حكم تكبيرة الإحرام للمأموم قبل الإمام. :
حكم صلاة المأموم الذي كبر تكبيرة الإحرام قبل إمامه :
١ - عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ: أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ.
هذا الحديث فيه دليل على جواز انعقاد صلاة المأموم قبل الإمام، وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه كان مأموماً بعد أن صلى بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد انعقدت صلاته قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستأنف الصلاة من جديد ، وكذا جميع من صلى معه قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بهم إماماً.
٢ - ولأنه إذا بطلت صلاة الإمام لا تبطل صلاة المأموم إلا فيما يتحمله الإمام عن المأموم كالسترة فيما إذا مرت امرأة بين الإمام وسترته.
وتكبيره الإحرام لا يتحملها الإمام عن المأموم .
وعلى هذا تنعقد صلاة المأموم بتكبيرة الإحرام، ولا تبطل صلاته لكونه كبر قبل إمامه إلا بدليل .
٣ - قياساً على جواز الصلاة بإمامين، فمن أجاز هذا يلزم منه تجويزه لهذا، كما مذهب الشافعي.
٤ - ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم بأصحابه، ثم ذكر أنه جنب فقال لهم " كونوا كما أنتم " ودخل واغتسل وخرج، ورأسه يقطر ماءً واستأنف الإحرام وبنى القوم على إحرامهم، فلما سبقوه بالإحرام ولم يأمرهم باستئنافه دلّ على جواز انعقاد صلاة المأموم قبل الإمام ، لأنهم باقون على صحة تكبيرهم مع بطلان تكبيرة الإحرام وإعادتها بعد الانتهاء من الغسل.
وهذا الأثر شاذ، والذي في الصحيح أن هذا الفعل كان قبل تكبيرة الإحرام .
٥ - ، ولأن صلاة الجماعة لا تنعقد إلا بإمام ومأموم فلما جاز للإمام أن يفتتح صلاة انفراد ثم يأتم به رجل فتصير جماعةً، جاز للمأموم أن يفتتح الصلاة منفردًا ثم يأتم برجل فتصير صلاة جماعة
وتحريره قياسًا أن نقول: إنها صلاة افتتحها منفردًا فجاز أن تصير صلاة جماعة كالإمام، .
٦ - ولأن الصلاة طرفان ابتداء وانتهاء، فلما جاز أن يكون في ابتدائها جامعًا وفي انتهائها منفردًا إذا أحدث إمامه أو مات، جاز أن يكون في ابتدائها منفردًا وفي انتهائها جامعًا .
٧ - ولأن صلاة الانفراد أنقص من صلاة الجماعة، وبناء الأفضل على الأنقص جائز فيما يصح إتيانه منفردًا، كبناء صلاة المسافر على صلاة المقيم - كما حكاه الماوردي في الحاوي -.
وهذا القول ليس بدعاً من القول ، ولا خرقاً للإجماع ، بل هو قول عند الشافعية خلافاً للجمهور.
@ فإن قيل هل يخالف هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا،...)
فالجواب : من وجهين :
أ - أن مخالفة المأموم لإمامه محمولة على الكراهة لا التحريم، جمعاً بين الأدلة ، وهذا قول أيضاً عند الحنابلة .
فيكون الأمر في الحديث على الاستحباب لا على الوجوب لوجود الدليل أو القرينة الصارفة له وهي الأدلة السابقة .
ب - أن لفظ ( فإذا كبر فكبروا) هو نظير ( وإذا ركع فأركعوا ) فإذا سبق المأموم الإمام في الركوع للعذر كالسهو ، لم تبطل صلاة المأموم ، فلم تبطل صلاة من كبر تكبيرة الإحرام قبل إمامه، وقد قال به أئمة .
ج - أن مخالفة الأمر ( فإذا كبر فكبروا ) لا تعني البطلان حتى يأتي دليل على البطلان ، ولم يصح البطلان بدليل أو إجماع.
وليس هذا من قاعدة : النهي يقتضي الفساد أم لا، وإنما هو من مخالفة الأمر ، وهي في الأصل لا تقتضي الفساد .
@ فإن قيل : أليس المأموم يلزمه اتباع إمامه في موقفه وأفعاله، وإذا تقدم إمامه في موقف الصلاة، لم يجز، فكذلك إذا تقدمه في أفعالها.
فالجواب : أن لزوم الاتباع لا يعني بطلان عبادة من خالف، لا على خلاف في كون الأمر ههنا للوجوب أو الاستحباب كما تقدم .
وكذا تقدم المأموم على الإمام في موقفه لا يعني بطلان صلاة من تقدم على إمامه في موقفه بل هو محمول على الاستحباب أيضاً على الأرجح، لأنه مجرد فعل، والأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أنها على سبيل الاستحباب لا الوجوب، وعلى فرض الوجوب لا يعني بطلان صلاة من خالف الأمر كما سبق.
ومع ذلك فالأحوط والابرأ للذمة ، هو عدم مخالفة الإمام أو سبقه بتكبيرة الإحرام ، ومن خالف فقد وقع في الحرج عند الجمهور خلافاً لما سبق تقريره وإيضاحه، والعلم عندالله تعالى .
كتبه/ محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق