حكم إقامة جماعتين في مسجد واحد :
ذكر غير واحد من أهل العلم الإجماع على جواز إقامة جماعتين في مسجد واحد، إذا كان مسجد طريق، لورود الناس دفعات وجماعات .
ولعل مستند ذلك / عدم وجود إمام راتب لا تجوز إقامة الصلاة إلا بإذنه، والإمام الراتب له سلطان على مسجده ، وفِي الحديث ( لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يجلس على مكرمته بغير إذنه).
وإذا كان مسجد طريق ، إذا كان له إمام راتب ، فإن كثرة الجماعات واستمرارها دليل على إذن الإمام الراتب لإقامتها، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، ولوجود الحرج والمشقة في عدم إذنه، فيكون من الأعذار المسقطة لإذنه والحالة تلك .
ويكون إذنه مقتصر على الجماعة الأم التي تقام في تلك المسجد .
وهذا الإجماع دليل على عدم بطلان صلاة الجماعة الثانية في نفس وقت جماعة الصلاة الأولى إذا كان للمسجد إمام راتب .
وقد نص الشافعية على كراهة إقامة جماعة ثانية للمسجد الذي له إمام راتب قبل الصلاة أو معها أو بعدها.لئلا يؤدي ذلك إلى قلة الجماعة وتفرقها.
ونص الحنابلة على تحريم تلك الجماعة وعدم صحتها قياساً على صلاة الرجل بالرجل في بيته أو سلطانه بغير إذنه.
وظاهر كلامهم على جواز تلك الجماعة وصحتها في المسجد الذي ليس له إمام راتب.
والفرق بين المسجد الذي له إمام راتب والذي ليس له إمام راتب.
أن المسجد الذي له إمام راتب ، يكون للراتب سلطان في مسجده ، بخلاف من لبس له إمام راتب لا أحد له سلطان في ذلك المسجد .
وفِي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على مكرمته بغير إذنه ).
والنهي في الحديث وإن دلّ على التحريم لكنه لا يدل على بطلان الصلاة .
لأن النهي يعود لحق المخلوق، بدليل أنه لو أذن لصح .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبطل صلاة أصحابه لما أقاموا الصلاة قبل حضوره .
بل أشار إليهم أن يبقوا.
وأتم معهم الصلاة ، ولو كانت باطلة لأمْرهم بقطعها ولاستئناف بهم من جديد.
وحديث ( لا تقوموا حتى تروني ) يدل على وجوب انتظار الراتب ما لم يصل إلى حد المشقة غير المعتادة أو يضيق الوقت ، ولا يدل على عدم صحة الصلاة .
وقد روى البخارى عن عبد الرحمن ابن عبد القارى قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليلة رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط فقال عمر إنى أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبى ابن كعب.
وهذا يدل على مشروعية الجماعتين في مسجد واحد ، إذا كانت نافلة . أو في مسجد لا إمام له راتب .
@ فإن قيل :وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )
ألا يدل على عدم مشروعية صلاتين في آن واحد في مسجد واحد.
فالجواب : أن الجماعتين كلتيهما مكتوبة ، وقد تكون كلتاهما مكتوبة الوقت، وقد تكون كلتاهما فريضة قضاء، وقد تكون أحدهما قضاء والأخرى فريضة الوقت .
ولا شك أنه إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة أن المراد بهما إذا كانا في مسجد واحد، إحداهما نافلة والأخرى فريضة .
- أو كان يصلي النافلة في بيته وهو يريد أن يصلي في ذلك المسجد، ولا يتناول الحديث ما إذا أقيمت صلاتين مكتوبة في مسجدين مختلفين، أو نافلة في غير ذلك المسجد وهو لا يريد أن يصلي فيه المكتوبة .
وكذا قد يقال : إن هذا فيما كان فرضاً ونافلة.
أما فريضة مع فريضة فلا يتناولهما لفظ الحديث، ولا يقاس الأدنى على الأعلى .
، فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَصَلَاتَانِ مَعًا ؟ أَصَلَاتَانِ مَعًا ؟ " وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَالرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ .
@ وإذا جاز تكرار الجماعة في المسجد الذي أقيمت فيه الجماعة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من يتصدق على هذا ) ، فلا يدخل في النهي عن صلاة الرجل في سلطانه إلا بإذنه.
فهل يقاس على ذلك صلاة الرجل الفريضة في المسجد الذي له راتب قبل إقامة الجماعة الأم .
لاختلاف الأداء في تلك اللحظة، فما جاز قبلها جاز بعدها، كما يفعل بعض الموظفين لإدراك عملهم وعدم تعرضهم للعقوبة .
أم لا يجوز ذلك إلا في حال الأعذار، كالأعذار المسقطة لوجوب الجماعة .
يحتمل هذا ويحتمل هذا ، والأقرب / عدم مشروعية ذلك إلا للعذر، ولهذا عذر النبي صلى الله عليه الرجل الذي انفصل عن معاذ لما شرع في البقرة ، فأنفصل عنه، وصلى الفريضة والإمام يصلي تلك الفريضة .
وأما ما يفعله بعض المسافرين في إقامة تلك الصلاة المكتوبة في ذلك الوقت في المسجد الذي له إمام راتب ففي مشروعية ذلك نظر، لأنهم أقاموا تلك الصلاة المكتوبة في نفس الوقت بغير إذنه، أما إذا لم تكن تلك المفروضة في ذلك الوقت فلا علاقة لإذن الإمام بها ، واستئذان من لا إذن له وجوده كعدمه.
وعلى هذا من صلى الفريضة المكتوبة الحالة في مسجد راتب ولو كان مسافراً فلا يقيم تلك الصلاة إلا مع الإمام الراتب.
وإذا كانت بعد إقامة تلك الجماعة فلا إشكال في الجواز .
وإذا كانت قبله فإن كانت غير التي ستقام فجائز، وإن كان للعذر فجائز، وإن كانت تلك التي ستقام فلا يشرع إلا بعد الإمام الراتب، وأما في المسجد الذي لا إمام له راتب فجائز مع أن الأولى عدم إقامة جماعتين في آن واحد، لما فيه من تكثير الجماعة وكثرة الأجر، وفِي الحديث( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى ).
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق