حكم نوم الإنسان وحده :
حكم سفر الإنسان وحده :
————-
( الخلاصة : الوحدة مكروهة إلا إذا كانت في حال الاضطرار أو الحاجة أو ما كان مصلحة الانفراد والوحدة فيها أعظم ).
———-
١ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ ) رواه البخاري.
وفي هذا الحديث التحذير من الوحدة، وبعد ذلك أشار إلى نوع من أنواعها التي تكون غالبة في عهد النبوة ، وهي وحدة السفر .
والقاعدة : التفريع من العام لا يقتضي التخصيص - وقد سبق تقريرها في القواعد - فالحديث وإن نص على السفر، لكنه مفرع من حكم عام وهو الوحدة ، ومنها الوحدة في السفر ، ويدخل في ذلك كل وحدة وانفراد وإن لم تكن في السفر ، كالوحدة في النوم .
والقاعدة : ما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
والقاعدة : ما خرج مخرج التمثيل فلا مفهوم له.
والقاعدة : التخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم به لم يبق مفهومه حجة.
وهي قاعدة المفاهيم العامة وقد سبق في القواعد تقريرها .
٢ - وقد أخرج الإمام أحمد في المسند هذا الحديث بزيادة فيها :
( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ )
إلا أن هذه الرواية تعتبر شاذة ، وترجح عليها رواية البخاري لسببين اثنين :
أ- أن رواية البخاري رواها تسعة من أصحاب عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر . كلهم يقتصر على ذكر السفر دون المبيت ، وانفرد واحد من تلاميذ عاصم بن محمد وهو عبد الواحد بن واصل بذكر النهي عن المبيت وحده . وهو وإن كان ثقة ، إلا أن رواية الثقات أرجح من روايته .
ب- ويدل عليه أن رواية أحمد مروية بالمعنى ، إذ لم يذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، بخلاف رواية الأكثرين .
ولذلك حكم محققو مسند أحمد (9/467) ومثلهم الشيخ مقبل الوادعي في "أحاديث معلة" (249) بشذوذ رواية عبد الواحد . بخلاف الشيخ الألباني حيث حكم بصحتها ، كما في "السلسلة الصحيحة" (60)
وقد ورد النهي عن مبيت الرجل وحده مرسلا عن عطاء ، كذا رواه أبو داود في "كتاب المراسيل" (380) وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/726)
٣ - وروى الطبراني في "الأوسط" (2079) من طريق محمد بن القاسم الأسدي عن زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا ، ولا نام رجل في بيت وحده )
إلا أنها رواية مردودة بسبب محمد بن القاسم الأسدي ، لأنه متهم بالكذب .
٤ - كما جاء النهي عن المبيت وحيدا في بعض الآثار الصحيحة : فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " لا يسافرن رجل وحده ، ولا ينامن في بيت وحده " انتهى .
صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/130)
وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده ؟ قال : أحب إليَّ أن يتوقى ذلك . نقلا عن "الآداب الشرعية" (1/428)
٥ - فعن أبي ثعلبة الخشني قال: كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان" فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضمّ بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم (أبو داود, وأحمد .
٦ - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ ) رواه الترمذي وقال حديث حسن . وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (62)
@ وكل عات متمرد يسمى شيطان ( شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا).
وللعلماء في حكمة النهي الوارد في هذا الحديث عدة اتجاهات :
1- أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان، أو هو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه، فقيل على هذا إن فاعله شيطان (معالم السنن 2/260).
2- أن اسم الشيطان مشتق من الشطون وهو البعد والنزوح، فيحتمل على هذا أن يكون المراد أن الممعن في الأرض وحده مضاهٍ للشيطان في فعله وشبهه (معالم السنن 2/260).
3- يعني أنه مطمع للشيطان لانفراده, كما يطمع فيه اللص والسبع، فإذا خرج وحده تعرض له (تأويل مختلف الحديث ص 242).
وهذا من التأكيد على المسلم بلزوم الجماعة عمومًا، وفي السفر خصوصًا؛ لأن رفقته حينها يكونون الجماعة.
ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" (الترمذي 2165 وقال: حسن صحيح, أحمد 114).
ولا مانع من صحة جميع تلك المعاني .
@ والعلماء في حكم السفر وحده -، وما كان بمعناه ، - مذهبان : الكراهة في سفر الإنسان وحده، وفي تفرده ووحدته في السفر ونحوه
قال الترمذي رحمه الله ترجم لهذا الحديث والأحاديث بمعناه بقوله "بابٌ في كراهة أن يسافر الرجل وحده" .
والمذهب الثاني : حملوا الحديث على زجر الأدب والإرشاد، فقد جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود (7/269) ما نصه (وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام...).
والأول : أقرب لورود النهي الشرعي في ذلك .
ومحل الكراهة أو النهي -كما قال أهل العلم- إذا كان مظنة لحدوث مكروه. أو مكان مصلحة الجماعة فيه أكثر من الانفراد .
@ ولا يدخل في النهي :
أ - حال الاضطرار فإن اضطر فلا حرج؛ لقول الله جل وعلا: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ).
ب - وكذا الحاجة الشديدة التي لا يتأتى معها إلا الوحدة ، قال تعالى : ( ما جعل عليكم في الدين من حرج).
ج- ولا يدخل في النهي ما كان مصلحة الوحدة فيه أكثر من مصلحة عدمها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حبب إليه التحنث وحده في غار حراء. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم آحاداً من أصحابه في مهام كثيرة.ومنها بعثه صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي برسالةإلى عظيم بصرى .
ولأن الحكم معلل بالمصالح الكثيرة في الاجتماع والبعدعن الانفراد الذي يحتوي على المخاطر الكثيرة غالباً، فإذا تحقق العكس يقيناً أو غلبة للظن لم يدخل في النهي.
د - ولا يدخل في النهي : إذا كان الطرق مسلوكة والسير فيها مستمرا، أو حوله أناس لا يعتبر في ذلك منفرداً، بل له حكم المجموع.فقد يكون منفرد في سيارته، ولكنه ليس منفرداً في سفره.
و- ولا يدخل في النهي : الوحدة والسفر عند حدوث الفتن لما في صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ المُسْلِمِ الغَنَمُ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ»
وهذه الأحاديث تدل على كراهة الوحدة فيما يخشى المرء فيه على نفسه ، من ضعف وهلكة ومشقة ، أو ما يخشاه من إغواء الشيطان وإضلاله ، فإن الفائدة من وجود الرفقة والصحبة الصالحة لا تقتصر على الإعانة والمساعدة ، بل الأهم أنها تثبت على الخير والتقوى ، فإن الشيطان من الإثنين أبعد.
قال ابن حجر في الفتح :
" وترجم له ابن خزيمة : " النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة " ؛ لأن معنى قوله ( شيطان ) أي : عاص . وقال الطبري : " هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة ، وليس بحرام ، فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش ، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف .
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق