حكم الطلاق في الحيض والنفاس، والطهر الذي جامعها فيه:
————
الخلاصة: طلاق الزوج لزوجته في الحيض والنفاس والطهر الذي جامعها فيه يقع، مع كون فعل ذلك محرماً.
——————————-
١- قال تعالى: {الطلاق مرتان}.
٢- قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حتى تنكح زوجاً غيره}.
وهذا يقتضي عُمومَ الطَّلاقِ، وثُبوتَ حُكمِه في حالِ الطُّهرِ والحَيضِ
٣- عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضي اللهُ عنه قال: ((طَلَّقتُ امرأتي وهي حائِضٌ، فذكَرَ ذلك عُمَرُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتغَيَّظَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها حتى تحيضَ حَيضةً أُخرى مُستَقبَلةً سِوى حَيضتِها التي طَلَّقَها فيها، فإنْ بدا له أن يُطَلِّقَها فلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن حَيضتِها قبل أن يَمَسَّها، فذلك الطَّلاقُ للعِدَّةِ كما أمَرَ اللهُ. وكان عبدُ اللهِ طَلَّقها تطليقةً واحِدةً، فحُسِبَت مِن طلاقِها، وراجَعَها عبدُ اللهِ كما أمَرَه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)).
والرجعة لا تكون إلا بعد طلاق، والأصل في الألفاظ الشرعية حملها على الدلالة الشرعية لا اللغوية.
٤- كان عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (إذا سُئِلَ عن ذلك أي: الطَّلاقِ في الحَيضِ، قال لأحدِهم: أمَّا أنت طلَّقْتَ امرأتَك مرةً أو مرَّتينِ، فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمَرَني بهذا، وإن كنتَ طلَّقْتَها ثلاثًا فقد حَرُمَتْ عليك حتى تنكِحَ زوجًا غيرك، وعَصَيتَ اللهَ فيما أمَرَك مِن طلاقِ امرأتِك).
٥- عن أنسِ بنِ سيرينَ قال: ((سَمِعتُ ابنَ عُمَرَ قال: طَلَّق ابنُ عُمَرَ امرأتَه وهي حائِضٌ، فذكَرَ عُمَرُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: لِيُراجِعْها، قُلتُ: تُحتَسَبُ؟ قال: فَمَهْ؟! وعن قتادةَ عن يُونُسَ بنِ جُبَيرٍ، عن ابنِ عُمَرَ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها، قُلتُ: تُحتَسَبُ؟ قال: أرأيتَ إن عَجَزَ واستَحمَقَ!).
٦- عن سَعيدِ بنِ جُبيرٍ عن ابنِ عُمَرَ قال: (حُسِبَت عليَّ بتطليقةٍ).
٧- ولأنَّ الطَّلاقَ البِدعيَّ كَونُه مَنهيًّا عنه: لا يمنَعُ وُقوعَه؛ لأنَّ الله تعالى جَعَل الظِّهارَ مُنكَرًا مِنَ القَولِ وزُورًا، وألزَمَه مع ذلك حُكمَ التَّحريمِ.
ولهذا ذهب الأئمة الأربعة إلى وقوع الطلاق على الحائض والنفاس ومن جامعها زوجها في ذلك الطهر، ويحسب من عدد الطلاق، وحكي الإجماع على ذلك.
وأما لفظة (ولم يره شيئاً) في إحدى روايات حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أنها معارضة برواية (وحسبت تطليقة) وهي أقوى سنداً منها.
والقصة واحدة، وعلى فرض التعارض، فرواية (حسبت تطليقة) محفوظة، ورواية (لم يرها شيئاً) شاذة.
بل رواية أبي داود (ولم يرها شيئاً) هذه الرواية لا تثبت.
قال ابن رجب في جامع العلوم: "وقد روي عن أبي الزبير عن ابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم (ردها عليه ولم يرها شيئاً) وهذا مما تفرد به أبو الزبير عن أصحاب ابن عمر كلهم مثل ابنه سالم ومولاه نافع وأنس وابن سيرين وطاوس ويونس بن جبير وعبد الله بن دينار وسعيد بن جبير وميمون بن مهران وغيرهم، وقد أنكر أئمة العلماء هذه اللفظة على أبي الزبير من المحدثين والفقهاء عن ابن عمر ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حسب عليه الطلقة من وجوه كثيرة..."
الثاني: لفظة (لم يرها شيئاً) يمكن تأويلها، فقال الشافعي، بمعنى (لم يره صواباً)، ورواية (حسبت تطليقة) لا يمكن تأويلها.
فإن قيل: إنه طلاق بدعي مخالف لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة} أي في زمن تستقبل به العدة، وهو طلاقها في طهر لم يجامعها فيه.
فالجواب: أن هذا في الحكم التكليفي أنه حرام، وأما الحكم الوضعي فإنه يقع.
كما هو الشأن في الظهار.
والله تعالى أعلم.
كتبه / د.محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق