حكم خروج المني والمذي في الصيام عمداً:
-------
إخراج المني عمداً دفقاً بلذة يفسد الصيام.
لما يلي:
١- لحديث عائشة في الصحيحين قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه).
-الإرب: العضو الذكري- أي يملك نفسه، ويملك حاجته، وهي الجماع في هذا الموضع، أو يملك عضوه فلا يحصل منه الجماع أو الإنزال بهذا العمل، لقوة إيمانه، ولقوة سيطرته على شهوته، فلا يخرج منه شيء بهذا التقبيل ولا هذه المباشرة، والجملة تعليلية: من يملك نفسه بهذا العمل جاز له، لأنه يملك نفسه يقيناً أو غلبة للظن،
ومن لا يملك نفسه ويتيقن أو يغلب على ظنه إذا باشر أن يجامع أو ينزل فإنه لا يجوز أن يفعل ذلك في صيام لا يجوز له قطعه، أما إذا كان في حال لا يلزمه الصيام كالنفل، وكونه مسافراً فهذا فيه سعة لعدم تعين الصيام عليه في تلك الحال.
والقاعدة: كل مباح يغلب على الظن حصول المحرم به فهو حرام .
فإن قيل: ألا يدل (ولكنه كان أملككم لإربه) على خصوصية هذا العمل بالرسول صلى الله عليه وسلم.
فالجواب: الأصل عدم الخصوصية، والعلة معقولة المعنى، وهي القدرة على فعل المحظور من هذا العمل، والأصل التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث عمرو بن أبي سلمة، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ فقال: سل هذه -يعني أم سلمة- فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقال: إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له صلى الله عليه وسلم: (إني لأتقاكم لله وأخشاكم له) فلا يمنع كون النبي صلى الله عليه وسلم أخشانا لله وأتقانا له، وأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكونه أملكنا لإربه لا يمنع من الإقتداء به (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..).
والشاهد: أن فعل التقبيل والمباشرة للزوجة في صيام الفرض مشروط بالقدرة على النفس من الجماع والمباشرة.
٢- ولقول النبي صلى الله عليه وسلم -عند البخاري- فيما يرويه عن ربه عز وجل: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، قالوا يارسول الله، يأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: (نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر). والذي يوضع في الرحم هو المني، فهذا يدل على أن الإنزال بالمباشرة أو التقبيل يفطر الصائم.
أما مجرد التفكير والإنزال بسببه لا يحصل به الفطر، لأنه لم يعمل شيئاً، وفي الحديث (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم).
٣- ولما حكاه الماوردي في الحاوي، وابن قدامة في المغني من الإجماع: على أن الإنزال بالتقبيل والمباشرة بدون جماع يفطر الصائم.
وهذا ما ذهب إليه أصحاب المذاهب الأربعة. وحكي الأجماع على ذلك، ومخالفة الظاهرية لا يضر لأنه بعد انعقاد الإجماع.
* وأما المذي فلا يفطر به الصائم، ولا يلحق بالمني.
والقاعدة: لا يلحق الأدنى بالأعلى، إلا إذا تحقق معنى الأعلى في الأدنى.
والمذي أدنى من المني من حيث الحقيقة ومن حيث الأثر ومن حيث الاختلاف في الأحكام، فإن المذي لا يوجب الغسل، بخلاف خروج المني دفقاً بلذة .
والمني تنقضي به الشهوة ويكون منه الولد، ويضعف البدن، بخلاف المذي.
وعلى هذا فمن عمل عملاً تعمد به إنزال المني في حال اليقضة فسد صومه خلافاً للظاهرية، وهم محجوجون بالإجماع الذي سبقهم وبقيت الأدلة السابقة.
وأما من خرج منه المني بغير اختيار منه في حال اليقضة، أو خرج في الاحتلام وهو نائم فلا يفسد صومه.
والعلم عند الله تعالى.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق