———-
يجوز الدعاء في الصلاة مع ما يتضمنه من التوسل بضعف الحال، أو وصف المدعو، أو وصف المطلوب، أو وصف المتعوذ منه، أو تعليل سبب الدعاء، أو ذكر نعمة الباري على الداعي، أو نحو ذلك، وذلك للأدلة التالية:
١- قال تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).
ووجه: مسني الضر، وصف لحال الداعي.
٢- قال تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
ووجه: اتخاذ إجابة دعوته عيداً، وآية، وهذا وصف زائد عن مجرد الدعاء.
٣- قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ }.
ووجه: ذكر نعم الله تعالى على المدعو عليهم التي قابلوها بعدم الشكر، تمهيداً للدعاء عليهم. وتعليل دعوته عليهم بعدم الإيمان حتى يروا العذاب.
٤- قال تعالى إخبارًا عن الخليل عليه السلام أنه دعا فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } [إبراهيم: 37].
فعلل الخليل عليه السلام إسكان ذريته مكة بإقام الصلاة، وسأل الله تعالى إقبال الناس إليهم، وتتابع الرزق عليهم.
٥- قال تعالى عن موسى عليه السلام: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}.
٦- وقال الله تعالى أيضاً عن موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [الشعراء: 12-14].
٧- وقال الله تعالى عن موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}
ففي هذا التفصيل بيان حالة الافتقار والاضطرار التي هو عليها، وهذا أدعى للإجابة.
٨- قال تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام أنه قال: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 4-6].
ووجه ذلك: تفصيل زكريا عليه السلام حاله التي تدل على الفاقة لله تعالى والافتقار إليه سبحانه من كبر السن وشيب الرأس، ووهن العظم، وعقم زوجته.
٩- قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 65-66]
ووجه ذلك: وَصْفُ عذاب جهنم بأنه كان غراما وأنها ساءت مستقرا ومقاما، يحتمل أنه من مقول عباد الرحمن الذين أثنى الله تعالى عليهم، وحينئذ فإن الداعي يأتي به في دعوته؛ لأنه منها.
ويحتمل أنه من كلام الله تعالى، أي: أنهم دعوا بصرف عذاب جهنم عنهم، فبين الله تعالى أن عذابها هذا شأنه، وهذا وصفه في الشدة والإيلام.
وقيل: ويصح أن يكون التعليلان متداخلين ومترادفين وأن يكونا من كلام الله تعالى وحكاية لقولهم.
والظاهر أنه من دعائهم، والقاعدة: ما لا يحتاج إلى إضمار أولى مما يحتاج إلى إضمار-وقد تقدمت في القواعد-.
١٠- حديث سيد الاستغفار: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، اسألك بكل اسم هو لك....)
ففي هذا الدعاء التضرع بوصف الحال، ولا يعتبر من التعدي في الدعاء.
* ولا يشكل على ذلك:
1- حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» [رواه أبو داود، وسنده منقطع، وحكم عليه مخرجو المسند بأنه حسن لغيره: 16796].
وعلى فرض صحته فليس في المرفوع ما يدل على النهي، بل دلت الأدلة السابقة على أن التضرع ببيان الحال والافتقار والتوسل إلى الله تعالى بوصف الحال ونحوه ليس من التعدي في الدعاء.
وقول الصحابي إذا عارض المنقول المرفوع لا يحتج به بالإجماع.
ويحتمل نهي الصحابي عن ذلك من باب الورع والاحتياط حتى لا يصل إلى حال التعدي في الدعاء.
2- وحديث ابْنٍ لِسَعْد بن أبي وقاص، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي، وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَنَعِيمَهَا، وَبَهْجَتَهَا، وَكَذَا، وَكَذَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَسَلَاسِلِهَا، وَأَغْلَالِهَا، وَكَذَا، وَكَذَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ»[رواه أبو داود: 1558، وقال الألباني: حسن صحيح، وقال مخرجو المسند: حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف].
وعلى فرض صحته: فالتفصيل في الدعاء على سبيل التضرع والإلحاح والتوسل والافتقار وشدة الخوف ليس من التعدي في الدعاء.
ويحمل نهي الصحابي على فرض ثبوت سنده، على الورع، أو النهي عما يكون وسيلة للتعدي في الدعاء. مع أنه قد سبق في القواعد: أن قول الصحابي ليس بحجة، وإنما يستأنس به.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق