حكم من هدم مسجداً لم تتعطل مصلحته ، ليبني مسجداً أفضل منه :
———-
تكمن الإجابة عن ذلك في النقاط التالية :
١ - لا يجوز هدم مسجد لم تتعطل منافعه ، بمسجد أقل منه منفعة أو مساوية له .
لأن المسجد وقف لله تعالى ولا يجوز اسبداله بما هو أقل منه، أو مساو له .
ويدل على ذلك حديث الذي نذر أن يصلي في بيت المقدس ركعتين إن فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم مكة ، فقال صلى الله عليه وسلم : صلي ههنا ، أي في حرم مكة .
وذلك لأن الصلاة في الحرم المكي أفضل من الصلاة في بيت المقدس.
وههنا استبدل مسجداً بمسجد أفضل منه .
٢ - إذا لم يأذن من بنى المسجد في هدمه مع بقاء منفعته التي لم تتعطل ، فلا يجوز هدمه إلا إذا نوى المتبرع الثاني أن ما كان باقياً من بنائه على نية المتبرع الأول، وما زاد فهو له - أي للمتبرع الثاني - فهذا لم يسقط حق أخيه الأول فيما أوقفه، وما زاد من توسعة وأثاث ونحوهما فهو له .
فإن قيل : إن المتبرع الأول أخرج الوقف من ماله، فوجود الإذن كعدمه، لأنه لا ملك له والحالة تلك .
فالجواب : أن الإذن ليس فيما خرج عن ذمته وماله، وإنما فيما تعلق له من الأجر في استمرار الصدقة الجارية التي ينتهي أجرها بانتهاء منفعتها ، وأما المال الذي خرج في الوقف لله تعالى يجوز استبداله بمال أفضل منه ، كما في الحديث السابق.
فلما كان المتبرع الثاني معتد على حق أخيه مع بقاء منفعة الوقف ، ولو كان بما هو أنفع وأصلح ، كان للمتبرع الأول حق الإذن أو المنع إلا أن يكون ما قدمه في عين الوقف يعود على نيته، والباقي للمتبر الثاني .
فإن أسقط حقه سقط، وكان له أجر نيته على أنه وقف من الصدقة الجارية، وانقطع عنه أجر عمله في الصدقة الجارية بإذنه.
ففرق بين أجر النية ، وأجر العمل .
فإن هدم من غير رضاه ولا قدرته على المنع، فكأنما بقي ، لأنه خرج عن عمله بغير قدرة منه ولا اختيار فكان كالمكره، ولا نقطع أجر عمله ولا نيته .
٣ - إذا كان المسجد قد مات من تبرع به، ولم تتعطل منفعته، فلا يملك أحد الإذن عنه في هدم المسجد الذي قام ببنايته ، إلا أن ينوي المتبرع الثاني أن الذي يعيده من المسجد على نيته وما زاد عما هدم فهو له- للمتبرع الثاني -. كما سبق تقريره .
٤ - المسجد الذي هجر وتعطلت منافعه، يجوز هدمه، ويكون أجر الأرض لمن تبرع بها أولاً، وأجر الباني الثاني له، لأن المسجد الأول تعطلت منافعه، مع بقاء أجر نية الأول له في كون ذلك من الصدقة الجارية .
٥ - أن الصدقة الجارية ينتهي أجرها بتعطل منفعتها، سواء كان علماً ينتفع به أو ولداً صالحاً يدعو له أو صدقة جارية.
فلا تسمى جارية إلا إذا كانت منفعتها جارية ولم تنقطع، والأعمال الجارية تختلف مدة جريانها ، فكلما كان جريان منفعتها أطول ، كانت أفضل.
والقاعدة : أن الحكم إذا علق على وصف قوي بمقدار لك الوصف فيه.
والقاعدة : الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
٦ - لا يجوز التعدي على المساجد التي لم تتعطل منافعها، من أجل الزخرفة والنقوش والترفه بالحديث من المباني، لما فيه من
إهدار الأموال والتنافس في زخرفتها ، والتعدي على حقوق الغير.
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق