حكم تدبر القرآن أثناء القراءة أو الاستماع له :
أيهما أفضل كثرة القراءة بلا تدبر ، أم القراءة القليلة مع التدبر :
——-
التدبر : إعمال ذهن القاريء في معرفة معاني ما يقرأ.
١ - قال تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ).
٢ - وقال تعالى ( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين )
٣ - وقال تعالى ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا القرإن مهجوراً).
ومن هجر القرآن، هجره تلاوته، وهجر تدبره، وهجر العمل به .
٤ - وقال تعالى :( وهذا كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب ).
وهذه اللام قد تكون للعاقبة ، نظير ( ولا تسأل المرأة طلاق أختها ، لتكفأ ما في إنائها ). فلو سألت طلاق أختها لا لتكفأ ما في إنائها وهي النفقة لم يجز .
وهنا : لو قرأه ولم يتدبره لجاز .
٥ - وحديث( ما فقه القران من قرأه في أقل من ثلاث ).
والنهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث محمول على الكراهة عند جماهير أهل العلم .
٦ - ولأن العمل بالقرآن فرض ، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض،سواء كان فرض عين ، أو فرض كفائي ، فما لا يتم دين العبد ألا به فهو فرض عين، وما زاد على ذلك فهو فرض كفاية ، ولا بد في الأمة من يفهم القرآن .
والجواب : إن ما لا يتم دين العبد إلا به ، يمكن أن يكون من طرق أخرى غير التدبر ، كالأخذ عن العلماء ما يتعلق بما لا يتم دين العبد إلا به.
ولأن التدبر من العبد لكلام الله تعالى قد يوصله إلى ما صح فهمه، وقد يخطيء في فهم ما يتدبره ، فلا تنبني الأحكام على مجرد الفهم إلا إذا كان أهلاً للاجتهاد .
ولا شك ان من عنده القدرة على إعمال ذهنه في معرفة معاني القران ، فقراءته مع التدبر أولى من كثرة القراءة بدون تدبر .
وأما من ليس لديه القدرة على إعمال ذهنه في معرفة معانيه فكثرة قراته أفضل، لأنه مما يتعبد بتلاوة لفظه، ويؤجر على قراءة كل حرف منه ، ومن جمع بين كثرة القراءة والتدبر فهو الأفضل، مع الترتيل ومد ما يحتاج إلى مد والتغني به .
* فإن قيل :إن الأصل في قراءة القران الاستحباب ما لم يؤدي إلى هجره : وكونه سنة، فما يترتب عليه من التدبر
* يكون سنة ، لأن القاعدة : الفرع لا يكون أقوى من الأصل .
*
- ولا يشكل على هذا : نافلة الصلاة لو لم يصلها المصلي على صفتها الشرعية لوقع في المحرم والبدعة .
لأنه يلزم من ترك الصفة المشروعة في كيفيتها إذا كانت نافلة أن يقع في البدعة، لأنه تقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه الله، أما إذا ترك مسنوناً في النافلة لا يترتب على ذلك الترك الوقوع في البدعية فإنه لا يكون آثماً، كما لو ترك دعاء الاستفتاح في النافلة .
*
* فإن قيل : يشكل على هذه القاعدة : أن رد السلام واجب ، وهو متفرع عن إلقائه وهو سنة .
* فالجواب : أن هذا الفرع مختلف فيه، فقيل : إن إلقاء السلام واجب، وعند ذلك فلا إشكال .
* وعلى فرض كون إلقاء السلام سنة، فرده إنما وجب بدليل آخر ، وهو الإجماع على وجوب رده، كما حكى هذا الإجماع ابن حزم ، وابن عبد البر ، وابن تيمية . ولولا الإجماع لكان رده سنة.
* فوجب رد السلام لا من حيث أنه متفرع عن ألقائه، حتى يعارض القاعدة ، وإنما من دليل آخر .-
*
* ووجه تطبيق القاعدة : كيف يكون التدبر واجباً، وهو متفرع عن قراة القران ، وقراءته سنة.
* والجواب :
* ١ - أن ترك القراءة التي تؤدي إلى هجر القران : محرمة .
* ٢ - أن هناك فرق بين مطلق التدبر ، والتدبر المطلق - كما سبأتي -.
وبناء على ما سبق : فالذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى : أن ترك التدبر مطلقاً للقرآن لمن يستطيعه لا يجوز ، لما سبق من الأدلة ، ويعتبر ذلك من أنواع هجر القرآن ،
وأما التدبر في كل قراءة فمستحب ، ففرق بين مطلق التدبر ، والتدبر المطلق.
فالتدبر المطلق غير واجب .
والواجب : مطلق التدبر ، حتى لا يكون هاجراً لتدبر كتاب الله تعالى ،
، أو يكون التدبر الواجب ، هو الذي لا يتم الوصول إلى ما وجب شرعاً إلا به .
فيكون التدبر واجباً في هذه الحالتين وما عدا ذلك فهو مستحب .
والخلاصة أن التدبر للقران يجب في حالتين :
١ - ما لا يتم التوصل فيه إلى الحق إلا بالتدبر فيه .
٢ - أن يتدبره بما لا يعتبر في العرف أنه هاجر للتدبر في كتاب الله تعالى ، وما عدا ذلك فيكون مسنوناً. والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق