حكم التضحية بملكة الجمال من بهيمة الأنعام:
أيهما أفضل في الأضحية، الغنم أم الإبل:
حكم الاقتصار على التسمية دون التكبير في الذبح:
------
روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، ليضحي به، فقال: (اشحذي المدية -السكين العريضة- ثم أخذها، فأضجعه، ثم ذبحه، وقال: (بسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد).
ففيه: دليل على جواز الاقتصار على التسمية دون التكبير، وبأي اسم لله تعالى ذكر عند الذبح جاز، كـ بسم العظيم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ما أنهر الدم وذكر اسم الله تعالى عليه فكل).
والقاعدة: أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم.
* وهل فيه دليل: على أن الذبح بالغنم في الأضحية أفضل من التضحية بالإبل مع أن النبي صلى الله عليه وسلم: لم ثبت عنه أنه ضحى بغير الغنم.
فالجواب: ليس في دليل على ذلك.
والقاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى أيهما يقدم؟
يقدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى.
والمعنى هنا ظاهر، وقد جعلت الشريعة الناقة عن سبعة في الهدي، وفي الأضحية: قيل: عشرة، وقيل: سبعة.
ولأن نفع الغير بالإبل أفضل وأكثر من نفع الواحدة من الغنم، وإلى غير ذلك.
ولهذا ذهب الجمهور إلى تفضيل الإبل في الأضحية على الغنم. خلافاً للمالكية: الذين فضلوا التضحية بالغنم.
* وهل فيه دليل على أن الذبح من مزايين الإبل والغنم والبقر أفضل من غير مزايينها:
الجواب: نعم -يستحب التضحية بمزايين الإبل وغيرها من بهيمة الأنعام ما لم يصل ثمنها إلى حد الإسراف عرفاً، كناقة ثمنها بمليون ريال ونحو ذلك؛ لقوله تعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)-.
والإسراف لم يحدد في الشرع، فيكون مرجعه إلى العرف.
والقاعدة: ما لم يحدد في الشرع فالمرجع في تحديده إلى العرف.
لأن الذي يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، وباقي لونه أبيض، من الألوان المتميزة في الجمال.
وفي حديث أنس بن مالك في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين، أملحين -وهو الأبيض الخالص، وقيل المخلوط بسواد-، أقرنين، ويسمي، ويكبر، ويضع رجله على صفاحهما).
وأملحين أقرنين من الألوان الجميلة.
فهل يكون المسنون: الأملح، والكبش الذي يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد، فقط هذين اللونين، أو المراد: هو كل لون جميل من بهيمة الأنعام في الأضحية.
الثاني هو الأقرب، والقاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى، قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فإتباع اللفظ أولى.
والمعنى ههنا ظاهر: وهو جمال اللون.
وهذا من القياس بنفي الفارق وهو قسم من تنقيح المناط، وهو مفهوم الموافقة بعينه، وقد اختلف في دلالته على مدلوله، هل هي قياسية أو لفظية:
فقيل: دلالة مفهوم الموافقة، إنما هي من قبيل القياس الجلي -القياس بنفي الفارق- وهو القياس في معنى الأصل.
وقيل: إن دلالة الموافقة لفظية لكن لا في محل النطق، وذلك لأن ما دل عليه اللفظ في محل النطق هو المنطوق، وما دل عليه لا في محل النطق هو المفهوم، فإن كان التوافق في الحكم فهو مفهوم موافقة، وإن اختلف الحكم فهو مفهوم مخالفة.
وقيل: إنها دلالة لفظية مجازية -عند من يقول بالمجاز، أو أسلوب عربي عند من لا يقول به-.
ففي مفهوم الموافقة: يطلق الجزء ويراد به الكل، وبعبارة أخرى: يطلق الأخص ويراد به الأعم، كقوله تعالى: (فلا تقل لهما أف) فقد أطلق التأفيف، وأريد به: عموم الأذى،
وأطلق النهي عن أكل مال اليتيم وأريد به: الإتلاف، فيدخل فيه الحرب والإغراق.
وقيل: إن دلالته لفظية، وذلك أن العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام، وكذا أيضاً تعميم اللفظ الخاص.
من الأول حديث معمر بن عبدالله: (الطعام بالطعام مثلاً بمثل) وكان طعامنا يوميئذ الشعير.
ومن الثاني: تعميم اللفظ الخاص: نقل التأفيف من معناه الخاص إلى عموم الأذى، ونقل أكل مال اليتيم من معناه الخاص إلى عموم الإتلاف، وعلى هذا تكون دلالته لفظية من قبيل الحقيقة العرفية.
وكل ذلك صحيح فلا مشاحة في الاصطلاح، مع العلم أن أكثر الأصوليين على أن اللفظ دل عليه لا في محل النطق، وهذا كله في القياس بنفي الفارق، لا في القياس الذي يكون الإلحاق فيه بالعلة الجامعة بينهما، والله تعالى أعلم.
كتبه / أبو نجم / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق