-المراد بالعميقة التي يختلط فيها الريق بين الزوجين-.
* حكم القبلة الفرنسية:
-وهي في حقيقتها عربية أصيلة.
- وفيها وصف الشاعر العربي
- "قبَّلتُها عندَ الصِّيامِ فجَاوبَتْ *** أفْطرْتَ يا هَذا ونَحنُ صِيَامُ
فأجَبتُها: أنتِ الهِلالُ، وعِندَنا *** الصَّومُ في مَرْأى الهِلالِ حرَامُ
* حكم القبلة التي فيها ابتلاع لريق الغير:
———-
يتجه في هذه المسألة وجهان:
الأول: عدم الفطر للصائم بهذه القبلة العميقة، وذلك للأسباب التالية:
لقوله تعالى: (وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وما كان في معناهما فحكمهما واحد لأن المنصوص عليه وما في معناه حكمهما واحد، لأن الشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين.
ويستثنى من ذلك ماكان يسيرا ضئيلاً لأن وجوده كعدمه
ودليل الاستثناء:
الإجماع على جواز المضمضة للصائم وسيبقى شيء من أثر الماء مع بلع الريق.
قال ابن المنذر: "أجمعوا على أنَّه لا شيء على الصَّائم فيما يبتلعه مما يجري مع الرِّيق مما بين أسنانه مما لا يقدر على إخراجه".
فتح الباري لابن حجر 303/5.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك وهو صائم، والسواك يحتوي على مواد كيميائية -كما أثبت الطب الحديث ذلك- فنزول أثر السواك يسير ضئيل فلا يؤثر على صحة صوم الصائم.
وعلى هذا فبخاخ الربو للصائم لا يفطره لكون رذاذ الماء الداخل ضئيلاً يسيراً،
وكذا منظار المعدة إذا لم يوضع عليه مادة دهنية لتسهل دخوله لأنه ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب، وكذا قسطرة الشرايين -وهو أنبوب رقيق يدخل في الشرايين للعلاج أو التصوير-،
وكذا المنظار الشرجي -وهو إدخال المنظار في فتحة الدبر ليكشف على الأمعاء-،
وكذا ما يدخل في الجسم عبر مجرى الذكر من منظار أو محلول أودواء،
وكذا التحاميل عن طريق الدبر لا تفطر إذا كانت غير مغذية أو كانت نسبة التغذية ضئيلة كأثر الماء في المضمضة مع بلع الريق،
وكذا قطرة الأذن وغسولها وقطرة العين،
وكذا الحقن العلاجية إذا كانت غير مغذية كالحقن الجلدية والعضلية كإبرة مرض السكري
وبناء على ذلك: فإن القبلة العميقة لا تفطر الصائم إذا كانت نسبة الداخل من ريق الغير ضئيلة كأثر الماء في المضمضة مع بلع الريق.
فإن إباحة القبلة للزوجة يلزم منه انتقال قدر ضئيل من الريق كما يلزم من مَجّ ما تمضمض به.
٢- ولأن القبلة العميقة تشبيه المضمضة.
٣- قياس ريق غيره على ريق نفسه في عدم الفطر بسببه، بجامع أن كلاً منهما ريقاً.
٤- قياس ريق غيره على ريق نفسه، بجامع أن كلاً منهما يسيراً ضئيلاً لا يكاد يذكر، فيكون وجوده كعدمه.
٥- وظاهر الحديث: (يقبل وهو صائم) يشمل العميقة والناشفة.
والقول بأنها قبلة ناشفة أو على الناشف ينافي إطلاق الرخصة الوارد في الاحاديث، بالإضافة الى أن قبلة العشق بين الزوجين لا تكون ناشفة غالبا..والرخصة لا تقيِّد بعدم الغالب.
٦- ولأن ريق غيره مع ريقه اختلط فكان مستهلكاً في ريقه غير متميز عنه، فكان غير محمول، مما يجعل وجوده كالعدم.
وفي حديث ابن عمر: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) لأن الخبث اليسير الذي لم يتميز بلون ولا ريح ولا طعم يكون مستهلكاً في الماء الكثير، فيكون وجوده كعدمه.
أما على فرض كون ريق الغير كثيرا سائلاً يزيد عن اليسير الذي يبلغ أثر المضمضة مع بلع الريق، فإنه يكون مفطراً إذا كان الفاعل عالماً ذاكراً مختاراً.
———
الوجه الثاني: يفطر الصائم بالقبلة العميقة، وذلك للأسباب التالية:
١- أنه لا يشق التحرز عنه، مما جنسه إذا دخل الجوف أفطر به، بخلاف الريق من نفسه فإنه يشق التحرز منه.
والجواب: أن علة الفطر: ليست التحرز من عدمه، وإنما هي الأكل والشرب وما كان في معناهما.
ولأن القياس يقتضي القياس على ما استثني من أثر المضمضة على الريق.
٢- ولأنه ابتلع ريق غيره عبر الفم، أشبه ما لو بلع غيره.
والجواب: كما سبق في الجواب عن دليلهم الأول.
٣- ولأنه داخل إلى الجوف من غير ضرورة، فيحصل له بسببه الفطر كالأكل والشرب.
والجواب عنه كما تقدم.
وأما حديث عائشة الذي رواه أبو داود في سننه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها) فإن الثابت هو أول الحديث كما في الصحيح، وأما زيادة (ويمص لسانها) لم يصح سندها، وعلى فرض صحته، فيحمل على التقبيل لها في الصيام، ومص اللسان في غير الصيام، وفيه تكلف، أو يحمل على ظاهره في مص اللسان في الصيام ولا يلزم منه ابتلاع الريق.
تنبيه: إذا خشي الصائم على نفسه بفساد صومه بسبب دواعي الجماع في نهار رمضان حرم عليه ذلك.
لأن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق