الحوالة وأحكامها
وقفات مع الروض المربع في باب الحوالة :
١ - الحوالة لغة : مأخوذة من التحول والانتقال ، لأنها تحول الحق وتنقله من ذمة إلى ذمة .
واصطلاحاً: نقل دين من ذمة إلى ذمة أخرى .
٢ - تنعقد الحوالة بكل ما يدل عليها.
لأن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
والقاعدة : ما لم يحدد في الشرع فالمرجع في تحديده إلى العرف .
٣ - اشترط الجمهور ، ومنهم الحنابلة في المشهور، إلى أن الحوالة لا تصح إلا على دين مستقر غير متزلزل ، فمهر المرأة قبل الدخول بها ، لا يجوز الحوالة عليه عندهم ، لأن الزوج قد يجد عيباً ويفسخ النكاح ويأخذ المهر كاملاً.
وكذا لا تجوز الحوالة على دين السلم ، لعدم استقراره .
والأقرب صحة ذلك، وعدم اشتراط استقرار الدين، لأن العبرة بالمنظور لا بالمنتظر، وعند عدم استقراره وزوال ثبوته يعود المحتال على المحيل، فعقد الحوالة من عقود الارفاق والإحسان والتبرع، لا من عقود المعاوضات، وقد قال تعالى ( ما على المحسنين من سبيل ).
وليست من بيع الدين بالدين ، لجوازها بين الدينين المتساويين جنساً وصفة ، والتفرق قبل التقابض في الأموال التي يجري فيها الربا، ولذا هي من جنس إيفاء الحق.
٤ - فرق بين الحوالة والوكالة .
فإذا أحالة - المحيل - على من عليه له فهي حوالة.
وإذا أحاله على من لا دين له عليه ، فهي وكالة .
٥ - فرق - عند الجمهور - بين الدين الذي على المحيل - الدين المحال به - فلا يشترط استقراره، وبين الدين الذي على المحال عليه - الدين المحال عليه ، فيشترط استقراره.
فالمكاتب - العبد الذي اشترى نفسه من سيده - يحيل على دينه ، ولا يحال عليه .
وعلى الأرجح لا فرق ، لأنه لا يشترط الاستقرار في الدين مطلقاً .
٦ - اشترط الحنابلة في الحوالة : اتفاق الدينين جنساً ، كذهب بذهب ، وفضة بفضة. ودنانير بدنانير، ودراهم بدراهم .، فإن أحال من عليه ذهب بفضة أو عكسه، لم يصح حوالة .
وهو كذلك : لا تصح حوالة ولكن تصح بيعاً بشروط البيع، وذلك لأن الحوالة : استيفاء فإذا انقلبت إلى معاوضة شرط فيها شروط البيع .
فإذا كان ذهب بفضة اشترط التقابض في مجلس العقد( فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شيئتم إذا كان يداً بيد ) .
٧ - اشترط الحنابلة : اتفاق الدينين وصفاً، كصحاح بصحاح، أو مضروبة - مكسرة - بمثلها، وبر جيد ببر جيد، فإن اختلفا لم يصح .
والأقرب : الجواز، ولا مانع من أخذ صحاح بمكسرة، أو بر جيد برديء إذا رضي المحال بأخذ ذلك ، لأن الحق له إذا أسقطه سقط، ولا تفاضل بينهما ، كما يجوز مبادلة صاع تمر جيد ، بصاع تمر رديء.
٨ - اشترط الحنابلة : اتفاق الدينين قدراً، فلا يصح بخمسة على ستة ، لأنها والحالة تلك تنقلب بيعاً ، ويشترط فيه التماثل والتقابض في الأموال التي يجري فيها الربا .
وأما إذا أحاله ستة على خمسة ، وأسقط حقه في الزائد فلا حرج .
٩ - اشترط الحنابلة : اتفاق الدينين حلولاً وتأجيلاً ، إلا إذا اتفق الطرفان على الحلول أو التأجيل فلا مانع، لأنه حق لهما.
١٠ - لا يبرأ المحيل حتى يتم الوفاء ، وللمحتال الرجوع إن لم يحصل له الوفاء ممن أحيل عليه ، وهذا هو الأقرب ، وهو رواية عن الإمام أحمد ،
والمشهور من المذهب : أنه إذا قبل صاحب الحق الحوالة على المليء برئت ذمة المحيل ، وتحول حق الغريم إلى من أحيل عليه .
لأنها مشتقة من تحويل الحق.
والجواب : كونه مشتقة من تحويل الحق لا يلزم منه براءة المحيل، لأن عقد الحوالة: عقد إرفاق وإحسان، فلا يمكن أن يكون سبباً لضياع الحق ، عند إفلاس المحال عليه أو موته أو إعساره أو غير ذلك من الأسباب .
وفي حديث جابر ( أرأيت إن قضيت عنه أتصلي عليه؟ قال: ( إن قضيت عنه بالوفاء صليت عليه ) قال : فذهب أبو قتادة فقضى عنه، فقال : ( أوفيت ما عليه؟ قال : نعم ، فدعوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ). قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
ولفظ ( حق الغريم وبريء منهما الميت ) في سنده : عبدالله بن محمد بن عقيل ، وهو حسن الحديث ما لم يخالف، وقد خالف ههنا.
وعلى فرض صحة هذه اللفظة ، فإنها تدل على أنه لا يبرأ بمجرد الحوالة حتى يشترط الإبراء.
١١ - حديث أبي هريرة مرفوعاً( مطل الغني ظلم ، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع).
الأمر بقبول الحوالة من المحال: على سبيل الوجوب عند الحنابلة، ولذا هم لا يشترطون رضى المحال، وذلك للأمر الوارد في الحديث، والأصل في الأمر الوجوب .
وذهب الجمهور إلى أن الأمر في الحديث للاستحباب ، وهو الأقرب، لأن عقد الحواله عقد إرفاق وإحسان وتبرع، فكان ذلك قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، ولهذا إذا لم يقبل المحال بالحوالة فلا تتم على رأي الجمهور.
والله تعالى أعلم وأحكم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق