حكم التعزير:
————
١- التعزير مشروع لمن فعل معصية أو ترك واجباً، لا حد فيه ولا كفارة.
٢- التعزير الواجب في فعل المعصية التي لا حد فيها ولا كفارة يكون بشرطين اثنين:
أ- ما كان الحق فيه للآدمي خالصاً -كالسب والشتم- أو غالباً -كتقبيل زوجة الغير إذا كان المطالب الزوج أو كان ذلك بغير رضاها-.
ب- أن يكون ذلك بطلب الآدمي صاحب الحق، وذلك أن حقوق الآدميين لا تقام في التعزير ونحوه إلا بطلبهم، ومن ترك دعواه ترك.
فهذا القسم: لا يجوز إسقاطه ولا العفو ولا الشفاعة إلا بتنازل صاحب الحق بقبول الشفاعة أو العفو أو نحو ذلك مما يسقط به حقه بطيب نفس منه.
٣- التعزير الذي لا يجب فعله في الجاني: أن يكون الحق لله تعالى، خالصاً -كمن أفطر في رمضان متعمداً من غير عذر- أو غالباً -كتقبيل امرأة أجنبية برضاها-.
* وذلك للأدلة التالية:
* لما روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فأنزلت عليه (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) قال الرجل: ألي هذه؟ قال: لمن عمل بها من أمتي).
* ولما روى البخاري ومسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم حكم به للزبير، فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك، فغضب صلى الله عليه وسلم). ولم ينقل أنه عزره.
* وفي الصحيحين: لما كسع -ركله برجله- رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، غضب الأنصاري، وقال: يا للأنصار. قال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال صلى الله عليه وسلم : (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم) ولم ينقل أنه عزرهم.
* ولما روى الشيخان من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأنصار: (اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم).
* ولهذه الأدلة ذهب الشافعي: إلى أن التعزير لحق الله تعالى ليس بواجب، وذهب الجمهور إلى وجوب التعزير فيما شرع فيه، وتوسط بعض الحنابلة، فقالوا: إن كانت المصلحة في تعزيره أرجح، أو لا يرتدع إلا بالتعزير وجب تعزيره وإلا فلا.
وبعد هذا العرض: فالذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى: أن ولي أمر المسلمين -أو من ينيبه كالقاضي- في التعزير المتعلق بحقوق الله تعالى يفعل ما يراه الأصلح من التعزير أو عدمه.
والقاعدة: كل من يتصرف لغيره يجب عليه أن يفعل الأصلح لذلك الغير.
وبما أن هناك من عزر لفعل المعصية، كما في قوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع وأضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى).
وهنالك نصوص لم يرد فيها التعزير -كما في النصوص التي استدل بها الشافعية- السابقة، فالجمع بين النصوص فعل ذلك بحسب الأصلح، (والله يعلم المفسد من المصلح)، فالتصرف على الرعية محوط بالمصلحة.
والجمع بين النصوص واجب ما أمكن والله تعالى أعلم.
تنبيه: العقوبات الشرعية ثلاثة:
١- الحدود: عقوبات مقدرة شرعاً.
٢- القصاص: في التعدي على الأنفس والأطراف والجنايات.
٣- التعزير: التأديب على ذنوب لا حد فيها ولا كفارة.
كتبه/ محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى/ مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق