حكم الرمي قبل الزوال في أيام التشريق:
يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق كلها للحاج، ومن ذلك يوم النفر. وبه قال طاووس، وعطاء في إحدى الروايتين عنه، وابن الجوزي، وغيرهم.
ويدل على ذلك ما يلي:
١- قوله تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) واليوم: زمن لجميع وقت ما يتناوله المسمى وهو اليوم، ومنه: ما قبل الزوال.
فمن رمى قبل الزوال في اليوم الثاني عشر -وهو يوم النفر الأول، ثم طاف الوداع ونفر، فقد صدق عليه أنه قد تعجل في يومين.
٢- و (لترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لرعاة الإبل أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً). واليوم: يشمل ما قبل الزوال وما بعده.
٣- القياس: قياس رمي الجمرات في أيام التشريق، على رمي جمرة العقبة في وقت رميها، فكما جاز رمي جمرة العقبة في يوم النحر قبل الزوال، جاز رمي الجمرات في أيام التشريق قبل الزوال، بجامع وجوب رميها في الحج. ولكونها نسك واحد وهو الرمي.
* فإن قيل: ألا تخصص هذه الأدلة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم: حيث رمى بعد الزوال.
فالجواب: لا تخصيص في ذلك.
والقاعدة الأصولية: أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم.
ورمي النبي صلى الله عليه وسلم في جزء من النهار، فلا يخصص اليوم.
ونظير هذا الوقوف بعرفة قبل الزوال وعدم الرجوع إليها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة) ولم يقف فيها إلا بعد الزوال، فلم يحصل التخصيص، ولهذا مذهب أحمد: جواز الوقوف بعرفة قبل الزوال وإن لم يرجع بعد الزوال. ونظائر ذلك كثيرة جداً.
* فأن قيل: (خذوا عني مناسككم) مع فعله، ألا يدل على التخصيص.
فالجواب: كلا، فإن المراد بأخذ المناسك ههنا: بيان المشروع فعله في الحج، فيدخل فيه المستحب وهو الأكثر، والواجب، والركن.
ولو فرض الدلالة على الوجوب: فإن الأدلة السابقة تبين مشروعية الرمي قبل الزوال، تصرفه من الوجوب إلى الاستحباب.
* فإن قيل: قول ابن عمر: (كنا نتحين حتى إذا زالت الشمس رمينا) ألا يدل على وجوب الرمي بعد الزوال.
فالجواب: كلا.
لأن الفعل لا يخصص القول، وإنما يدل على الأفضلية.
وكون قبل الزوال أنسب مما بعد الزوال، هذا أمر نسبي، ولهذا رمى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد الأول الجمرة ضحى -كما في حديث جابر- ورمى بقية الأيام بعد الزوال.
ومع ذلك فالأحوط والأبرأ للذمة، والموافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أن لا يرمي إلا بعد الزوال في أيام التشريق، وهو ما ذهب إليه الجمهور من عدم صحة الرمي قبل الزوال في أيام التشريق، على خلاف بينهم في يوم النفر خاصة. هذا هو الأحوط، والأرجح الجواز، والعلم عندالله تعالى.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق