حكم تغطية ما تحت ذقن المرأة في الصلاة :
——————
هل منطقة ما تحت الذقن، التي ما بين الرقبة والذقن، (كما هو موضح في الصورة) تعتبر عورة للمرأة ، وليست من الوجه، فبالتالي لابد من تغطيتها أثناء الصلاة؟
———————-
ما تحت الذقن لا يعتبر من وجه المرأة الذي يجوز كشفه في الصلاة، ولكن هل يعفى عنه ، لكونه يسيراً، ولا يتأتى غالباً كشف الوجه إلا بكشفه ؟
وهل تبطل الصلاة إذا انكشف أم لا ؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
فمنهم من يرى بطلان الصلاة بكشف شيء يسير من عورة المرأة في الصلاة .
وعورة المرأة في الصلاة : سائر بدنها إلا الوجه والكفين، واختلف في القدمين .
وذلك كما هو الشأن في يسير النجاسة في الصلاة، فمنهم من لا يعذر باليسير منها عرفاً في ثياب المصلي، لحديث( وأما أحدهما فكان لا يستبريء من بوله)
ورذاذ البول قد يكون يسيراً، وقد يكون كثيراً،والقاعدة : حذف المتعلق مشعر بالعموم.
وهي قاعدة : ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم من المقال.
وأما قاعدة : لا يجوز فرض العمومات في المضمرات.
فالمضمر إما أن يكون معلوماً، فيتعين، لأن : حذف ما يعلم جائز.
وإما أن يكون غير معلوم، فعندئذ إما أن يكون المحذوف لا يتجاوز أن يكون بحسب وضع واحد، فيكون المحذوف شاملاً لما يمكن تقديره بحسب وضع واحد، ولهذا القاعدة فيه : النص إذا كان يحتمل أكثر من معنى بحسب وضع واحد ، حمل على جميع تلك المعاني.
وإذا كان المحذوف يحتمل أكثر من معنى بحسب أوضاع متعددة ، فلا يجوز فرض العمومات في المضمرات، ويكون مجملاً.
ومن أهل العلم من يرى العفو عن يسير النجاسة في الثياب ونحوه في الصلاة، لعدة أدلة ، منها ( ما جعل عليكم في الدين من حرج) وحديث في ذيل المرأة ، قال :( يطهره ما بعده) ، وحديث( إذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما ، فإن كان بهما أذى فليمسحهما وليصل فيهما) وبالمسح تبقى نجاسة خفيفة فيهما في الغالب، وما جاء في مشروعية الاستجمار، وبقى أثر النجاسه به غالبة.
فدل ذلك وغيره كثير عن العفو عن يسير النجاسة في الصلاة، وبناء على ذلك يقاس العفو عن يسير ما يجب ستره في الصلاة إذا كان يسيراً في العرف.
بل وردت أدلة في التجاوز عن العورة اليسيرة ، كما في صحيح مسلم عن سهل بن سعد قال لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم مثل الصبيان من ضيق الأزر خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل يا معشر النساء لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال).
وذلك حتى لا يرى النساء ما قد ينكشف من عورات الرجال في الصلاة.
وفي حديث عمرو بن سلمة عند أبي داود وغيره، نَّا بحاضرٍ يمرُّ بنا النَّاسُ إذا أتَوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فَكانوا إذا رجعوا مرُّوا بنا فأخبرونا أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ كذا وَكذا وَكنتُ غلامًا حافِظًا فحفظتُ من ذلِكَ قرآنًا كثيرًا فانطلقَ أبي وافدًا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في نفرٍ من قومِهِ فعلَّمَهمُ الصَّلاةَ فقالَ يؤمُّكم أقرؤُكم وَكنتُ أقرأَهم لما كنتُ أحفظُ فقدَّموني فَكنتُ أؤمُّهم وعليَّ بُردةٌ لي صغيرةٌ صَفراءُ فَكنتُ إذا سجَدتُ تَكشَّفت عنِّي فقالتِ امرَأةٌ منَ النِّساءِ واروا عنَّا عورةَ قارئِكم فاشتَروا لي قميصًا عمانيًّا فما فرِحتُ بشيءٍ بعدَ الإسلامِ فرحي بِهِ فَكنتُ أؤمُّهُم وأنا ابنُ سبعِ سنينَ أو ثمانِ سنينَ)
الشاهد( واروا عنا عورة قارئكم )
وبهذا يتقرر أن اليسير من العورة ومن النجاسة في الصلاة معفو عنه، والأولى التحرز من ذلك ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
ولأن كشف ما يكون تحت الذقن مما لا يمكن كشف الوجه المشروع كشفه في الصلاة للمرأة إلا بكشفه، وتغطيته كاملاً مع كشف الوجه فيه حرج على المرأة غالباً إلا إذا سترت أجزاء من الوجه.
ولأن ما جاور الشيء يعطى حكمه، خصوصاً عند الحرج في التحرز منه.
وبهذا يتبين التوسع في هذه الجزئية وعدم الحرج في كشفها لكونها يسيرة عرفاً، وللحرج في كشف الوجه مع التحرز في عدم كشفها، ولكونها مجاورة للوجه مما يستلزم كشفها مع الوجه غالباً .
والله أعلم .
صورة توضيحية لمنطقة ما تحت الذقن |
كتبه: محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق