بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قبل البدء في صميم المادة أحب أن أنبه إلى أنه يجب على كل من توجه إلى العلوم الشرعية أن يخلص لله عز وجل في تعلمها؛ فلا يتعلم رياءً ولا سمعةً ولا شهرةً، أو يماري العلماء أو يجالس به السفهاء، أو نحو ذلك -من أجل وظيفةٍ أو شهادةٍ دنيوية أو أي غرض من أغراض الدنيا.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب علماً مما يبتغى فيه وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عُرْفَ الجنة). أي: ريحها؛ من طلب العلم مما يبتغى به وجه الله وهذه مادة فقه المعاملات المالية مما يبتغى بها وجه الله وتعلمها لكي ينفع نفسه وأمته ويكون خالصا لله تعالى، كما قال جل جلاله: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)، و قال تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)، وقال تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحوراً، ومن أراد الأخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكوراً، كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً)، وغير ذلك من الأدلة الكثيرة التي تدل على وجوب الإخلاص لله تعالى، ومنها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو أمرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
وعلى هذا يجب أن ينظر الإنسان في نيته، جاء عن بعض السلف أن الطالبين يكونان في مجلس واحد ما بينهما كما بين الثرى والثريا، أحدهما أخلص نيته لله تعالى في تعلم العلوم الشرعية فرفعه الله عز وجل إلى العلى، فهو في هامه السحب، وآخر لم يخلص نيته لله تعالى فهو في الثرى في الأرض.
و الفرق بينهما فرقٌ عظيمٌ بل يتوجه على الإنسان أن يراجع نيته في طلبه لهذه العلوم الشرعية لا يبتغي بذلك إلا وجه الله والدار الأخرة، (تلك الدار الأخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الارض ولا فساداً والعاقبة للمتقين).
والأمر الثاني أن يجتهد في طلبه هذه العلوم. من جد وجد ومن زرع حصد،
ولهذا أثنى الشعراء على العلم وعلى أهله وقبل ذلك أثنى الله عز وجل عليه في القران قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، و قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، و قال تعالى: (وقل رب زدني علما)، و جاء النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهلا الله له به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع).
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، وكان ابن عباس ينام على عتبه زيد بن ثابت حتى إذا استيقظ من نومه في قيلولته -أي النوم وقت الظهيرة- أخذ بزمام ناقته ثم ذهب إلى المسجد فقال هكذا ما أمرنا أن نصنع به لعلمائنا.
ينبغي لمن طلب العلم أن يجد ويجتهد وعلى جميع الوسائل التي توصله إلى أعلى مراتب العلم.
قال الشاعر:
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله *** ومن يخطب الحسناء -المرأة الجميلة- يصبر على البذل -المهر-
ومن لم يذل النفس في طلب العلا *** يسيراً يعش دهراً طويلاً أخا ذلي.
وقال آخر:
إن الأكابر يحكمون على الورى *** وعلى الأكابر تحكم العلماء -والورى هم الخلق والناس من الاكابر الزعماء الرؤساء-
ومن فاته التعليم وقت شبابه *** فكَبِّر عليه اربعاً لوفاته
أي: من فاته التعليم وقت الصغر فإننا نضع بينه وبين القبلة مستلقيا على ظهره ثم نكبر التكبيرة الأولى نقرأ الفاتحة، ثم نكبر التكبيرة الثانية نصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بعد التكبيرة الثالثة ندعو له ولأموات المسلمين، ثم الرابعة ونسلم؛ لماذا؟
لأن من فاته التعليم وقت شبابه فكبر عليه أربعا لوفاته. أي: إن هذا الذي فاته التعليم وقت الصغر كالميت يصلي عليه كما يصلى على الميت.
وقال آخر:
العلم ينهض بالخسيس إلى العُلا *** والجهل يقعدُ بالفتى المنسوبِ.
لو أن الانسان ذا نسب عالٍ وقال أنا لا أطلب العلم. تقول هل ينفع ذلك النسب العلم؟ نقول له: لا.
العلم ينهض بالخسيس الى العلا *** والجهل يقعد بالفتى المنسوبِ.
وكذلك قال الشاعر:
العلم صيد والكتابة قيده *** قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة *** ثم تتركها بين الخلائق طالقة.
لو أن إنساناً ذهب إلى مكان الصيد وتعب حتى صاد غزاله ثم لما أقبل على دياره أطلقها وقال: وصلت إلى أرض الأمان؛ فإن ذلك حماقه أم عقل وادراك؟ بل حماقه.
يشبه من أتى له المعلوم ثم لم يقيد هذه المعلومة في مكان يثق به وفي تحصيله ومن طول مكثه ويسمع من الحماقه أن تصيد غزاله ثم تتركها بين الخلائق طالقه كثير من السلف كانوا يصبرون في طلب العلم ويتحملون الكثير من أجل أن ينال منه الشيء ولهذا قال الشافعي: "من شغله شراء بصله عن طلب العلم فما تعلم".
وذهب الفضل بن دكين و الإمام أحمد ويحيى ورجل ثالث في رحلة إلى اليمن في طلب العلم لما رجعوا مروا على عالم محدث يقال له الفضل بن دكين فقال يحيى بن معين أريد أن أختبر حفظ هذا الرجل و أرى هل هو حافظ أو لا؟ وقال أحمد: هو أجل من أن يختبر، وسكت الثالث. فوضع يحيى بن معين ثلاثين حديثا. العاشر والعشرون والثلاثون ليس من حديثه، ثم ذهبوا إليه وجلس أمامه على الكرسي فقال يحيى بن معين نحن عندنا أحاديث فما لم يكن من حديثك أخبرنا أن نشطب عليه، فقرأ فلما وصل العاشر، قال: هذا ليس من حديثي، فلما وصل إلى العشرين قال هذا ليس من حديثي فشطب عليه، فلما وصل إلى الثلاثين عرف الفضل بن دكين أنه اختبار، فقال: أما هذا يقصد الامام أحمد هو أجل من أن يصنع هذا، وقال في الرجل الاخر الذي معهما: إنه أحقر من أن يصنع هذا، ولا أظنه إلا أنت، وركله برجله في بطنه ثم خرج وقد ابتلي الأمام أول ما أخرج قال الامام أحمد: ألم أقل لك؟ لضربة أو لركلة الفضل بن دكين أحب إلي من كذا وكذا.
وكان السلف يبذلون قصارى جهدهم في البحث عن العلم والرحلة من أجله فأخذوا الفترات الطويلة حتى وصلوا الى ماوصلو إليه، وينبغي من توجه إلى العلم الشرعي أن يجد ويجتهد.
وكان عند النسائي شيخ أحمق فطرده من الحلقة، وكان النسائي يحضر من وراء ستار ويقول حدثهم وانا اسمع، وذلك للصبر والتحمل في طلب العلم.
وهذه مقدمه يسيره في الإخلاص لله عز وجل وفي بعض آداب العلم.
** * ** * **
وننتقل الآن إلى صلب المادة في هذه المذكرة إن شاء الله تعالى.
الفقه: الفهم، وهو المشهور في العرب. وقيل: هو فهم الاشياء الدقيقة، ولا تقول: فقهت أن السماء فوقنا، ولا تقول: فقهت أن الارض تحتنا؛ لذلك ما يحتاج فقه هذا القول الثاني، ولكن المشهور في لغة العرب المراد بالفقه هو الفهم عند الاطلاق وتقول فقهت هذه المسألة أي فهمتها وسمي الفقيه بذلك لأنه فاهم، لأنه يفهم الأحكام الشرعية، لأن عنده فهم و إدراك.
وهذه القاعدة عند أهل العلم أن اللفظ يطلق على أغلب استعمالاته، ولهذا قالوا: إن العبرة بالأعم الأغلب لا بالقليل والنادر.
قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (إذا بلغ الماء قلتين؛ لم يحمل الخبث) والقلال في عهده كثيرة، لكن المشهورة المعروفة عند الاطلاق المراد بها قلال هجر -وهجر: هي الاحساء-، والمراد: إذا بلغ الماء قلتين والمراد بها ما يكون في غالب الاستعمال عندهم ولهذا فإن القاعدة: العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام.
في حديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطعام بالطعام وكان طعام يومئذ الشعير)، المراد بالطعام بالطعام أي: الشعير بالشعير يعني وكان طعامهم يومئذ الشعير.
ليس المراد وهو أن الطعام بالطعام مثلا بمثل المراد به الشعير بالشعير لأنه في حديث عبادة بن الصامت قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والملح بالملح).. الشعير والبر والتمر كل هذه أطعمه ومع ذلك قال النبي في آخر هذا الحديث: (إذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم اذا كان يدا بيد)، فلا يعارض هذا الحديث: (الطعام بالطعام) لأنه بين وواضح أن المراد من هذا هو الشعير إذا كان الطعام بالطعام. وأيضا مثلا قول أريد بريال عيش مثلا، هذا يعني: أقصد بذلك خبز ليس كل ما يطلق عليه عيش أو الطعام،
قول أريد به: أقصد شيء معين.
فالقاعدة: العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام.
الفقه اصطلاحا: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
العلم بالأحكام الشرعية: خرج العلم بغير الاحكام الشرعية، (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الأخرة هم غافلون).
والاحكام تنقسم الى قسمين: حكم وضعي؛ وحكم تكليفي.
فالحكم المتضمن الطلب أو الترك أو التخيير: حكم تكليفي -يقصد به الواجب، والمستحب،
والأمر: سواء على وجه الوجوب أو الاستحباب، ويدخل في الأحكام التكليفية النهي عن شيء: إما أن يكون نهي تحريم، أو كراهة، و المباح-.
والحكم الوضعي: هو ما جعله الشارع علامةً على شيءٍ؛ من الصحة أو الفساد، أو عزيمة أو رخصة.
طلق الرجل زوجته وهي حائض هذا حرام وهو حكم تكليفي
طلاق الرجل امراته في طهر جامعها فيه هذا حرام، والواجب إذا أراد تطليقها، أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لكي يكون على السنة، (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)، أي: وقت تبتديء فيه العدة وهذا الحكم التكليفي.
والحكم الوضعي؛ يصح أو لا يصح، ويقع أو لا يقع، والصحيح أنه يقع وفي حديث ابن عمر: (حسبت تطليقه) ولفظ: (ولم يره شيئا) أي: صوابا.
وهذا حكمٌ شرعي. ونستنتج: إن الأحكامَ نوعان: وضعي، وتكليفي.
وخرج بقولنا: (العملية) خرج بهذا العقدية: أمور الاعتقاد، تدخل في مباحث العقيدة.
(من ادلتها التفصيلية): خرج بذلك أصول الفقه
(المكتسبة من ادلتها الإجمالية): ومن هذا مالدليل على وجوب صلاة الجماعة؟
ما هو الدليل على وجوب الصلاة للرجال في جماعة؟
في صحيح مسلم إن النبي قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)، (ولقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالقوم فأذهب برجال معي إلى رجال لا يشهدون الجماعة، فأحرق عليهم بيوتهم)، وأيضاً: رجلٌ جاء الى النبي قال: يا رسول الله، إني أعمى وليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل تجد لي رخصة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: (فأجب).
فهذا دليل على وجوب صلاه الجماعة. فهذا من الأدلة نقول هنا إن الفقه في الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
الفقه نوعان: العبادات والمعاملات.
القسم الأول: العبادات؛ ويدخل في ذلك الوضوء والصلاة والزكاة والحج ونحو ذلك.
وهي توقيفيه يعني: أننا نتعبد الله بما شرع.
و للعبادة شرطان: الأول: الإخلاص.
الشرط الثاني: المتابعة؛ بمعنى أن لا يبتدع، قال تعالى: (هل أتاك حديث الغاشية، وجوه يومئذ خاشعة، عاملة ناصبة، تصلى ناراً حامية)، قال أهل العلم: وجوهُ أهل البدعة تتعب وتنصب ومع ذلك تصلى النار الحامية.
القسم الثاني: فقه المعاملات.
قسم بعض الفقهاء هذا النوع إلى أقسام أهمها:
الأول المعاوضات: خرج بذلك التبرعات، وأيضا مثل البيع والشراء -مثلا قول أبيعك داري بـمائة ألف- وأيضا -ابيعك ساعة بساعة-.
الثاني المناكحات: تشتمل على مكارمة ومعاوضة، لما الرجل يطلب فتاة يزوج بما يرضى به دينه وخلقه لذلك ليس فيها معاوضة بحته بل فيها مكارمة قد يملك الانسان أموالاً كثيره أكثر من الخاطب ومع ذلك يأخذ الأقل ويترك الأكثر وفيها مكارمة ومعاوضة والمكارمة كالصداق لقوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتهم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً) وقال الله بعد ذلك: (أحل لكم ما وراء ذلك -أي وراء المحارم ذلكم- ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)، والنبي يجوز له نكاح الهبة في حديث سهل في صحيح البخاري: (إن امرأة جاءت إلى النبي فقالت يا رسول الله وهبت نفسي إليك)؛ لأن نكاح الهبة: المرأه تزوج نفسها بلا مهر، لا يجوز إلا للنبي فقط (وإن امرأة وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين)، لما قالت: وهبت نفسي إليك نظر النبي إليها فصعد فيها النظر ثم صوبه -صعد: يعني رفع نظره إلى أعلاها، ثم صوبه أي: خفضه-، هذا يدل على أنه ليس له رغبة، فقال رجل: يا رسول الله إن لم يكن لك حاجة فزوجنيها؛ لأن النبي أب للؤمنين والمؤمنات، فقال النبي ما معك -أي مهر-؟ فقال: ليس معي شيء ما معي شيء، فقال النبي: (التمس ولو خاتما من حديد)؛ لأن غالب أحوالهم وأحوال الصحابة كان الفقر، وفي حديث عائشه: (ما شبع آل محمد من خبز شعير ليلتين متتاليتين).
وكما في الصحيح هذا الرجل قال يا رسول الله إن لم يكن لك حاجه في زوجنيها ما معك؟ قال ليس معي شي قال له التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد. وفي لفظ ما معك أي ما تحفظ من القران ما تقرا القران؟ قال احفظ سوره كذا وكذا فقال النبي زوجتكها بما معك من القران؛ أي زوجتكما؛ أي تعلمها من القران، أي: المهر منفعه تعليم القران.
إذن المناكحة فيها عوض؛ لأنه لو شرط الزواج بدون مهر فليس صحيح وعند الجمهور، هذا الشرط باطل ولها مهر مثلها، وعند شيخ الإسلام -ابن تيمية- العقد باطل من أساسه؛ لأنه شرط فاسد مفسد للعقد.
وكذا إن شرط الزوج على الزوجة أن تدفع له المهر أيضا لا يجوز
والثالث الجنايات: والجناية في لغه العرب: التعدي على بدن أو مال أو عرض.
والتعدي في الاصطلاح عند الفقهاء: التعدي على البدن بما يوجب قصاصا أو مالا.
الرابع الأمانات: والامانة: كل من قبض الشي بإذن الشارع أو المالك فيده يد أمانة
القاعده كل من يتصرف في غيره يجيب أن يتصرف بالأصلح لذلك من غيره.
بالامانه تكون في ما بينك وبين الله وهي الحقوق التي اوجبها الله عز وجل عليك وترك المحرمات التي نهاك الله عز وجل عنها هذه أمانة في عنقك تسأل عنها يوم القيامه هذا الأمانة في ما بينك وبين الله.
أيضا الأمانات التي بينك وبين الناس الكفارات فإن الإنسان إذا حلف على يمين في المستقبل أن يفعل أو لا يفعل، ولما حلف تجب عليه كفارة اليمين؛ وهي أن يخير بين ثلاثة أمور في أول الأمر، ثم أن يعتق رقبة، وأما أن يطعم عشرة مساكين أو يكسو عشره مساكين، وإن لم يستطيع أحد هذه الأشياء الثلاثة ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام متتابعه؛ كما في قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام)، وفي قراءه ابن مسعود: (فصيام ثلاثه أيام متتابعات) والقراءة الشاذة لايجوز تقرأ بها في الصلاة، ولكن يعمل بها في الاحكام الشرعية؛ لأنه ثبت سندها. والقراءة الشاذة اختل فيها شرط من شروط التواتر.
وشروط التواترفي القراءة ثلاثة:
الشرط الاول: أن توافق القراءة الرسم العثماني.
الشرط الثاني: أن توافق وجهاً في لغة العرب.
الشرط الثالث: أن يصح سندها. وما لم يصح سندها هذه لا إشكال يعني لا تقرأ بها مطلقاً، لأنها لم تثبت، وأما إذا كانت تخالف الرسم العثماني وصح سندها تسمى قراءة شاذة.
إذاً: الامانات في ما بينكم وبين الله عز وجل هي الحقوق التي أوجبها الله عليك بفعل الأوامر وترك المناهي، وأما ما بينك وبين المخلوق فكل من قبض الشيء بإذن من الشارع أو بإذن المالك فإنه يعتبر يده يد أمانة، كالعاريه يجب عليك أن تتصرف فيها أكثر بما جرى به العرف وأن لاتتعدى فيها فلا تفعل ما لا يجوزولا تترك ما يجب، وكذلك أيضا إذا وضع إنسان عنده وديعة فإنه لا يجوز له أن يتصرف بهذه الوديعة، ولا ينفقها على نفسه وإنما يجب عليه أن يحافظ عليها كما أودعه إياها فهذه أمانات. فيجب عليك أن تحافظ عليها حتى تؤدي هذه الامانة إلى أهلها.
القسم الخامس: التركات.
تولى الله عز وجل تقسيم التركه في كتابه عز وجل وقسم الميراث على أهله. وهو علم يسمى الفرائض.
ما هي معاملات؟ تطلق المعاملات على تعاملات الناس في الدنيا مع بعض، و تطلق بشكل أخص على التعاملات المتعلقة بالمال كالبيع والإجارة والهبة، وهو المقصود بهذا المقرر. بمعنى تطلق التعاملات فيما بين الناس مع بعضهم، كحسن الخلق وحقوق الجار ونحو ذلك، وقد تطلق على أمر خاص، وهو ما يتعلق بالأمور المادية في التعاملات.
التعاملات المتعلقه في المال إذن المقصود بالمال: كل مال له منفعة مقصودة مباحة شرعاً أو لغير حاجة ولا ضرورة وله قيمه مادية بين الناس.
المال و كل ما يتمول وينتفع به يسمى مال، حتى المنفعة مال ولهذا قال: (يا أبت استاجره إن خير من استاجرت القوي الأمين)، ثم قال: (أريد أن أنكحك احدى ابنتي هاتين على أن تاجرني ثماني حجج فإن اتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصابرين)، والحجج المقصود بها السنوات.
و المال: هو كل ما له منفعة مقصودة مباحة؛ لأن غير المباح شرعاً يكون مالاً غيرمحترم شرعاً، مثل: مهر البغي وحلوان الكاهن؛ لهم منفعة ولكنها مقصودة غير مباحة شرعاً، لذلك قال لغير حاجة مثل: الكلب لا يجوز اتخاذه لغير حاجة؛ قال الرسول: (من اتخذ كلبا إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراط)، لذلك حرم اتخاذه لغير حاجة، أما من اتخذه من أجل حراسة -كالكلاب البوليسية- أو من أجل الصيد أو نحو ذلك لحاجة فلا بأس، ومع ذلك لا يجوز بيعها حتى لو كان كلب صيد لأن النبي نهى عن ثمن الكلب، وفي لفظ زجر عن ثمن الكلب، وقال: (من جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً). وهذا غير محترم شرعا وليس له قيمة شرعية.
ومن أتلف دخاناً أو معسلاً أو جراكاً أو خمراً أو خنزيراً أو نحو ذلك، ثم جاء صاحبه يطالب بقيمته، نقول: لا قيمة له، مالٌ غيرُ محترمٍ ومنفعته غير مباحة شرعا.
إذن: المال كل ما له منفعة مقصودة مباحة شرعاً لغير حاجة ولا ضرورة.
هل الحاجه تنزل منزلة الضرورة أو لا تنزل منزلة الضرورة؟
ومالفرق بين الحاجة والضرورة؟
إن الحاجة لولاها لكان الإنسان في مشقة شديدة، وأما الضرورة يكون صاحبها في مشقة غير معتادة.
وأما الضرورة:هي ما يترتب على فقدها هلاك الإنسان أوتلفه، يسمى ضرورة وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)، له قيمة مادية بين الناس أما المال الذي ليس له قيمة مادية بين الناس فإنه لا قيمة له، قال ابن تيمية: لا عوض فيه بالإجماع، أي: فقد يفعل الإنسان شيئا ليس له قيمة مادية بين الناس مثل قول الانسان اعطني هذا القلم يا فلان لأكتب به، فأعطاه إياه ثم قال اعطني أجر كتابة قلمي وهذا ليس له قيمة مادية بين الناس وكل ما ليس له قيمة مادية بين الناس فإنه لا عوض فيه.
أو يقال كل عين مباحة النفع بلا حاجة؛ فخرج ما هو محرم النفع مثل: بيع الخمور، والمخدرات، والمسكرات، وكل محرم النفع.
والأمر الثاني: مباح نفعه ولكن لحاجة مثل الكلب مباح لحاجة فلا يجوز أن نأخذ على ذلك عوض؛ وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن عسب الفحل: وهو ما ياخذ مقابلة أن الفحل ينزو على حيوان، مثل أن يكون عند الانسان ثور ويأتي صاحبه ويقول أريد أن ينزو الثور على البقرة بخمسمائة ريال، أو البعير ينزو على ناقتي بألف ريال؛ هذا حرام لا يجوز أخذ العوض على هذه المنفعة.
وهذا مباح نفعه لكن بغير عوض.
ونستنتج أن فقه المعاملات المالية يتناول الأحكام الشرعية العملية، المنظمة للتعاملات المالية بين الناس.
العقد في لغة العرب: الربط والشد، ومنها عَقَدَ الحبل أي: ربطه وشده.
في الاصطلاح: هو ربط إيجاب بالقبول على وجه مشروع يظهر أثره في المعقود عليه.
مثل قول: أنا بعتك جوال، فيقول قبلته. وهذا على وجه مشروع.
ويظهر أثره في المعقود عليه: أي تنتقل من البائع للمشتري.
وربط الإيجاب بالقبول على وجه مشروع: خرج منه المحرم مثل الربا يعطيك مئة أو مائتين على وجه غير مشروع، مثل قول بعتك هذه بمائتين على وجه غير مشروع، ولا يظهر أثره في المعقود عليه.
قال الله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)، وأيضا: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لما جيء للنبي بتمر جنيب -يعني جيد- فقال: أكل تمر خير هكذا؟ قالوا: لا والله يا رسول، والله إنا لنأخذ الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، قال: (ردوه) -هذا الشاهد لأنه لا ينعقد على وجه غير مشروع-، لكن بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيباً).
أي: بيع التمر الرديء بالدراهم واشترِ بثمنه تمراً جيدا.
وقول ربط إيجاب بقبول: والايجاب: هو ما يصدر من طرف بكونه موجه لآخر للدلالة على الرضا في العقد، وما يصدر من الآخر إلى الاول: يسمى قبولا.
يعني الطرف الأول إذا قال: بعتك. هذا إيجاب. وقول الاخر: قبلت. يسمى قبولا.
ولكن توجد قاعدة أيضا قد تكون هذا بالدلالة الفعلية ولهذا تقول القاعدة: العلم برضا المستحق يقوم مقام إظهاره للرضا. ومعناها: مثلا لو ذهبت إلى المحل التجاري وأردت شراء عصير بريال، وذهبت لصاحب المحل دون أن أكلمه وأدفع المبلغ وأذهب. وهنا لم يقل بعتك والآخر لم يقل: قبلت، لكن الدلالة الفعلية تدل على الإيجاب والقبول.
والقاعدة: العلم برضا المستحق يقوم مقام للرضا.
ومعنى رضا المستحق أي: أنه راضٍ بهذا التصرف، يقوم مقام إظهاره للرضا.
ومثال آخر: لو ذهبت إلى السوق وأخذت قارورة ماء وشربتها، وبعد ذلك حاسبت عليها وهي فاضيه ودفعت المبلغ وعلمت أنه هنا لما شربت سيرضى؛ لأنه هنا فعل ذلك العرض للبيع وهذه القاعدة هذا معناها، لكن في أمور أخرى لابد من اللفظ؛ مثل: الزواج لا بد من كلمة ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (استحللتم فروجهن بكلمة الله)، لذلك لا بد من قول ولي المرأة: زوجتك، والآخر يقول: قبلت. ولكن لو أن رجلاً جاء وأخذ المرأة ودفع المهر لها وأخذها ووليها ينظر إليها وهو راضٍ بتلك الدلالة، نقول هنا لا يصح لا بد من اللفظ كما ذكر النبي في الحديث: (واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى).
وتقول القاعدة أيضا: على وجه مشروع يخرج منه ما كان على وجه غير مشروع؛ مثل: أن يستأجر شخص للقتل مقابل مليون ريال، وهذا فعل غير مشروع لا يجوز، وأيضا استأجر شخصا أن يصنع له الخمر؛ لا يجوز؛ لأنه غير مشروع. ولكن استاجر رجل أن يبني له بيتاً مقابل مبلغ، هذا مشروع لأنه عمل مباح.
فيخرج منه ماكان غير مشروع مثل القتل، هذا وإن شبه العقد صورة لا يعترف به شرعا ولا يترتب عليه أثر في محل العقد.
وقوله: ( يظهر أثره في المعقود عليه): يعني حصول الفائدة من عقد، فيترتب على البيع تكلفه المعقود عليه للبيع والتملك للثمن، وهذا الأثر لا يظهر إذا كان على وجه غير مشروع، ومثلاً لو أن رجلاً جاء واشترى من رجل آخر المخدرات والمسكرات، و قال له: اعطني الثمن، وقال له الآخر: اعطيك بعد غد وأخذ المسكرات، وبعد غد لم يعطِ شيئا فعله حرام غير جائزحتى لو أخذ المال لايجوز غير محترم شرعا.
أركان العقد
أركانه: الركن في لغة العرب: الركن هو جانب الشيء الأقوى، لذلك سمي ركنا واختلف العلماء في التفريق بين الركن والواجب، منهم من قال أنهما واحد، وذهب الحنفية إلى أن الركن آكد من الواجب، أما من حيث السند، أحدهما متواتر والآخر آحاد، وأما من جهة الدلالة.
فما كانت دلالته قطعيه سمي ركناً، وما كانت دلالته ظنية سمي واجباً.
الصيغة: وهي الإيجاب والقبول اللذان يصدران للدلالة على الرضا بالعقد، سواء كان الإيجاب والقبول لفظاً أو بدلالة الحال مما لايشترط فيه اللفظ كما سبق ولفظا مثل بعتك والاخر اشتريت أو تكون كتابة.
القاعدة: المكتوب ينزل منزلة المقول في الاحكام الوضعية مطلقا، أما في الاحكام التكليفية ينزل منزلة المنقول عند وجود العذر.
لو مثلاً: تزوج زيد فاطمة وتعلم لغة الاشارة وأشار إليها بأنها طالق، في هذه الحاله تطلق وأيضا لو كتب إليها رسالة مكتوبة أو نصية بأنها طالق في هذه الحاله تطلق سواء لفظ أو كتابة، لحديث: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم).
وأيضا لو كتب إليها بأنها طالق لكن فشل ارسال الرسالة في هذه الحاله تطلق حتى لو كان في الصحراء أو الفضاء تطلق.
وهذا كله في الاحكام الوضعية المتعلقة بالصحة والفساد والرخصة والعزيمة، والأحكام التكليفية متعلقة بالثواب والعقاب، مثل الأمر والنهي والواجب والمحرم والمكروه والمستحب والمباح المتعلقة بطرف الفعل أو عدم الفعل.
والإشارة هنا لا تنزل منزلة المقول إلا بوجود العذر، كما لو أشار زيد لعمر السلام ولم يتلفظ لا يجوز ولم يكن سلاماً، لا يجزىء ذلك بل لابد من رد السلام كما ذكر: (واذا حييتم بتحيه فحيوا بأحسن منها أو ردوها)، إلا بعذر، مثلا لو كان يصلي وجاء الآخر وقال السلام عليكم هنا لا يتلفظ الاخر بل يرد بالإيماء كما فعل النبي وهو يصلي أشار إليه بالتسليم عند رد السلام.
و يمكن أن تكون الصيغة اللفظية كأن يقول بعتك والآخر يقول اشتريت، وكتابية مثل العقود المكتوبة، أو القبول بالفعل مثل أن يتحدث صاحب السلعة بالإيجاب يأخذ المشتري السلعة ويعطي الثمن يسمى البيع بالمعاطاة
شروط الصيغه:
الأول: الوضوح والصراحة على دلالته على مراد المتعاقدين حتى يؤدي الغرض
فلا بد أن الصيغة واللفظ يدل على المعنى.
فإذا لم تكن هناك دلالة لفظية ولا عرفية على المعنى لم يتبين المراد، والقاعدة: الأسماء واللغات توقيفية؛ (وعلم آدم الأسماء كلها).
الثاني: توافق الإيجاب بالقبول، مثل أن يقول بعتك سيارتي والآخر يقول تزوجت امرأة.
هذا لا يفعله إلا الصغار.
قال العلماء: عند السن السابع يكون الطفل مميزاً، وهو الراجح؛ لقول النبي: (مروا أبناءكم بالصلاه لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، ومنهم من يقول المميز من يفهم الخطاب ويرد الجواب فإذا قلت له السلام عليكم وأجاب أبي في البيت أو قلت له في أي سنة تدرس وأجاب أمي ذهبت نقول هنا لا يوجد توافق.
فالمميز هو الذي يبلغ سبع سنوات.
الأمر الثالث: اتصال الإيجاب بالقبول؛ بمعنى يعقبان بعضهم البعض في المجلس أي لا يكون بينهما فاصل طويل، وإن كان الفاصل طويلا عرفا لم يتم البيع مثل لو قلت بعتك بيتي وجلسوا يتحدثوا عن أمور اخرى وبعد ذلك بساعه أجاب اشتريت بيتك هنا لم يتم الإيجاب والقبول لأن الفاصل طويل عرفا.
الركن الثاني: العاقدان: طرفَا العقد أو أطراف العقد أو اكثر من ذلك كما في الشركات. ويصدر من العاقدان الإيجاب والقبول الذي يعبر عنه بالصيغة كما تقدم.
العاقدان اللذان بينها بيع وشراء قد يكون اثنان أو مجموعة، المراد فيه طرف العقد
شروط العقد: أن تتوفر فيه أهلية الأداء، وهي نوعان والصحيح ثلاثة أنواع: أما تام الاهلية، أو ناقص الاهلية، أو فاقد الاهلية.
تام الاهليه: هو كامل الأهلية أي صلاحية الشخص بمباشرة العقود والتصرفات مطلقاً وتثبت للبالغ العاقل الحر الرشيد المالك أو الماذون له بالتصرف أي وكيله أما إن تصرف غير وليه أو وكيله نسميه بالتصرف الفضولي، فالفضولي: يتصرف عن غيره لغيره، ومن لا يملك يتصرف في مال غيره لنفسه ثم يسعى في تحصيله وتسليمه.
ويكون عقد الفضولي صحيح إذا أجازه المالك وعند بيعه لا يتم التصرف إلا بإذن من سيده؛ لأن ماله ملك لسيده كما قال النبي: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) والمراد من باع، عبداً، العبد: هو الرقيق ليس الأسمر، وكذلك إن كان ليس بالغ سنأتي إليه ناقص أو فاقد الاهلية، والحر الرشيد: عكسه الغير رشيد يعني السفيه لا يحسن التصرف بماله وقوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تاكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا)، فمتى ندفع لليتيم ماله شرطه أن يبلغ الحلم وأن يكون رشيدا فمثلا ندفع إليه مبلغ 500 ريال فإذا تصرف تصرف العقلاء دفعنا إليه ماله وإن تصرف فيها تصرف سفيه لا ندفع إليه ماله ولكن نقول له قولاً معروفاً كما ذكر في الآية. وأيضا مثال آخر: نعطيه مبلغ من المال فإذا اشترى بها الألعاب النارية ولعب في مدينة الملاهي بالمبلغ كاملاً وأتلفه فيما لا يفعل العاقل مثل فعله ويأتي بعد ذلك ويرغب أن ندفع اليه مرة أخرى هنا نحكم عليه بالسفه، ونحفظ له ماله ونستثمره ونقول له قولاً معروفا ولا ندفع اليه ماله؛ لأنه يضره والذي يتولى أمر ماله عليه أن يتصرف بالأصلح وليس الأصلح أن يدفع إليه ماله ليفسده.
ناقص الاهلية: صلاحية الشخص في صدور بعض التصرفات دون بعض.
وتثبت للمميز الذي عمره من سبع سنوات حتى يبلغ وهو سن التمييز، وهذه الأهلية تمكنه من التصرف التي نفعها خالص لا ضرر فيها عليه مثل قبول الهبة، ويجيز الفقهاء البيع والشراء بإذن وليه.
والنوع الثاني: ناقص الأهلية، له ثلاثة أقسام:
أولاً: أن يكون له فيه نفع محض له.
ومعناه متمحض النفع أي: خالص النفع له وهذا النوع يصح له التصرف مثل قبول الهبة والهدية، ونحو ذلك التي لا ضرر عليه فيه.
وثانيا: متمحض أو -خالص - الضرر لا يكون له القبول لا بإذنه ولا بإذن وليه أي لا يصح تصرفه والحالة تلك متمحض الضرر.
والثالث: محتمل الضرر والنفع مثل البيع والشراء وهذا يصح من ناقص الأهلية بإذن وليه ومثل ذلك المعتوه الذي يفهم شي ويغيب عنه أشياء هذا يكون حكمه حكم ناقص الأهليه.
والنوع الثالث: فاقد الاهلية: من كان هذا شأنه وجود تصرفه كعدمه، مثل زواج البنت قبل سن التميز وهل يصح أن يزوج الرجل ابنته وهي تحت سن التمييز مثل سنه او سنتين؟ نقول: هنا يجوز ويصح ولكنه لا تعطى إليه حتى تكون ممكنه الوطء ولهذا تزوج النبي عليه الصلاة والسلام عائشة رضي الله عنها وعمرها ست سنوات ودخل بها وعمرها تسع سنوات وتوفي عنها وهي في عمر الثامنة عشرة.
قال الشافعي: أدركت جدة وعمرها واحد وعشرون عاماً، تزوجت وعمرها تسع سنوات وسنه للحمل -تسع اشهر- ثم ولادة ثم تزجت بنتها وهي في عمر تسع سنوات وأصبح الان عمرها تسعه عشره سنه مع السنه الاولى ثم حملت يقول أدركت جده وعمرها واحد وعشرون سنه ثم انتجت وولدت.
الشرط الثاني من شروط العقد: أن يملك التصرف في المعقود عليه أو يكون ولياً أو وكيلا لو أن زيد أراد بيع جواله بمبلغ ألفي ريال وهو اشتراه بمبلغ ثلاثة آلاف ريال لعمر وذهب زيد ووضع الجوال على الطاولة ودخل رجل آخر وقال لعمر أريد شراء الجوال وقال عمر أبيعك بمبلغ 2500 وقال الاخر اشتريت وجاء زيد وسأل عن جواله وقال عمر له بعته 2500 فإذا أجاز له البيع لا بأس إذا رضي صاحب الجوال وان لم يرضَ فسخ البيع ولكن تصرف عمر تصرف فضولي ودل حديث عروة البارقي رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري له اضحيه أي شاه وذهب عمرو البارقي اشترى بدينار أضحيتين أي شاتين وباع شاه بدينار وجاء للنبي بشاه ودينار وقال له النبي بارك الله لك في بيعك) هل أذن النبي له أن يبيع قبل ذلك؟ ونقول لا، لم يأذن له بالبيع ولم يأمره بشراء شاتين ومع ذلك تصرف تصرف فضولي وأجازه النبي ودل على أن تصرف الفضولي يجوز
والشرط الثالث: التراضي، أي لابد أن يكون العاقدان مختارين لا مكرهين، والتراضي شرط قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه)، أما إذا كان مكرهاً أو محرجاً فإنه لم يكن بطيب لم يحل، وإذا أخذ مالاً من آخر بسيف الحياء فهنا اخذ بالباطل لقول النبي: (إني لأعطي أحدهم العطية يخرج يتلظاها نارا) قالوا يارسول الله، لم تعطهم؟ قال: (يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل)
وكذا مثل أن يأتي لك شخص ويرغب أن تدفع معهم لشراء هدية لفلان ويحرجك ونقول هنا ما أخذ من المال بسيف الحياء فهو حرام على الآخذ، وجائز للمعطي الذي دفع كما ذكر في الحديث السابق، أحدهم يدفع حلالاً، والآخر ياخذه حراماً، لذا لا يحل له أخذ مال مسلم إلا بطيب نفس، إلا اذا كان واجباً عليه فإنه يجوز بسيف الحياء ويجوز بالقوة والقهر مثل الزكاة لقول النبي: (إنا لآخذوها وشطر ماله)، بِحُر ماله وقيل قيل ماله كله، وقيل ماله الزكوي،
وأيضاً النفقه في حديث هند بنت عتبه: (قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني أنا وابني ما يكفيني فقال النبي: (خذي مايكفيك وابنيك بالمعروف)، أي بحسب العرف) وهذا يسمى عند العلماء الظفر بالحق الذي لك، لذلك قال النبي فيمن استضافهم أناس فلم يضيفوهم قال: (فإن أمروا لكم بما يؤمر للضيف فاقبلوا منهم وإلا فخذوا الحق الذي لكم )، يعني: إن بعض الناس في صفه البخل لا يضيف الضيف وقال النبي: (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه)، فإذا ضيف الآخر بما يضيف حسب العرف يقبل منه، أما إذا لم يضيفه بما ينبغي أن يضيف الضيف يجوز أخذ ماله بقدر ضيافته كما ذكر في حديث الضيف، وأما إذا كان ليس واجباً عليه فلا يجوز احراجه وأخذه بسيف الحياء أو القوة والقهر.
والإكراه: ينقسم إلى ملجئ، وغير ملجئ.
وتعريف الملجئ: هو أن يتخذ الانسان كالآلة فمثلاً: لو أن زيداً اخذ رأس عمر وضرب به رأس خالدٍ ومات خالدٌ فإن زيداً القاتل، وعمر اتخذ آلة، ولم يستطع أن يمتنع ولا ضمان عليه والضمان على من أكرهه
وأما الاكراه الغير الملجئ: هو الذي يكون لك فيه قدرة على الامتناع، فتكون معذوراً إذا كان الضرر الواقع عليك أعظم من الضرر الصادر منك فإنك معذور، وما لا فلا.
ولو أن لدينا ثلاثة أشخاص، وقال زيد لعمر إن لم تعطِ فلاناً كفاً -أي الضرب على الوجه- قتلتك بالسلاح، وقام عمر وضرب خالاًد وخالدٌ اشتكى عمر، فالذي يضمن زيد لان عمر افتدى الضرر الواقع عليه بضرر أخف منه و صادر منه فلا ضمان عليه والضمان على المكره.
وأما إذا جاء زيد واعطى عمر سكين وقال له اقتل خالداً، وإلا قتلتك، نقول هنا لو أن عَمْراً قتل خالداً تقتل به مع زيد لأن ليس الضرر الواقع عليك أعظم من الصادر منك بل هو مساوٍ له.
وليس بقاء روحك أولى من روح غيرك وكلاكما معصوم ولكن لو قتله فإن زيداً وعمراً يقتلان بخالد.
وأما اذا قال زيد اقتل فلاناً وإلا أعطيتك كفاً فقتله فعند ذلك يقتل به.
أما اذا كان العكس: إذا قال إن لم تعطه كفاً فإنك تقتل به فيعطيه كف ولا يكون عليه ضمان.
إذن القاعدة: إن الاكراه الغير ملجئ يكون الإنسان معذوراً: إذا كان الضرر الواقع عليك أعظم من الضرر الصادر منك فإنك تكون معذوراً وما لا فلا.
والله تعالى أعلم
د. محمد العصيمي
كتابة الطالبة/ آلاء يعقوب السليماني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق