——————
حديث: (ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) لم يصح.
فقد رواه الحافظ أبو عمر بن عبد البر معلقا -بدون إسناد- عن ابن عباس مرفوعا، إلا أن بعض أهل العلم صححه تبعا للحافظ ابن عبد البر الذي علقه وصححه.
وقد روى ابن عساكر بإسناده في تاريخ دمشق عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام.
وروى ابن الجوزي في كتاب العلل المتناهية بإسناده، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يمر على قبر رجل يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام. وقال: هذا حديث لا يصح.
وقد ذكره الشيخ الألباني في السلسلة في الضعيفة برقم 4493، من حديث أبي هريرة، وقال: أخرجه أبو بكر الشافعي في مجلسان، وابن جميع في معجمه، وأعله بعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال: عبد الرحمن بن زيد متروك.
* ولكن السلام على أهل القبور والدعاء لهم مشروع ومسنون، ففي حديث عائشة: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون).
ومن أهل العلم من يرى أن السلام عليهم يقتضي سماعهم، وفيه نظر: فإن السلام على الغير قد يسمعه وقد لا يسمع، ولهذا قال تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور) ولو أراد الله أن يسمعهم لأسمعهم.
ومن هذا خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للنتنى يوم بدر بعد قتلهم، ففي صحيح مسلم: أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ).
أخبر أنهم يسمعون ذلك، فالسماع في وقت لا يعني السماع المطلق، فالأصل عدم سماعهم للآية السابقة، وما ورد من سماعهم في حال أو وقت يكون مخصصاً للآية في ما ورد فيه النص، كالحديث السابق وحديث: (وأنه ليسمع قرع نعالهم).
* وأما قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
يَسْتَبْشِرُونَ: أي ويسرون بلحوق من خلفهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم.
وفي الحديث: (أرواحهم -أي الشهداء- في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة، تركوا).
وروى أحمد وغيره من طريق الشافعي عن مالك عن ابن كعب بن مالك عن أبيه: (أن أرواح المؤمنين طائر يعلق في شجر الجنة حتى يردها الله إلى جسدها).
وفي حديث كعب الأنصاري عند ابن ماجة: (إنَّما نسَمةُ المؤمنِ طائرٌ يُعلَقُ في شجرِ الجنَّةِ، حتَّى يرجعَ إلى جسدِهِ يَومَ يُبعَثُ).
نسمة المؤمن: روحه.
"طائر يعلق في شجر الجنَّةِ"، أي: يأكُلُ ويَرعَى من شَجرِ الجنَّةِ، والمُرادُ: أنْ تَتشكَّلَ الرُّوحُ على هيئةِ طائرٍ، أو تكونَ بداخِلِ جَوفِ طائرٍ من طُيورِ الجنَّةِ، "حتَّى يرجِعَ إلى جَسدِه يومَ يُبْعَثُ"، أي: تظَلُّ رُوحُ المؤمنِ مُدَّةَ البَرزخِ مُنعَّمَةً في الجنَّةِ إلى يومِ البَعثِ حيثُ تُردُّ إلى جَسدِ صاحبِها، ثم يكونُ الدُّخولُ التامُّ الكاملُ ومعرِفُة بيوتِهم التي أعدَّها اللهُ لهم يومَ القيامةِ.
وقال ابن تيمية: (الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائماً، بل قد يسمع في حال دون حال، كما قد يعرض للحي فإنه يسمع أحياناً خطاب من يخاطبه، وقد لا يسمع لعارض يعرض له). انتهى
* والدعاء للميت لا يستلزم حضوره لقبره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
مع أن زيارة القبور سنة في أي وقت: (ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة).
* ولا يجوز لأحد أن يدعو للميت المرتد عن الإسلام الذي مات على الكفر والإلحاد ولو كان قريباً له، قال تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم . وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} .
واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يزور قبر أمه فأذن له، واستأذن أن يدعو لها فلم يؤذن له).
والله تعالى أعلم.
كتبه/ محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق