حكم من دفع زكاة لغيره على أن يرجع على مال الزكاة :
———
صورة المسألة : رجل معهود بجمع أموال الزكاة من الناس ، وجاءه فقير ولم يكن عنده من مال الزكاة شيء، فدفع له من ماله الخاص على أن يرجع على المال الذي يأتيه من مال الزكاة بعد ذلك ، فهل يجوز هذا العمل أم لا؟
———
الذي يظهر لي والعلم عند الله تعالى ، أن ذلك جائز ، وذلك للأدلة التالية :
١ - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستدين على مال الزكاة ، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة قال: فكنت آخذ البعير ببعيرين إلى إبل الصدقة )رواه الحاكم و البيهقي ورجاله ثقات ].
ووجه ذلك : أن استدان على مال الزكاة في ما يجوز صرف الزكاة فيه ، وهنا استدان للفقير من نفسه على مال الزكاة ، بجامع الاستدانة على مال الزكاة فيما تجوز فيه الزكاة .
٢ - ويدل على ذلك ما في صحيح مسلم ( يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحدى ثلاثة :... ورجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ...)
وما يتحمله الإنسان لإصلاح ذات البين إذا دفع ذلك المال بنية الرجوع على مال الزكاة ، جاز له ذلك بنص الحديث، فكذا إذا دفع لبقية الأصناف الأخرى التي تجوز لهم الزكاة كالفقراء بنية الرجوع على مال الزكاة ، فلا فرق .
٣ - ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر لجمع الزكاة ، وفيه ، ( قال منع الزكاة ثلاثة : ابن جميل ، والعباس، وخالد بن الوليد )، وفيه :( أما العباس فهي علي ومثلها معها أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ).
ووجه ذلك : أنه تحمل الزكاة عمن وجبت عليه، فيجوز للإنسان أن يدفع الزكاة عن غيره بغير إذنه كما هو ظاهر الحديث- خلافاً للمذهب - لأنه مما تدخله النيابة ، مما ينظر فيه إلى الفعل أغلب من النظر إلى الفاعل .
فإذا جاز دفع الزكاة عن غيره بغير إذنه، فلأن يجوز دفع الزكاة عن غير المعين لمن يستحق الزكاة ، أشبه ما لو دفع عن معين بغير إذنه لمن يستحق الزكاة ، بجامع دفع الزكاة عن الغير سواء كان معيناً أو غير معين ، وسواء بنية التبرع وعدم الرجوع على وجبت عليه الزكاة، أو بنية الرجوع على
من وجبت عليه.
٤ - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعمه العباس في تقديم صدقته - الزكاة - لمدة سنة أو سنتين .
ومعنى ذلك تقديم ما وجب ، ليكون بدلاً عما سيجب عند حلول الحول، فيستوي في ذلك ما إذا كان هذا التقديم لنفسه أو لغيره، لأنه مما تدخله النيابة ، والشريعة لا تفرق بين متماثلين، ولا تجمع بين مختلفين .
٥ - ولأن هذا العمل مما تدخله النيابة ، فيكون النظر إلى المفعول لا إلى الفاعل ، وقد تحقق المقصود ، والمعنى فيه معقولاً وليس مما لا يعقل معناه، وقد تحقق المعنى بإيصال المال الواجب أدااؤه لمن يستحقه .
٦ - والقاعدة : كل من دفع عن غيره واجباً- مما يقتضي الفورية - لا بنية التبرع ، فله الرجوع - وقد سبقت في القواعد -.
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق