المرأة إذا حاضت هل يكتب لها ما كانت تعمل من النوافل؟
أما ثواب قصد الامتثال بترك الصلاة ونحوها فلا إشكال في استحقاقه عند وجود الشروط وانتفاء الموانع.
وأما كونها تثاب على الصلاة والصيام الممنوعه منها شرعاً، فالذي يظهر: عدم استحقاقها للثواب.
١ - لأن المرأة الحائض ليست مريضة، وفِي الحديث: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً" ومفهومه أن غيرهما ممن ترك العمل لا ثواب له.
٢ - ولأن دم الحيض دم صحة، لا مرض، فلا تكون مريضة بهذا الدم، بل هو دليل على صحتها.
٣ - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما رأيت ناقصات عقل ودين من إحداهن، ..ثم قال: أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم" فاعتبر عدم صلاتها نقص في دينها، ولو كتب لها لم ينقص دينها.
* قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لحديث: "إذا مرض العبد أو سافر...": أخذ من الحديث أن الحائض، والنفساء تثاب على ترك الصلاة في زمن الحيض قياسًا على المريض، والمسافر، ورُد بالفرق بأن المريض أو المسافر كان يفعلها بنية الدوام، مع أهليته لها، والحائض غير ذلك، بل نيتها ترك الصلاة في وقت الحيض، بل تحرم عليها نية الصلاة زمن الحيض، وإن كانت لا تقضيها. اهــ.
وقال النووي في شرح مسلم: فإن قيل فإن كانت معذورة، فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض، وإن كانت لا تقضيها، كما يثاب المريض، والمسافر، ويكتب له في مرضه، وسفره مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته، وحضره.
فالجواب أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها، مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت، ويترك في وقت، غير ناوٍ الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره، ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه، والله أعلم. اهــ.
قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: ويتوجه أن وصفه لها عليه السلام بنقصان الدين بترك الصلاة زمن الحيض، يقتضي أن لا تثاب عليها. اهــ.
ولكنها تثاب على ترك العبادة امتثالًا للشرع، كما في حاشية الجمل: وتثاب الحائض على ترك ما حرم عليها، إذا قصدت امتثال الشارع في تركه. اهــ.
* وذهب جمع من الفقهاء إلى أنها تؤجر؛ على ذلك لحديث أبي موسى - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا" رواه البخاري.
فإن الحديث يقرر أن من اعتاد على عمل صالح ثم لم يتمكن من القيام بهذا العمل بعذر فأجره مستمر.
بل هذا أصل في الشرع وهو أن من كان عازماً على العمل الصالح لكن حبسه عذر فله الأجر تاماً إن شاء الله و تدل على هذا الأصل نصوص أخرى مثل ما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، و لا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر".
والجواب: أن هناك فرق بين انتفاء الشرط ووجود المانع، فإذا بلغ الصبي وسط نهار رمضان صام وإن أفطر قبل البلوغ ولا قضاء عليه، وإذا حاضت المرأة في وسط نهار رمضان أفطرت ووجب عليها القضاء- وقد قررنا هذا في القواعد -
فإن قيل: إن نقصان الدين يدل على عدم الثواب غير صحيح فالمريض والمسافر عندهم نقص في العمل كذلك ولم يمنع هذا من الإثابة.
فرق بين من بدأ بالعمل وشرع فيه، ومن لم يشرع في العمل.
فإن النية الجازمة لا تنزل منزلة العمل إلا بعد الشروع فيه، قال تعالى {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} وسبق توضيح ذلك في القراعد الفقهية والأصولية .
- فإن قيل: إن نيتها ترك الصلاة زمن الحيض غير صحيح فالمسافر ينوي الترك أو النقص زمن سفره ولم يمنع هذا من الإثابة.
فالجواب: لا يسلم بأن المسافر نوى الترك، بل عنده نية الصلاة مع قصرها أو جمعها أو كلاهما.
* وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها؟
قال النووي: الظاهر أنها لا تثاب، والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته، والحائض ليست كذلك.
والأظهر - عندي - في التفريق: أن هناك فرق بين انتفاء الشرط ووجود المانع - كما سبق -
* قال السبكي الكبير في " الحلبيات ": ( من كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد كتب له ثواب الجماعة، ومن لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة).
والله تعالى أعلم وأحكم .
محمد بن سعد الهليل العصيمي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق