—————-
١- روى أحمد، وأبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ" وقد حسنه الألباني بشواهده في "السلسلة الصحيحة " (1168). وفيه نظر:
لأن الحديث جاء: من طرق عن جعفر بن عبد الله بن الحكم، عن تميم بن محمود، عن عبدالرحمن بن شبلٍ، به إسناده ضعيف، لضعف محمود بن تميم.
قال فيه البخاري: "في حديثه نظر"، وقال العقيلي: "لا يتابع عليه" وذكره الدولابي وابن الجارود والذهبي من جملة الضعفاء، وقال ابن حجر: "فيه لين".
وله شاهد من حديث عثمان البتي، عن عبد الحميد بن سلمة، عن أبيه مرفوعًا.
أخرجه أحمد، وأبو يعلى، وأبو الشيخ في "أمثال الحديث" (من طريق عثمان البتي به. وإسناده مظلم مع إرساله؛ عبد الحميد وأبوه قال فيهما الدارقطني: "لايعرفان"، وقال ابن حجر في عبد الحميد: "مجهول"، وجهالة العين من أسباب الضعف الشديد، ومن ثمَّ فلا تصح تقوية الحديث وتحسينه.
وبهذا يتضح ضعف لفظة (وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) ووجود شواهد لبقية الفاظه لا تعني صحة هذه اللفظة التي هي محل الشاهد من المسألة.
٢- عن يزيد بن أبي عبيد قال: "كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ. قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا" رواه البخاري ومسلم.
ففيه دليل على أنه لا بأس بتخصيص مكان معين في المسجد للصلاة فيه في صلاة النافلة، إذا صححنا الحديث الأول، وأما مع تضعيفه فلا إشكال.
لأن القاعدة: ما ثبت في الفرض ثبت في النفل، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا ما دل الدليل على تخصيصه.
٣- فعل عتبان بن مالك رضي الله، مكاناً في بيته يصلي فيه، وأقره عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري، ومسلم.
ففيه دليل على مشروعية أن يتخذ الرجل مكاناً في بيته يصلي فيه على فرض صحة الحديث الأول، وعلى تصحيحه يحمل هذا الحديث في البيت والحديث الأول في المسجد.
والذي يترجح في نظري والعلم عندالله تعالى: ضعف الحديث الأول، فعو ضعيف سنداً ومنكر متناً، لمخالفته الأحاديث الصحيحة السابقة، ولأن حديث: (ليليني منكم أولوا الأحلام والنهي) يستلزم أن المبكر دائماً يكون خلف الإمام.
وبناء على ذلك: فلا كراهة في أن يتخذ الإنسان مكاناً معيناً في المسجد يصلي فيه، وإن كثر مواضع العبادة لتشهد له يوم القيامة فلا حرج والله أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق