حكم المسؤولية المحدودة في الشركات المساهمة :
———
صورة المسألة : أن الخسارة في تلك الشركة تكون في رأس المال ، ولا يتحمل المساهم أكثر من خسارة رأس ماله.
بحيث تكون مسؤولية الشريك من ديون الشركة مقتصرة على نصيبه فيها، ولا يتحمل الشريك في أمواله الخاصة ما زاد من ديون الشركة عن موجوداتها، ولا يشترط في إفلاس الشركة إفلاس الشريك .
——————
الخلاصة : فساد شرط المسؤولية المحدودة، وتحريم المساهمة في الشركات ذات المسؤولية المحدودة .
——————
ذهب جمع من المعاصرين إلى صحة هذا الشرط ، وذلك للأسباب التالية :
١ - أن الأصل في الشروط الصحة .
فيكون اشتراط تحديد المسؤولية عن الديون بمقدار رأس المال في الشركة شرط في الشراكة الجارية .
والجواب عنه من الاجوه التالية :
أ - أن الأصل ، أضعف الأدلة، فلا يستدل به حتى يبحث عن غيره من الأدلة.
ب - وأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد الشرعي في الشركات، والقاعدة العامة فيها : أن الربح يكون بنصيب مشاع حسب اتفاق الطرفين - في مقدار هذا النصيب المشاع -، والخسارة على صاحب العمل في عمله، وعلى صاحب المال في ماله، ما لم يحدث تعد ولا تفريط.
وكل من فعل ما لا يجوز أو ترك ما وجب فعليه الضمان بمقدار تعديه أو تفريطه.
ج - ولان المزارعة الفاسدة ، إنما فسدت بسبب الإخلال بالقاعدة السابقة، وفي حديث رافع بن خديج: كنا نزارع على الماذيانات - الخطوط الرئيسية للماء - وإقبال الجداول - الخطوط الفرعية - فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا ، وليس للناس كراء إلا هذا، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزارعة ).
أي المزارعة الفاسدة الغير مبنية على المشاركة في الربح والخسارة.
والقاعدة : العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام .
والخسارة بالاتفاق تكون بحسب نصيب كل مساهم بقدر نصيبه، وفي العمل بعمله.
فتخصيص الخسارة في جزء من المال ، وإهدار الباقي، مخالف لهذا الإجماع .
٢ -ولأن حقيقة هذا الشرط ، هو إبراء من دين مجهول لم يتبين قدره .
والجواب عنه من وجهين :
أ -أن هذه المعاملة معاوضة، والمعاوضة مبنية على المشاحة لا على التبرع، فإذا لم تكن الخسارة في مال الشريك بحسب نصيبه من الشركة، والعاملل يخسر في عمله، كان في ذلك غر راً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر)، والغرر ههنا مما نهي عنه لحق الله تعالى ، فلا يصح أن يبنى عليه العقد .
ب - القاعدة : يغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يغتفر ابتداء - وقد سبق تقرير هذه القاعدة بأدلتها في القواعد -.
٣ - وقياساً على العبد الذي أذن له في التجارة لسيده، فإنه إذا تعدى أو فرط كان ذلك في رقبته أو ماله، ولم يتحمل سيده ذلك ، فتكون الديون الزائدة عن رأس المال متعلقة باسم الشركة لا بالمساهمين فيها ، فإذا افلست الشركة والحالة تلك لم يكن للغرماء إلا ما كان من رأس مال الشركة ولا يعودون على المساهمين بما زاد على ذلك من الدين .
والجواب عنه : أن العبد لا يخلو في تصرفه من حالتين :
إما أن يكن ذلك عن طريق إذن سيده، على أن يتصرف لسيده نيابة عنه ، فيكون وكيلًا عنه، فيتصرف بالأصلح لسيده ما لم يتعد أو يفرط، فإن تعد أو فرط تعلق ذلك برقبته.
وإما أن يتصرف لنفسه بلا وكالة فيتعلق برقبته ، لأن العبد لا يملك، كجنايته على غيره.
وعند ذلك فلا يكون فيه دليل على التفريق ببن الشخصية الذاتية والاعتبارية .
٤ - ولان في تصحيح هذا الشرط من المصالح التي تعود على الفرد والمجتمع من استثمار تلك الأموال في المشاريع النافعة .
والجواب عنه : كل مصلحة تخالف الشرع ، فهي مصلحة ملغاة لا عبرة بها، وفيما أحل الله تعالى غنية عما حرمه.
@ وذهب جمع آخر من المعاصرين إلى عدم صحة هذا الشرط ، للأسباب التالية :
١ - أن هذا الشرط يخالف مقتضى العقد الشرعي، وهو أن الخسارة على صاحب المال في ماله في الشركات.
وذلك أن الشريك يتحمل من الخسائر بقدر صحته في رأس المال .
٢ - ولأن الدين يتعلق بالذمة لا بعين المال .
٣ - ولأن اقتصار الدين على المال المساهم به فقط ، يغرر بالأطراف المتعامل معهم ، والذين في الغالب لا يعرفون مقدار رأس المال، ولا الديون الملتزم بها ، ولاالديون التي سيلتزم بها قبل إفلاس الشركة .
وهذا اللازم يدل على فساد العقد.
٤ - أنه يلزم من تصحيح هذا الشرط : جواز شراكة مجموعة منهم من مسؤوليته مطلقة في رأس مال الشركة وفي جميع أمواله، ومنهم من تكون مسؤوليته محدودة بأمواله في الشركة، وهذا مخالف للشرط الشرعي في قاعدة الشركات، وهي أن الخسارة تكون على قدر حصة كل شريك في ماله.
فيكون هذا من الامتياز في الشركات المساهمة في الأموال، وقد سبق تقرير تحريمها.
٥ - ولأن التفريق بين الشخصية الذاتية، والشخصية الاعتبارية، وهي اسم الشركة، تضييع للحقوق، وإهدار لها، فلا وجود للشركة إلا بالشركاء، فإن حصل الخطأ من الجهة الإدارية فالمخطيء هو الذي يتحمل نتيجة خطأه، وكل من يتصرف عن الغير فيده يد أمانة ما لم يتعد أو يفرط.
وبهذا يظهر فساد هذا الشرط الذي يعود على هذا العقد بالإبطال وتحريم المساهمة في الشركات ذات المسؤولية المحدودة .
٦ - ولأن القول بصحة المسؤولية المحدودة في الشركات، يستلزم ربح ما لم يضمن، فيكون ربح الدين له مع أنه لا يضمن ما زاد عن رأس مال الشركة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن .
والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة ام القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق