حكم الزائد من المال عند جمعه لحاجة معينة :
————
فمثلاً: جمع مال لإجراء عملية وبريء المريض ماذا يصنع بذلك المال؟
————-
الخلاصة : إذا أخذ المتبرع له المال وهو مستحق له حال قبضه، فهو له وإن صرفه في غير ما جمع له من أجله، وما زاد فهو له ، إلا إذا قبضه على وجه ليس له قبضه من أجله، كأن يأخذ الزكاة وهو غي مستحق لها ، أو يأخذ المال المجموع له من أجله وقد زال السبب الذي جمع له من أجله ).
————-
يتضح حكم المسألة في النقاط التالية :
١ -إذا جمع هذا المال من مال الزكاة لحاجته لذلك المال ، فإن هذا المال إذا قبضه المحتاج إليه وكان من أهل الزكاة عند قبض المال ، فهذا المال له ، حتى ولو صرفه في غير ما خصص له .
لأن العبرة بحاله عند قبض المال ، وهو في تلك الحال من أهل الزكاة ، فكان المال ملكه يتصرف فيه بما شاء مما ليس بحرام .
والقاعدة : العبرة بالمنظور لا بالمنتظر - كما سبق تقريره في القواعد -.
ولأن الصدقة ومن أعظم أنواعها الزكاة ، لا تتقيد بالشرط ، كالعمرى والرقبى ، والصدقة أحد أنواع الهبة.
وقاعدة : ما صرف لشيء لا يجوز صرفه في غير ما خصص له.
هذه فيما ليس فيه تمليك للمال لشخص، وعلى فرض دخولها: فالهبة ومن أنواعها الصدقة التي تملك لمعين مستثناة من القاعدة .
وذلك لما روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته ومماته). وقد سبق بيان - حكم العمرى والرقبى - .
٢ - إذا دفع هذا المال لشخص وكان هذا القدر زائد عن حاجياته وضروراته عند تقبيضه لمال الزكاة ، فهذا الزائد يجب رده لأهل الزكاة .
لأن مال الزكاة لأهلها من الأصناف الثمانية وما زاد عن حاجياته وضرورياته من الزكاة لا يجوز له أخذ ذلك المال والحالة تلك .
٣ - إذا كان هذا المال صدقة مطلقة غير مقيدة ، جازت لمن تجوز فيهم الصدقة ممن لم يكونوا من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم بنوهاشم.
٤ - إذا كانت الصدقة التي جمعت مقيدة بشخص أو وصف، فالزائد يكون حسب القيد لذلك الشخص أو ذلك الوصف والحال، قبل قبض من جمع له ، والذي يحدد ذلك النية والقرائن ، وكل ما يبين المراد ويوضحه.
فقد يكون المراد الشخص، كأن يصاب أحد أفراد بحادث سيارة أو يغلبه دين ، فيجتمع أفراد قبيلته لجمع مبلغ مالي، ثم يفيض عن دينه أو ما حصل له من غرم في حادثه.
فيكون الزائد له، لأن المال جمع له والمراد عرفاً شخصه ،إعانة له ومحبة فيه .
وهذا قبل قبضه فيعطى له، أو بعد قبضه فيكون له أيضاً.
وقد يكون المراد بجمع المال : الحال التي في الشخص، والوصف القائم به ، لا عينه وذاته، كان يجمع مال لرجل أجنبي لغسيل كلى ثم يتعافى قبل أن يدفع له المال، أو لإجراء عملية ثم تتم بدون مقابل ، فإن هذا المال يصرف لمثل تلك الحال التي جمع من أجلها المال ، إذا لم يقبض المحتاج قبل برئه ، ولا يرد على أصحابها إلا إذا كان تبرعهم لسبب إذا لم يتم رجع لهم ، أو يستأذن منهم .
لأن العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه.
فمن كانت نيته التبرع المطلق- أي خروج المال من ملكه مطلقاً - فلا رجوع له في المال، وإذا لم يتم السبب الذي من أجله تبرع فإن هذا يتقيد بالشخص أو بالحال والوصف حسب النية والقرائن .
ففرق بين التقييد بالشخص والتقييد بالوصف والحال .
ومن كانت نيته التبرع المقيد بسبب، فإذا لم يمكن رجع إليه ماله، وله أن يصرفه حسب رغبته في المشروع .
٥ - إن الزائد من المال المجموع لسبب لا يخلو من الحالات التالية :
إذا كان زكاة فحسب التفصيل السابق.
وإذا كان صدقة لسبب إن لم يوجد رجع المال للمتبرع به، بمعنى أن المتبرع قصد إن لم يتم السبب الذي جمع له المال رجع إليه -.
وإذا كان تبرعاً نوى به خروجه من ملكه مطلقاً، ولم يتم السبب الذي جمع من أجله المال في ذلك الشخص فإنه يتقيد بالشخص أو بالوصف والحال حسب النية والقرائن وذلك قبض من كان مستحقاً له مع بقاء السبب الذي جمع المال من أجله عند القبض .
فهناك فرق بين من تبرع بالمال لسبب لولاه لم يتبرع ورجع فيه.
فإذا لم يوجد ذلك السبب فالمتبرع بالخيار بين إمضائه في غيره أو رجوعه فيه .
وبين من تبرع بنية خروج المال من ذمته ، ولكنه قيده بشخص أو وصف، فيتقيد به ، كما سبق .
٦ - فإن قيل : التفريق بين تبرع بنية خروج المال من ملكه ، وبين التبرع بنية عدم خروج المال من ملكه عند عدم وجود السبب المتبرع فيه ، يكون غير طاهر عادة .
فالجواب : أن النية والقرائن توضح المراد، ويختلف الحكم باختلافها .
وكذا يقال : في تقييد الشيء بالشخص أو الوصف والحال.
وهذا له نظائر كثيرة في الشريعة الإسلامية .
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق