————
السنة والأفضل: صلاة الليل مثنى مثنى.
وتجوز صلاة التراويح أربع ركعات بتسليمة واحدة، ثم أربع ركعات بتسليمة واحدة ثم الوتر، وذلك لما يلي:
١- أن التنفل بأربع ركعات بتسليمة واحدة، نفلاً جائز، بدليل حديث معاذ رضي الله عنه، لما كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء -الفريضة- ثم يذهب ويصلي بقومه العشاء، هو يصلي نافلة بصفة صلاة العشاء نفلاً وهم يصلون خلفه فريضة العشاء.
والقاعدة: ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر، فهو حجة في الأحكام الشرعية -وقد تقدم بيان ذلك في القواعد-.
٢- ومما يدل على ذلك: أن النافلة تصح بأربع ركعات، ليلاً أو نهاراً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن فاتته صلاة الجماعة: (من يتصدق على هذا) يدل على مشروعية التنفل بالصلاة الشفع بتسليمة واحدة، كمن يتصدق على من فاتته صلاة الظهر أو العصر.
٣- أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم سرد خمس ركعات بتسليمة واحدة، وكذا ثلاث بتسليمة واحدة، وكذا سبع بتسليمة واحدة، مما يدل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب.
٤- ولأنها صلاة وجدت جميع أركانها وشروطها، واشتراط وجود تكبيرة الإحرام لكل ركعتين يحتاج إلى دليل، بل والدليل يدل على عدم اشتراطها، لكون النبي صلى الله عليه وسلم سرد أكثر من ركعتين، ولم يحدث تكبيرة إحرام لما بعدها، كسرده ثلاث، وكذا خمس، وسبع وتسع، بتكبيرة إحرام واحدة.
٥- ولأنه لم يرد النهي عن الصلاة بأكثر من ركعتين بتسليمة واحدة، بل ورد النهي عن التشبه بصلاة المغرب، فقد أخرج الحاكم والبيهقي والدار قطني وصححه الحاكم على شرطهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا توتروا بثلاث تشبهوا المغرب". قال الحافظ إسناده على شرط الشيخين.
ومراده صلى الله عليه وسلم –كما بينه أهل العلم– هو النهي عن الجلوس للتشهد الأول بحيث تشبه صلاة المغرب.
والقاعدة: النهي عن الأخص دليل على جواز الأعم.
ففي النهي عن التنفل في الليل بثلاث كصفة صلاة المغرب، دليل على جواز التنفل في الليل بأكثر من ركعتين بتسليمة واحدة لا تشبه صلاة المغرب، لأن النهي عن الوتر بصفة تشبه المغرب، فإذا تصدق على غيره ممن فاتته صلاة المغرب شفع صلاته.
وهذه الأدلة تدل على مشروعية أربع ركعات بتسليمة واحدة، وتنفي بدعية ذلك، استمساكاً: بأن الأصل في العبادات التوقيف، لأن الأصل هو أضعف الأدلة لا يستدل به إلا بعد البحث عن بقية الأدلة -كما سبق بيانه في القواعد-.
قال ابن تيمية في الفتاوى (23/15):
"التمسك بمجرد استصحاب حال العدم أضعف الأدلة مطلقاً، وأدنى دليل يرجح عليه... ولا يجوز الإخبار بانتفاء الأشياء وعدم وجودها بمجرد هذا الاستصحاب من غير استدلال بما يقتضي عدمها، ومن فعل ذلك كان كاذباً، متكلماً بغير علم... فعدم علمه ليس علماً بالعدم... وما دل على الإثبات من أنواع الأدلة فهو راجح على مجرد استصحاب النفي".
و قال أيضا رحمه الله في الفتاوى (21/314):
عدم الفعل إنما هو دليل واحد من الأدلة الشرعية، وهو أضعف من القول باتفاق العلماء، وسائر الأدلة من أقواله ـكأمره ونهيه وإذنهـ ومن قول الله تعالى هي أقوى وأكبر... فنفي الحكم بالاستحباب لانتفاء دليل معين من غير تأمل باقي الأدلة خطأ عظيم".
——-
* وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في صحة الصلاة أربعاً بتسليمة واحدة خلافاً للشافعية والحنابلة في قول.
* وأما حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي ﷺ كان يصلي من الليل أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن).
يفسره روايتها الأخرى عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي ﷺ يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة).
ويكون معنى يصلي أربعاً أي ركعتين ركعتين متتاليتين متشابهتين في الطول، ثم يفصل باستراحة ثم أربع متشابهة في الطول أيضاً.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق