حكم إعطاء الزكاة لمدينه مع اشتراط أن يسد بها دينه :
حكم دفع الزكاة لمن عليه دينه :
————————
هذا الشرط غير معتبر شرعاً، قياساً على العمرى والرقبى - وقد سبق حكمها - ،
والشرط الملغي شرعاً وجوده كعدمه .
والقاعدة : المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً،
والعدوم حساً كالمعدوم شرعاً.- وقد سبقت في القواعد -.
ويقاس على العمرى والرقبى : كل هبة مقيدة: تصح الهبة ويبطل الشرط -كما هو المذهب عند الحنابلة-، مع أن الأصل أن المالك لا يخرج من ملكه إلا ما أذن فيه.
فالجواب: نعم يبطل الشرط وتصح الهبة، لأن الإذن الشرعي مقدم على الإذن الشخصي.
ولا يشكل على ذلك العارية، لأنها ليست هبة وإنما هي: إباحة نفع، لا تمليك لرقبة الشيء وعينه.
ولا يشكل على ذلك الوصية فإنها تكون بحسب شرط الموصي (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه...). فإن هذا من التصرف بالمال قبل انتقال الملكية من ذمته إلى ذمة الغير.
ولا يشكل على ذلك الوكيل، فإن من ملك شيئاً بالإذن فلا يحق له التصرف إلا بحسب ما أذن له فيه، والوكيل ينزّل منزلة الأصيل فهو يتصرف قبل وصول الحق إلى مستحقه.
* وهل يجوز للفقير ومن تحل له الزكاة: صرف الزكاة في غير ما بذلت له فيه، مثل أن يعطيه زكاة ماله ليسدد غرماءه ، فصرفها في نفقته.
فالجواب: نعم، لأن هذا تمليك، وليس من باب إباحة النفع فقط كالعارية، من أذن له في العارية أن يذهب بها -السيارة مثلاً- إلى مكة لا يجوز أن يذهب بها إلى تبوك إلا بإذن المالك.
* ففرق بين التصرف قبل الملك وبعده.
وفرق بين التملك وإباحة النفع.
فمن كان وكيلاً لا يتصرف إلا بإذن موكله، وبحسب إذنه، ولا يجوز له التعدي والتجاوز في غير ما أذن له فيه.
ومن كان مالكاً كالفقير بعد قبض الزكاة، له أن يتصرف في المال الذي دفع له من الزكاة في غير ما دفع له فيه، لقوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم...) فهذا تمليك لهم بدون حجر عليهم في التصرف فيما كان ملكاً لهم بعد قبضه.
كمن أعطي زكاة ليسدد دينه، فصرفها في نفقته. وتخصيص المزكي على المزكى عليه، تخصيص ليس من حقه شرعاً، فكان وجوده كعدمه. فهو حق للفقير في مال الغني، والإذن الشرعي مقدم على الإذن الشخصي.
وإذا كان الشرط في الهبة -كالعمرى والرقبى- لا عبرة بشرط الواهب -كما سبق في حكم العمرى والرقبى- فلا عبرة بالشرط في الزكاة من باب أولى.
* فإذا قيل: إن الأفضلية في مصارف الزكاة تختلف في الأجر، وإن لم تختلف في الإجزاء، فالزكاة على الفقراء أفضل من الزكاة على الغارمين، لأن حاجة الأكل والشرب لدفع الضرورة، ولأن الله تعالى بدأ بها في آية بيان أصناف أهل الزكاة، وإلى غير ذلك، فكيف يجوز ما صرف للفاضل أن يصرف للمفضول.
فالجواب: أن هذا عند صرفه يكتب له أجر نيته، وبعد الصرف انتهى فعله، ونيته لا تمنع تصرف غيره. (لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن)..
* فإن قيل : إن في هذا الشرط : وهو دفع الزكاة له بشرط أن يسدده الدين الذي عليه : حماية لماله ، فيكون نظير دفع الزكاة لزوجته ليسقط عنه النفقة .
* فالجواب : مع كون الشرط غير معتبر ، فوجوده كعدمه، فإن من أخذ الزكاة على هذا الوجه قد لا يلتزم بالشرط بعد تملك الزكاة، وعلى فرض التزامه بذلك ، صحت الزكاة ، وصح قضاء الدين ، لأن الدائن دفع الزكاة ، والمدين قضى دينه.
* وليس ذلك كالزكاة على الزوجة والابن ونحوهما، لأن في دفع الزكاة عليهم إسقاط واجب عليه، وفي دفع الزكاة لمن عليه دينه : إسقاط للواجب على مدينه، وفرق بين إسقاط الواجب عن نفسه، وإسقاط الواجب عن غيره.
* فإن قيل : إن الزكاة حق لله تعالى فلا يجوز دفعها له لنفع نفسه.
* فالجواب : أن قضاء دين المدين من مال الزكاة حق مشروع عن المدين ، سواء كان الدين لمن دفع له الزكاة أو لغيره، ولهذا جاز بالإجماع دفع الزكاة لمن عليه دينه وسدده منه بغير شرط،
* ووجود منفعة للدافع مع تحقق مقصود الشارع ، لا تمنع صحة الزكاة ( لك ما أخذت يايزيد، ولك ما نويت يا معن ).
* ولأن هذه منفعة مضمونة له شرعاً، فكان القرض الذي يقصد به المقرض حفظ ماله ، فلم يكن من القرض الذي جر نفعاً.
* بالإضافة إلى أن هذا الشرط غير معتبر شرعاً، وغير لازم ، فوجوده كعدمه .
* والقاعدة : كل من لا مدرك له يجوز تشريكه في العبادة ، كالتجارة في الحج ، والغنيمة في الغزو ، مع عدم تمام الأجر .
* والقاعدة : تشريك من لا مدرك له يجوز، وتشريك من له مدرك لا يجوز .
* - وقد سبق بيانها في القواعد -.
وذهب جمع من الفقهاء إلى عدم جواز دفع الزكاة إلى مدينه بشرط ردها إليه قضاء لدينه، قال النووي : ( أما إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه، فلا يصح الدفع، ولا تسقط الزكاة بالاتفاق ـ أي بين أصحاب الشافعي ـ ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق... ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز بالاتفاق ـ أي بين أصحاب الشافعي ـ وأجزأه عن الزكاة، وإذا رده إليه عن الدين برئ منه. اهـ.
وذهب المالكية على أنه إن كان بتواطؤٍ، واتفاقٍ بينهما لم يجزئ، ولو بلا شرطٍ، وهو مذهب الحنابلة، لكن نصَّ الحنابلة على أنه إن قصد بذلك نفع نفسه، وصيانةَ ماله، واستيفاء دينه.. لم يَجُز ذلك، وهذا بخلاف ما إذا أعطاه لكونه من الغارمين مطلقًا، أو لسبب آخر، كأن يقصد نفع هذا الغارم بعينه، والتخفيف عن ظهره، لقرابةٍ، أو نحوها ما لم يُسقط به عن نفسه حقًّا ماليًا للمعطَى، فينفع بذلك نفسه، أو يكون حيلةً، كما قال العلامة البهوتي الحنبلي في الكشاف ممزوجًا بمتن الإقناع: ويجوز أيضًا دفع الزكاة إلى غريمه؛ لأنه من جملة الغارمين؛ ليقضي بها دينه، سواء دفعها إليه ابتداء قبل الاستيفاء، أو استوفى حقه ثم دفعها إليه ليقضي دين المقرِض ما لم يكن حيلةً، نصاً، قال أحمد: إن كان حيلة فلا يعجبني، ونقل عنه ابن القاسم: إن أراد الحيلة لم يصلح، ولا يجوز، وقال أيضاً: إن أراد إحياء مالِه لم يجز، وقال القاضي، وغيره: معنى الحيلة: أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه؛ لأن مِن شرطِها تمليكًا صحيحًا، فإذا شرط الرجوع لم يوجد، وقال في المغني، والشرح: إنه حصل من كلام أحمد: إذا قصد بالدفع إحياء ماله، واستيفاء دينه، لم يجز؛ لأن الزكاة حق الله، فلا يجوز صرفها إلى نفعه، وإن رد الغريم من نفسه ما قبضه وفاءً عن دينه من غير شرط، ولا مواطأة جاز لرب المال أخذُه من دَينه؛ لأنه بسبب متجدد، كالإرث، والهبة. اهـ.
وبناء على هذا فإن الجمهور يمنعون من دفع الزكاة لمدينه بشرط سداد الدين، لما سبق، والأقرب في نظري : جواز ذلك ، لأن الشرط غير معتبر وغير لازم ، فوجوده كعدمه ، ولما سبق من التدليل والتعليل ، والأحوط : اجتناب ذلك، وهو الورع .
والله أعلم .
كتبه : محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق