حكم الدعاء في خطبة الجمعة:
* حكم قول آمين لسامع الخطبة في أثنائها:
----------
جاء في صحيح مسلم من حديث عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه، فقال: (قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة).
وفِي رواية عند أحمد: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إذا دعا يقول هكذا، ورفع السبابة وحدها).
* وهذا الحديث يدل على مشروعية الدعاء في الخطبة أحياناً، لقوله: (إذا دعا).
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة لما طلب منه الرجل الاستسقاء، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كلما خطب الجمعة، بل فعل ذلك كل مرة في الجمعة خلاف الأولى، مع أن فعل ذلك يدخل في المشروع لعموم الأدلة الدالة على فضل الدعاء، ولكن عدم ثبوت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل مرة، يدل على أن فعله بصفة دائمة في خطبة الجمعة خلاف الأولى. خلافاً للشافعية والحنابلة الذين يستحبون الدعاء في كل خطبة جمعة.
استدلالاً، بحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة) رواه البزار بإسناد ضعيف جداً، حيث إنه مسلسل بالضعفاء والمجاهيل، ففيه: خالد بن يوسف السمتي: ضعيف. ووالده يوسف بن خالد: متهم بالوضع والكذب، وغير ذلك من الضعفاء.
* وإذا دعا الخطيب، فهل يشرع قول آمين وهو يستمع الخطبة، منع جمع من العلماء ذلك، لأن إنكار المنكر الذي هو واجب لا يشرع والإمام يخطب -كقولك لمن يتكلم والإمام يخطب: أنصت- فقول آمين التي هي على سبيل الاستحباب من باب أولى.
وذهب آخرون: إلى الجواز، قياساً على قول ذلك في الصلاة، فإذا لم تبطل الصلاة لأنها من جنس الكلام الذي يشرع في الصلاة، فعدم بطلان الجمعة بها وكونها لغواً من باب أولى.
والأول في نظري أقرب:
والقاعدة في ذلك: القياس في الباب أولى من القياس خارج الباب.
والقياس الأول في الباب، والقياس الثاني خارج الباب.
بالإضافة إلى أن التأمين لا يشرع للمأموم إلا في وقت محدد، وهو بعد الانتهاء من الفاتحة.
* فإن قيل: إن مشروعية تأمين المأموم ورفع يديه مأخوذ مما أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك، قال: أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكت الماشية، هلك العيال هلك الناس، «فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون»، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى...).
فالجواب: هذا مشروع في حالة خاصة، وهي الاستسقاء يشرع فيها رفع الأيدي، وأما غيره فلا يشرع فيه رفع الأيدي، ولهذا أنكر الصحابي عمارة بن رؤيبة رفع يدي الخطيب.
ولا يستدل بالأخص على الأعم.
وليس في حديث أنس أنهم قالوا بالتأمين، ولفظ (ورفع الناس أيديهم معه يدعون) يحتمل بالتأمين، ويحتمل برفع الأيدي فقط، موافقة للإمام بلا قول، وإنما بلسان الحال، كما في قوله تعالى: (فقولا له قولاً ليناً..) فالمتكلم موسى، والقول منسوب لهما، فنزل هارون منزلة موسى لأنه معه وموافق له، فكذلك ههنا.
* علماً: بأن التأمين سراً في نفسه لا إشكال فيه، لأنه لم يتكلم والإمام يخطب.
وكذلك لا إشكال عند من لا يرى وجوب الاستماع للخطبة -كالشافعية-.
فالحنفية: التأمين في دعاء الخطيب في الجمعة: مندوب بشرط السرية.
والمالكية والحنابلة: يكون التأمين سراً.
والشافعية: بدون رفع الصوت -بناء على مذهبهم-كما سبق-
* قال في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى:" (وَ) سُنَّ (دُنُوٌّ مِنْ إمَامٍ وَاسْتِمَاعُ) خُطْبَتِهِ لَعَلَّهُ يَتَّعِظُ بِهَا. (وَ) (صَلاةٌ سِرًّا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَمِعَهَا)، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (كَدُعَاءٍ) اتِّفَاقًا (وَتَأْمِينٍ عَلَيْهِ)، أَيْ : عَلَى الدُّعَاءِ".
وفي حاشية الصاوي على الشرح الكبير بل يؤمن في نفسه.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق