حكم قول : يأبى الله علي أن أفعل كذا :
———-
يتوهم أناس أن معنى هذه الجملة : يمتنع على الله تعالى أن أفعل كذا.
وليس هذا هو المراد، فإن القائل ، لو قيل له : تقصد هذا المعنى الكفري ، لقال : أعوذ بالله من ذلك .
فلا أحد يملك أن يمنع الله تعالى من إنفاذ قضائه وقدره.
والقاعدة : الألفاظ قوالب المعاني.
والمعنى : أعوذ بالله أن أفعل كذا.
ومن قوة حسن ظنه بالله تعالى أن الله يعصمه ويمنعه من هذا الفعل عبر بهذا اللفظ .
وفي الحديث:( إن من عباد الله تعالى من لو أقسم على الله تعالى لأبره) وليس مقصوده التألي على الله تعالى ، وإنما من حسن ظنه ، وثقته بربه أنه لا يحنث في قسمه وحلفه .
وهذا نظير هذا ، وبناء عليه : فلا إشكال في جواز هذا اللفظ بقصد المعنى الصحيح، وهو المراد، لا المتوهم .
والقاعدة : العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
والعرف يحدد المعنى المراد من اللفظ،
@ فإن قيل : ألا يلزم من ذلك ، ويترتب عليه : أن لا يوجد مناهي لفظية ما دام قصد صاحبها صحيحا .
والجواب : كلا ، ولا يلزم منه ذلك ، وذلك من وجهين :
١ - أن يكون اللفظ نهي عنه لذاته لمقصود شرعي، كما في قوله تعالى :( يا أيها الذين آموا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) وسبب ذلك : أن كلمة راعنا عند اليهود لها معنى قبيح، فإذا سمع اليهود هذه الكلمة من الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم ضحكوا- قيل معناها: أسمع لا سمعت - فنهوا عن هذا اللفظ.
وكأن يكون اللفظ في حد ذاته شركاً، ( ما شاء الله وشئت) قال : أجعلتني لله نداً) قل ( ما شاء الله وحده ).
٢ - أن اللفظ إذا كان لم ينهى عنه لذاته لمقصود شرعي ، وإنما من أجل أنه قد يحتمل معنى فاسدا ، فإذا كان هذا الاحتمال راجحاً أو مساوياً في احتمال المعنى الفاسد : نهي عنه .
وإذا كان ذلك الاحتمال مرجوحاً، ولا ينقدح في ذهن السمع فهمه ، واحتمال معنى غيره لا يكون إلا بتكلف ، فلا عبرة بهذا الاحتمال .
فما يحتمل احتمالاً مساوياً أو راجحا ً لمعنى فاسد ، نهي عنه، وأما إذا كان الاحتمال مرجوحاً، وغير مفهوم من ظاهر اللفظ إلا بتكلف، ولا ينقدح للذهن عند سماعه إلا المعنى الصحيح كما في مسألتنا ، فإنه لا بأس به
والله تعالى أعلم .
كتبه /د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق