حكم تذكير الناسي في رمضان بعدم الفطر:
حكم الأكل مما لا ينتفع به الجسم أو يضره:
حكم الأبر المغذية وغيرها للصائم:
قاعدة: مظنة الشيء تنزل منزلة الشيء إذا تعذر تعليقه بذات الشيء.
-------
قال النبي صلى الله هليه وسلم: (من أكل أو شرب في نهار رمضان فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه).
ظاهر هذا الحديث أن كل أكل أو شرب للصائم يفطره -إذا كان عالماً ذاكراً مختاراً-.
وسواء كان هذا الأكل ينفعه -والمعنى فيه ظاهر- لأنه يذهب في منفعة الجسد، في وقت يجب عليه فيه الامتناع عما يكون مفطراً أو في معناه -أو كان ذلك الأكل او الشرب يضره-، وهو وإن كان لا ينتفع به الجسم، ولكنه يسمى أكلاً -أو كان ذلك لا يضره ولا ينفعه- كالحجارة ونحوها، وهذا على فرض أن دخول الحجارة لا ينتفع بها الجسد حتى لو ثبت انتفاعه بها، فالمراد: دخول ما لا نفع له في الجسد -جماهير الفقهاء على حصول الفطر بما دخل للجسد أو الجوف وإن لم يكن له منفعة للجسد:
وذلك لأنه يسمى أكلاً، وفي الحديث السابق: (من أكل أو شرب...) ولقوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) فكل ما يسمى اكلاً أو شرباً حتى وإن لم ينتفع به الجسد يحصل به الفطر. وذلك لأن ليس كل ما يدخل إلى الجوف ينتفع منه الجسد، فمنه ما ينتفع به ومنه ما يخرج، وقد بخرج كله في نفس اللحظة كأن يخرج من القيء فلا يبقى مما أكله شيئاً في نفس اللحظة، ومع ذلك يحصل به الفطر.
ولأن الشيء إذا كان منتشراً ولا يمكن ضبطه إلا بمظنته، فإنه والحالة تلك: مظنته تنزل منزلته.
كالنوم يكون ناقضاً للوضوء، لأنه مظنة وجود الحدث، وفي الحديث: (العينان وكاء السنه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء). وهو حديث حسن لغيره، ورد من طرق كثيرة لا يخلو واحداً منها من ضعف، فيرتقي لدرجة الحسن لغيره، لان الضعيف إذا تعددت طرقه، وكان ضعفه يسيرا. يرتقي إلى درجة الحسن لغيره.
والقاعدة: مظنة الشيء تنزل منزلة الشيء إذا تعذر تعليقه بذات الشيء -وذلك بأن يكون تعليقه بذات الشيء لا ينضبط لانتشاره، أو لوجود الحرج الخارج عن المعتاد أو نحو ذلك-.
وبناء عليه: فكل ما دخل إلى الجوف وإن لم ينتفع به الجسد، فهو مفطر للصائم، حتى وإن لم يكن في معنى الاكل والشرب، وهو رأي الجمهور، قياساً على أكل ما لا ينتفع به الجسد.
على خلاف بين الجمهور في معنى الجوف الذي يحصل بالدخول فيه الفطر في الصيام -وقد سبق-.
وعليه: فكل الإبر المغذية وغير المغذي منها يحصل بها التفطير للصائم، ومنها أبر الأنسولين لمن كان به مرض السكري.
وهذا ما يظهر لي ترجيحه مؤخراً، وإن كنت قد رجحت غيره في مفطرات الصيام، والله أعلم.
----
* في الحديث: دليل على جواز تذكير الناسي للصيام إذا غلب على الظن أنه فعل المفطر ناسياً.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنما أطعمه الله وسقاه) فكيف يجب أن نمنع فضل الله تعالى عليه بتذكيره، مع أن الفعل نسب إلى الله تعالى لا إلى الناسي.
فان قيل: أليس يجب تنبيه المخطيء مع أنه فعل ما يعذر به وهو الجهل، لحديث المسيء في صلاته، وفيه: (ارجع فصل فإنك لم تصل) لأنه كان لا يطمئن في صلاته.
وكذا من صلى بالثوب النجس أو زاد الخامسة في الرباعية، يجب تنبيهه.
فالجواب من أوجه:-
١- أن هؤلاء أخطأوا، ومن أكل ناسياً في الصيام لم يخطيء. وفرق بين من أخطأ، ومن لم يخطيء.
٢- أن فعل هولاء ينسب إليهم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لما نسي في الصلاة الرباعية، وسلم من ركعتين، الحديث وفيه: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون) فتسب النسيان إليه.
بخلاف من أفطر ناسياً وهو صائم نسب الفعل إلى الله تعالى، وفرق ببن ما ينسب إلى الله، وما ينسب للمخلوق، فالشر ينسب للمخلوق، والخير يتسب إلى الله تعالى مع أن الكل من القضاء والقدر، (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره).
٣- أن في الحديث إثبات أن هذا الخير من الأكل أو الشرب للصائم وهو ناس من الله تعالى فضلاً وإحساناً له، وفي تذكيره منع للخير والإحسان من الله تعالى له، والإحسان للمخلوق: بذل الخير له.
فأن قيل: إن أكله وشربه وهو صائم للواجب منكر ظاهر، ونحن نتعامل مع الناس معاملة الظاهر.
فالجواب: إن هذا منكر لمن لا يعلم بكونه ناسياً، أما من غلب على ظنه أنه ناس لوجود القرائن الدالة على ذلك، فهذا لا يعتبر منكراً، وكيف نعتبر ما فعله الله من الإطعام والسقيا بعبده منكراً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه: محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق