التاريخ: يوم الأحد، الموافق ١٤٤٣/٦/٢٧هـ
(باب الهبة):
——————————————————
حديث: [النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله ﷺ فقال إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله ﷺ: ((أكلّ ولدك نحلته مثل هذا؟))، فقال: لا، فقال رسول الله ﷺ: ((فارجعه.))، وفي لفظ: فانطلق أبي إلى النبي ﷺ ليشهده على صدقتي، فقال ﷺ : ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟))، قال: لا، قال ﷺ : ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم))، فرجع أبي فرد تلك الصدقة.
وفي رواية مسلم قال ﷺ:((فأشهد على هذا غيري))، ثم قال: ((أيسرك أن يكونوا في البر سواء؟!)) ، قال: بلى، قالﷺ:((فلا إذن)). متفق عليه ].
١/ قاعدة: تشريك من لا مدرك له : يجوز وتشريك من له مدرك : لا يجوز.
والمدر : من الإدراك وهو العقل، فمن شرك في نيته الحج مع التجارة ، لا بأس( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ).
وكذا الجهاد والغنيمة، بخلاف من حج ليتاجر، فيتخذ عمل الآخرة من أجل الدنيا ، فهذا لا يجوز، واما من أراد الحج والتجارة فلا بأس.
وتشريك من له عقل وإدراك في أعمال الآخرة لا يجوز، ويبطل العمل، كمن صلى لله ومن أجل الناس : وقع في الرياء والشرك ( من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري ، تركته وشركه).
- موضعها من الكتاب : قوله:(الهبة شرعاً: تمليك عين بعقد على غير عوض معلومٍ في الحياة).
- العلاقة بينهما: أن الهدية يكون المقصود الأعظم منها التودد والتحبب وقد يكون عليها أجر كالصدقة، فإن كان القصد من التودد والاحسان للغير للدنيا ومع ذلك تريد ابتغاء مرضاة الله فهذا يدخل في القاعدة، كمن حج مرضاة لله مع قصد التجارة فإن أجره ينقص بقدر ذلك التشريك مما لا عقل له ولا إدراك كالجهاد في سبيل الله أيضاً مع قصد اغتنام الغنائم.
أما تشريك من له مدرك كالرياء مثلا فإنه يبطل أجر العمل.
٢/ قاعدة: الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم.
- موضعها من الحديث، قوله: (أن أباه).
- العلاقة بينهما: الأب يراد به من له عليك ولادة مباشرة،أو غير مباشرة كالجد،
فالجد فقد يطلق عليه أب لكن ليس له حكم الأب لأن الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم.
٣/ قاعدة أصولية: المفرد إذا أضيف يعم والجمع إذا أضيف يعم.
- موضعها من الحديث: قوله( أكلّ ولدك)
- العلاقة بينهما: (ولد)، مفرد مضاف فيعم، وفي اللفظ الآخر (أولادكم) ، جمع مضاف فيعم.
٤/ قاعدة: النص العام يخصصه القياس.
- موضعها من الحديث: قوله(سبق)
- العلاقة بينهما: (ولدك) يشمل الذكور والاناث والقياس يقتضي أن تعطي الذكر مثل حظ الأنثيين.
٥/ قاعدة: قضايا الأعيان لاعموم لها.
- موضعها من الحديث: قوله(سبق)
- العلاقة بينهما: (ولدك) قد يكون كلهم ذكور أو كلهم إناث أو بعضهم ذكور وبعضهم إناث لذلك قوله (ولدك) أعم لأن قضايا الاعيان لاعموم لها.
٦/ قاعدة: الإشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم.
- موضعها من الحديث: قوله(سبق)
- العلاقة بينهما: (ولدك) لايدخل في ذلك ابن الابن وهو الحفيد على القول الراجح فلا يجب العدل بينهم وقد يطلق عليه ابن ولكن اشتراكه مع الابن -الذي لك عليه ولادة- في الاسم لا يعني اشتراكهم في الحكم.
٧/ قاعدة: المنصوص عليه وما في معناه حكمهما واحد.
- موضعها من الحديث: قوله( أفعلت هذا بولدك كلهم)
- العلاقة بينهما: يدخل في ذلك الأم فيجب عليها العدل مع أولادها كما يجب على الأب؛ لأنها في حكم الأب.
٨/ قاعدة: الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا إلا المعلق بالمظان فإنه لا يتخلف بتخلف حكمته.
- موضعها من الحديث: قوله( أيسرك أن يكونوا في البر سواء، قال : نعم، قال : فلا إذن).
- العلاقة بينهما: قوله فلا إذن معلق بالمظان، كالنوم فإنه مظنة خروج الريح كما في الحديث: (العين وكاء السه).
فإن العدل بين الأولاد : سبب لكونهم في البر سواء، أي سبب لبر الولاد بالآباء، ومع تخلف البر من أحدهم لا يعني تخصيص غيره بالأهبة، لأن الحكم ههنا معلق بالمظنة.
——————————————————
حديث:[ وعن ابن عمر، وابن عباس، عن النبي ﷺ قالا: لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الولد فيما يعطي ولده] رواه أحمد والأربعة.
٩/ قاعدة حديثية: إذا انفرد صدوق برواية الحديث فإن حديثه يعتبر شاذاً،
١٠/ وقاعدة: مخالفة المقبول لمن هو أقوى منه يعتبر حديثه شاذاً.
- موضعها من الحديث: قوله( عن عمرو بن شعيب).
- العلاقة بينهما: هذا الحديث رجاله ثقات غير عمرو بن شعيب فقد روى له أصحاب السنن وهو صدوق، فإذا انفرد به اعتبر حديثاً شاذاً للقاعدة، وإن لم يتفرد بالحديث وإنما تفرد بألفاظ منه فقد خالف الثقات الأثبات للقاعدة الثانية.
وبناء على ذلك : فإن لفظ الصحيح هو المحفوظ، وفيه بيان رد هبة الأب لعدم تحقق العدل، ولا يعني ذلك جواز رجوع الأب في هبة ابنه بعد قبضها إذا تحقق العدل فيها، وحديث( أنت ومالك لأبيك) ضعيف على الأصح، والله أعلم .
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
كتبها عنه، تلميذه : سعود بن صالح الزهراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق