حكم تعدد الجمعة في المسجد الواحد :
حكم تعدد الجمعة في البلد الواحد :
حكم تعدد المساجد للجمعة في جائحة كورونا :
—————
أصل المسألة الأولى يعود إلى حكم تعدد الجمعة في البلد الواحد :
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأهل المدينة في مسجده، وكانت آنذاك صغيرة ولا زالت إلى عهد قريب.
ولكن هل يعني عدم وجود جمعة أخرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة النبوية يلزم منه عدم الجواز أم أن هذا خلاف الأولى .
وهذا مبني على قاعدة وهي : ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ، فتركه هو السنة، ولكن فعله هل هو بدعة أم خلاف الأولى ، يختلف ذلك باختلاف المسائل ، فإذا كان فعله توفرت فيه شروط البدعة، بحيث يكون عبادة لا تدخل تحت أصل عام مشروع، فهو بدعة ، وإلا كان خلاف الأولى .
ولهذا ذهب الحنفية في المعتمد من مذهبهم والظاهرية إلى جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد من غير حاجة أو ضرورة ،
وذهب الحنابلة إلى جواز ذلك عند الحاجة أو الضرورة، ومنع من ذلك المالكية والشافعية .
فمن أجاز ذلك لعموم قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وهذا يشمل ما إذا كان النداء في موضع أو أكثر. ولان الأمر بحضورها لمن سمع نداءها ، وهذا لا يشمل من كان بعيداً عنها، لا يمكنه الحضور لبعده عن موضع النداء وسماعه .
وقياساً على سائر الصلوات المفروضة التي يمكن أن تكون في أكثر من موضع بجامع الوجوب والفرضية في كل.
ولانه لم يكن هناك سبب داع في تعدد الجمعة في المدينة لصغرها ، وكفاية المسجد لصلاة من حضرها.
@ وأجاز الحنابلة تعدد الجمعة في البلد الواحد ، للأدلة التي أمرت بالتيسير ورفع الحرج، كقوله تعالى :( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) وحديث( إن الدين يسر ..) ونحو ذلك .
والقاعدة : المشقة تجلب التيسير .
والقاعدة : الحاجة تنزل منزلة الضرورة ، إذا كان في ذلك مشقة غير معتادة ، أو كانت بمعنى ما دل الدليل عليه .
@ ومنع المالكية والشافعية من تعدد الجمعة مطلقاً في البلد الواحد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقمها في المدينة إلا في مسجد واحد، وكذلك خلفاؤه الراشدون .
والجواب : أنهم لم يقيموها في أكثر من موضع لغناهم عن ذلك فلا يحتاجون إلى إقامتها في أكثر من موضع، ولم يتوفر سبب تعددها. والصحابة أيضاً كانوا يحرصون على الجمعة التي يقيمها النبي صلى الله عليه وسلم لكونه هو المبلغ عن الله تعالى، ولفضيلة الصلاة في مسجده.
فإن قيل : روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال :( لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الأمام )
فالجواب : أن هذا الأثر على فرض ثبوته ، فهو اجتهاد منه رضي الله ولم يرفعه، وقو ل الصحابي ليس بحجة ، وعلى فرض حجيته فقد عارض الآية السابقة ، وقول الصحابي لا يقيد الكتاب ولا السنة .وقد يكون مراده لا تقام في المسجد الصغير ، وإنما تقام في الكبير ، وقد يكون المراد : هو الأفضل والأتم لا المتعين والمفروض.
فإن قيل : إن الصلاة في الموضع الواحد في البلد يتحقق به من المقاصد أكثر مما لو تعددت ، وذلك من حيث وحدة شعار المسلمين واجتماعهم وتعارفهم ونحو ذلك .
فالجواب : ان هذا المقصود لا يتخلف باتعدد مواضع الجمعة ، نعم يكون أخف، ولكن يحصل به المقصود ، ثم إن هذه حكمة وليست بعلة تمنع من ثبوت الحكم .
ولأن مقصود رفع الحرج قد يربو على مصلحة الأكثر اجتماعاً.
وبناء على ما سبق : فإن الذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى هو القول بجواز تعدد الجمع في البلد الواحد مع أنه خلاف الأولى ما لم يكن لذلك حاجة ، فإذا كان هناك حاجة كان جائزاً، ولم يكن ذلك خلاف الأولى .
وينبني على ذلك جواز تعدد الجمعة في المسجد الواحد، بدون حاجة خلاف الأولى .
ومع وجود الحاجة يجوز وليس فيه مخالفة للأولى .
وينبني على ذلك جواز كثرة مساجد الجمعة في ظل جائحة كورونا، أخذاً بأسباب الوقاية من هذا المرض المعدي.
والله تعالى أعلم .
كتبه / د .محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق