حكم قول: أسألك بالإيمان الذي في قلبك.
حكم قول: أسألك بصلاتك.
حكم قول: والطلاق لتتعشين عندي هذه الليلة.
........
إذا كان المقصود بأسالك بالإيمان في قلبك: هو فعل الخالق جل وعلا، بما جعل الله تعالى من الإيمان في قلبه، جاز.
قال تعالى: (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كُنتُم صادقين) فالذي يجعل الإيمان في القلب هو الله تعالى، قال تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
فهداية التوفيق للإسلام والإيمان لا تكون إلا من الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم ومن هداهم الله تعالى لا يملكون إلا هداية الدلالة والإرشاد، قال تعالى لنبيه: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم).
وأفعال الله تعالى يجوز القسم بها، فهي من الأمر وليست من الخلق، قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).
وأما إذا كان قصد السائل بما جعل الله منالإيمان بقلبك، أثر ذلك الذي هو فعل المخلوق فلا يجوز، فإن الإيمان له أثر على الجوارح ومن أثرها فعل المخلوق، ولا يجوز القسم والسؤال بفعل المخلوق، قال تعالى: (والله خلقكم وما تعملون). فحدوث الأفعال من المخلوق نتيجة الإيمان من فعل المخلوق، قال تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم، ولو لم يكن من فعلهم لما استحقوا عليه الأجر والثواب.
* ونظير ذلك القسم بالصلاة، كقولك:
أسألك بصلاتك.
فإذا كان المقصود الحلف بحكم الله تعالى -الذي شرع الصلاة- جاز، لأن الصلاة من حكم الله تعالى، وحكم الله تعالى من أمره، وأمره من صفاته.
وذلك داخل في الأمر لا الخلق، قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر).
وإذا قصد بذلك القسم أو السؤال بالصلاة: فعل العبد من ركوع وسجود ونحوه: لم يجز، لأنه من القسم، مع العلم أن الصلاة يطلق عليها إيمان، قال الله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم).
وإذا كانت هذه الأفعال مخلوقة، فلا يجوز الحلف بغير الخالق وأسمائه وصفاته وأحكامه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: يجوز الحلف بأسماء الله تعالى وصفاته وأحكامه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد أشرك).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بابائكم...).
وقد كان الحلف بغير الله جائزاً في أول الإسلام ثم نسخ، حيث روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ، وَشَاءَ فُلَانٌ، قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ).
وعند النسائي زيادة فيها ضعف: (إنكم تشركون بالله) فالرواية الأصح ليس فيها اللفظ
فكان ذلك جائزاً ثم حرم.
والوسائل إلى الشرك الأصغر، تختلف بحسب الشرائع، فالسجود للآدمي احتراماً وتقديراً، كان مشروعاً في شريعة الله تعالى على يوسف عليه السلام: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً) ومحرم فيما جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها).
بل قد يختلف ذلك في الشريعة الواحدة، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) حرم قبل استقرار التوحيد في قلوب الصحابة لكونهم حديثوا عهداً بها، فلما استقر التوحيد والإيمان في قلوبهم، تأرجحت مصلحة الزيارة، فشرعت.
والشرك الأصغر: هو كل ما كان وسيلة للشرك الأكبر.
وقيل: كل ما سماه الشرع شركاً، وأجمع العلماء على عدم خروج صاحبه من الإسلام.
وكلا التعريفين صحيح.
وبعد هذا العرض: فإن الحلف بلفظ يحتمل الجائز وغيره، تكون للنية أثراً فيه، فإذا كان المقصود حقاً جاز، وإن كان باطلاً لم يجز، مالم ينه عن لفظه.
والقاعدة: كل لفظ يحتمل معنيين، بحسب أوضاع متعددة، لا يحمل على جميع معانيه -وقد تقدمت في القواعد-.
مع أن الأفضل والأسلم الابتعاد عن الألفاظ الموهمة والمحتملة، والاقتصار على ما لا يحتمل إلا حقاً.
* وقول علي الطلاق لتتعشين عندي هذه الليلة:
إذا قصد الحلف بالحلف به، الحلف بحكم من أحكام الله تعالى جاز -كما سبق-، وإذا قصد فعل المكلف وقوله، لم يجز، لأنه حلف بالمخلوق -كما تقدم أيضاً-.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق