إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

السبت، 19 فبراير 2022

حكم الإصرار على الصغائر : هل مطلق الاصرار يحول الصغيرة إلى كبيرة؟ // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.


 حكم الإصرار على الصغائر :


هل مطلق الاصرار يحول الصغيرة إلى كبيرة؟


——————-

الخلاصة : لا تتحول الصغيرة إلى كبيرة بمجرد الإصرار عليها.

——————

١- قال تعالى : {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31]، 

ففي هذه الآية التفريق بين الكبائر والصغائر، سواء استمر على الصغيرة أم لا.


٢ - روى مسلم في صحيحه  من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "الصلوات الخمس، و الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". 

وهذا الحديث فيه دليل على أن الصغائر تكفر بهذه الأعمال الصالحة من صلاة ونحوها، فيعد كل صلاة أو وضوء  ونحوهما تتحات الصغائر ولا تتراكم.


٣ - ولما في صحيح مسلم مرفوعاً  :( إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِن وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بعَيْنَيْهِ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ).

ففيه دليل على عدم تراكم الصغائر مع الوضوء.

وهذه الأدلة تدل على التفريق بين الصغائر والكبائر .


٤ - روى مسلم ، عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله ﷺ سُئل عن صوم يوم عرفة، فقال: يُكفِّر السنة الماضية والباقية، وسُئل عن صوم يوم عاشوراء، فقال: يُكفِّر السنة الماضية، وسُئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: ذلك يوم وُلِدْتُ فيه، وبُعثتُ فيه، وأُنزل عليَّ فيه ).


٥ - روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، مرفوعاً:(  إذا قالَ الإمامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} 

فَقُولوا آمِينَ، فمَن وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).


وهذه الأدلة عند الجمهور محمولة على الصغائر ، لأن الصلوات الخمس التي هي أعظم شيء من أركان الإسلام بعد الشهادتين لا تكفر إلا الصغائر ،- سواء كان فاعلها مواظباً عليها أم لا -  فغيرها من باب أولى لا يكفر إلا الصغائر .


٦ -  ومن المعقول : إن هذه الصغائر  كانت موجودة في عهد التشريع ولو كانت تصير كبيرةً بالإصرار عليها لاحتيج إلى بيانها، 

فالخلاف في الصغيرة والكبيرة معلومٌ مقرر، فالصغيرة صغيرة والكبيرة كبيرة، 

كما أنه يمكن  أن يقال: 

إن الإصرار من حيث هو إصرار إما على خير وإما على شر، وعلم بذلك أن مجرد الإصرار ليس قيدًا يعلق عليه الحكم إطلاقا وليس مجرد الإصرار يصير الشي إلى محرم أو واجب، وإنما هو تبعٌ لما يتلبس بالعمل، فهو إما إلى خير أو إلى شر، ولو كان الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة وتحريمًا مستقلا، لكان الإصرار على الواجب يجعله ركنا وواجبا مستقلا، ولم يقل به أحدٌ، فالصغيرة صغيرة والكبيرة كبيرة .


@ فإن قيل : هناك أدلة تدل على انقلاب الصغيرة إلى كبيرة مع الإصرار عليها  ، منها :


١ - أثر ابن عباس :( لا صغيرة مع الإصرار ).

فالجواب  عنه :

أ  - أن هذا الأثر روي مرفوعاً ، ولا يصح رفعه، وروي موقوفاً على ابن عباس من كلامه ، وهو الأصح .


ب  - أن الإجماع انعقد أن قول الصحابي إذا خالف الكتاب والسنة فلا عبرة بقوله، وقد خالف قول ابن عباس عموم الأدلة السابقة المفرقة بين الكبائر والصغائر مع وجود الإصرار وعدمه، والقاعدة : حذف المتعلق مشعر بالعموم .


ج - سبق في القواعد : أن قول الصحابي ليس بحجة على الأصح ، إلا إذا قال الصحابي قولاً لا مجال للاجتهاد فيه ، وكان غير معروف بالأخذ عن أهل الكتاب.


د - على فرض الاحتجاج بقول الصحابي مما لم يخالف فيه نصاً: فإن المراد بكون الإصرار على الصغيرة كبيرة، لما يتضمنه من الاستهانة بالخالق، وعدم  المبالة بعقابه، فاستدامة غير الآبه  بحدود الله تعالى، ولا المبالي بحرماته، ولا المعظم لأمره ونهيه، قد تكون من المصر على الصغيرة ، وقد لا تكون هي الدافع له عليها ، وإنما بسبب غلبة الشهوة ، مع خوف العقوبة ووجل القلب ونحو ذلك .


و - أن ضابط الإصرار  مختلف فيه بين أهل العلم القائلين بذلك .


فقيل :  هو أن تتكرر منه الصغيرة تكررًا يشعر بقلة مبالاته بذنبه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك.


وكذلك إذا أجمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر أصغر الكبائر .


وقيل : المصر من تلبس من أضداد التوبة باستمرار العزم على المعاودة أو باستدامة الفعل بحيث يدخل به ذنبه في خبر ما يطلق عليه الوصف بصيرورته كبيرًا عظيمًا وليس لزمن ذلك وعدده حصر .


وقيل : الإصرار : المقام على الذنب,واعتقاد العود إليه أو إلى مثله.


٢ - حديث: ( إياكم وصغائر الذنوب أو محقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على العبد حتى يهلكنه).


فالجواب : على فرض صحته ، أن المراد ما يفعله العبد من الذنوب، متوهماً أنه من صغارها، وهو من كبار الذنوب عند الله تعالى.

أو ما يفعله العبد من صغائر الذنوب، دون مبالاة بها، ولا توبة منها، فتجتمع عليه هذه الصغائر حتى تهلكه قبل أن تكفر بتوبة أو أعمال صالحة .

أو ما يفعله العبد من صغائر الذنوب، لا يبالي بها، فتكون سببا لوقوعه في الكبائر المهلكة.


٣ -  حديث : « «ارحموا ترحموا ، واغفروا يغفر الله لكم ، وويل لأقماع القول ، وويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون» » .


والجواب : على فرض صحته :

ا -  أن المصرين قد يكونوا على كبيرة أو على  صغيرة، وفرق بينهما، والحديث وإن كان عاماً في الإصرار على الكبيرة والصغيرة ، ولكن القياس يخصص النص العام.


ب - الحديث : يحمل على الذين لا يتعظون بالنهي عن الذنوب مع وجود الواعظ الناهي المحذر لهم كما يدل عليه السياق فيكونون بذلك أقماعاً، تشبيهاً لهم بالقمع الذي يدخل السقي والمائع عن طريقه إلى الإناء ويخرج منه وهو لا يتأثر بما مر عليه .


وبناء على ما سبق ، فالذي يظهر لي أن الصغيرة لا تصير كبيرة بتكرارها، و المداومة عليها، سواء أكان التكرار لصغيرة بعينها، أو لجنس الصغائر، بل تكفر الصغائر بين الفينة والأخرى بالأعمال الصالحة ، والله أعلم .


كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت