأجيب : بأن العقد يستعمل أيضاً ويراد به الوطء، والقرينة في الآية تدل على أن المراد هو الوطء لا العقد، حيث لا يجوز للزانية أن تعقد عقد النكاح على المشرك، مما يدل على أن المراد بالنكاح في الآية الوطء،لا العقد .
٢ - قوله تعالى ( والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان ) حيث دلت الآية على جواز النكاح شريطة أن يكن الزوج عفيفاً .
والجواب : أن هناك فرق بين الوجوب والشرطية،
فوجوب العفة في الزواج بالزوجة لا إشكال فيه، وأما كون ذلك شرطاً فيحتاج إلى دليل يدل على البطلان .
٣ - قوله تعالى ( فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتُوهُن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) .
حيث دلت الآية على الآية على مشروعية النكاح إذا كان كانت الزوجة عفيفة.
والجواب عنه : كما سبق .
٤ - أسباب النزول في آية النور ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ...). تدل على أن المراد
بالنكاح في الآية : العقد، وذلك لما رواه أحمد من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص : أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول، كانت تسافح ، وتشترط أن تنفق عليه ، قال: فأستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له أمرها ، فقرأ عليه نبي الله ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك). وروى أبو داود والترمذي والنسائي أيضاً : حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة ، وكان بمكة بغي يقال لها : عناق، وكانت صديقته ، قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله : أنكح عناقاً، قال: فسكت عني فنزلت: ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك )، فدعاني فقرأها علي ، وقال:( لا تنكحها).
والقاعدة : صورة النزول قطعية الدخول في النص. وهي واردة في العقد لا الوطء.
والجواب : على فرض صحة أسباب النزول، فهي تدل على وجوب العفة، ولا تدل على عدم صحة العقد عند عدم وجودها .
وبعد هذا العرض يتضح رجحان قول الجمهور، مع أن الورع الابتعاد عن التزوج بالزاني أو الزانية ، فهو أكمل لدينه، وأسلم لعرضه ، والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق