في يوم الأحد، الموافق ١٤٤٣/٩/٩ هجرية.
——————————————————
(باب شروط البيع وما نهى عنه):
حديث:[ جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنَّهُ كانَ يَسِيرُ علَى جَمَلٍ له قدْ أَعْيَا، فأرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، قالَ: فَلَحِقَنِي النَّبيُّ ﷺ فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، قالَ: ((بعْنِيهِ بأوقيَّة))، قُلتُ: لَا، ثُمَّ قالَ: ((بعْنِيهِ))، فَبِعْتُهُ بأوقيَّة، وَاسْتَثْنَيْتُ عليه حُمْلَانَهُ إلى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بالجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فأرْسَلَ في أَثَرِي، فَقالَ: ((أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ؛ فَهو لَكَ))]. - متفق عليه، واللفظ لمسلم-.
يستنبط من هذا الحديث أحكام، وهي:
١- جواز قول: ( لا، ) لأهل الحل والعقد إذا كان له ذلك.
٢- جواز اشتراط المنفعة، ودليلها هذا الحديث، وحديث:( المؤمنون على شروطهم ).
٣- جواز بيع الكالئ بالكالئ؛ لأن جابر باع للنبي ﷺ الجمل ولم يستلم النبي ﷺ الجمل في مجلس العقد، وإنما استلمه بعد ذلك وكذلك جابر لم يستلم الثمن إلا بعد مجلس العقد في المدينة فدل على جواز بيع الكالئ بالكالئ. أي المؤخر الذي لم يقبض في مجلس العقد ، بالمؤخر الذي لم يقبض في مجلس العقد كذلك .
والجمهور يحرمونه؛ لأنه ورد حديث :( نهى عن بيع الكالئ بالكالئ )، ولكن هذا الحديث ضعيف،
ولذلك نقول أنه يجوز بيع الكاليء بالكاليء
لحديث جابر السابق ، إلا في حالتين وما عدا ذلك فلا بأس:-
الحالة الاولى: إذا كان رأس مال لسلم، فإنه يشترط أن يسلم الثمن كاملاً في مجلس العقد وهذا محل اتفاق بين المذاهب الاربعة في كونه يسلم الثمن في مجلس العقد، إلا ان المالكية يجيزون تأخير تسليم الثمن ليوم أو يومين. لقوله ﷺ:((من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)). ( فليسلف) أي فليقدم الثمن .
وهذا محل إجماع بين أهل العلم : وهو أن رأس المال في السلم لا بد من تقديمه في مجلس العقد وإلا لم يصح السلم ، وإنما رخص المالكية في اليوم أو اليومين أو الثلاثة من باب التيسير ولكونه يسيراً عندهم .
الحالة الثانية: إذا كان في الأموال التي يجري فيها الربا، لا بد من التقابض في مجلس العقد ، وإذا كان من جنس واحد يشترط مع التقابض التماثل( مثلاً بمثل).
فإذا كان جنس بجنس -ذهب بذهب مثلاً- يشترط فيه التقابض والتماثل، وإذا كان بجنسين مختلفين - بر بتمر مثلاً- فيشترط شرطاً واحداً وهو التقابض في مجلس العقد؛ لحديث عبادة بن الصامت ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فإذا اختلف هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد)) وفي رواية:((فمن زاد أو استزاد فقد أربى)).
٤- الاصل في الشروط الصحة، لقوله تعالى: (أوفوا بالعقود)، ولهذا الأصل استثناءات .
ويستثنى من هذا الاصل أمور:
(الاول): إذا خالف الشرط مقتضى العقد من كل جانب، فهذا شرط لاغي؛ لأن معناه أن وجود العقد كعدمه، ولأن اعمال الكلام أولى من إهماله، كمن يبيع سيارته بشرط ألا ينتفع بها المشتري من وجوه الانتفاع.
(الثاني): اذا خالف المقصود الأعظم والأهم من هذا العقد فهو شرط لاغي، كمن يقول أعلمك هذا العلم بشرط ألا تعلم غيرك، فهذا خالف المقصود الاعظم من تعليم العلم.
أو يقول زوجتك موليتي فلانه بشرط ألا تطأها.
(الثالث): أن يخالف الشرع؛ لقوله ﷺ:((
كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل..)) الحديث.
(الرابع): إذا كان هذا الشرط فيه نفع للمشروط عليه ولا ضرر على المشترط.
لحديث أبي هريرة مرفوعاً:( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) ففيه دليل على أن كل ما فيه منفعة لغيرك، ولا ضرر عليك فيه ، فلا يجوز منع الغير منه.
وقد تقدم تحريرها في القواعد .
وما عدا ذلك فالاصل فيه من الشروط الصحة .
——————————————————
حديث:[عائشة رضي الله عنها قالت: جاءَتْنِي بَرِيرَةُ فقالَتْ: كاتَبْتُ أهْلِي علَى تِسْعِ أوراق في كُلِّ عامٍ، أُوقِيَّةٌ، فأعِينِينِي، فقالَتْ: إنْ أحَبُّوا أنْ أعُدَّها لهمْ ويَكونَ ولاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلى أهْلِها، فقالَتْ لهمْ: فأبَوْا عليها، فَجاءَتْ مِن عِندِهِمْ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالِسٌ، فقالَتْ: إنِّي قدْ عَرَضْتُ ذَلِكِ عليهم، فأبَوْا إلَّا أنْ يَكونَ الوَلاءُ لهمْ، فَسَمِعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَتْ عائِشَةُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: خُذِيها واشْتَرِطِي لهمُ الوَلاءَ، فإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عائِشَةُ ثُمَّ قامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: ما بالُ رِجالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا ليسَتْ في كِتابِ اللَّهِ ما كانَ مِن شَرْطٍ ليسَ في كِتابِ اللَّهِ، فَهو باطِلٌ وإنْ كانَ مِئَةَ شَرْطٍ قَضاءُ اللَّهِ أحَقُّ وشَرْطُ اللَّهِ أوْثَقُ، وإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ.)) -متفق عليه- واللفظ للبخاري.
يستنبط من هذا الحديث أحكام، وهي:
١/ من قوله: (إني كاتبت أهلي) جواز المكاتبة، وهي أن يشتري العبد نفسه من سيده.
٢/ من قوله: (فأعينيني) جواز طلب الإعانة عند الاضطرار، وهناك قاعدة على ذلك، وهي: ١/ قاعدة: كل ما جرت العادة بسؤاله فإنه لا يعتبر من المسألة المذمومة، مثل القرض والعارية، فقد اقترض النبي ﷺ، وقد استعار ﷺ من صفوان دروعاً.
٣/ من قوله (قضاء الله أحق وشرط الله أوثق) دليل على بطلان كل شرط خالف الكتاب والسنة؛ لقوله تعالى:((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم)) الاية.
٤/ من قوله (إني كاتبت أهلي على تسع أوراق، في كل علم أوقية) دل على جواز بيع التقسيط.
٢/ قاعدة: كل أمر في جواب سؤال فإنه يكون للإباحة.
وقاعدة: الأمر بعد الحظر فإنه لرفع الحظر ويعود كما كان قبله.
- موضعها من الحديث:(خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق).
- العلاقة بينهما: خذيها هذا للاباحة.
٣/ قاعدة: كل شرط باطل يجوز اشتراطه لتحقيق بطلانه.
- موضعها من الحديث:(سبق)
- العلاقة بينهما: أن أمر النبي ﷺ هنا دليل بطلان الشرط، فكل شرط يخالف الشرع فهو باطل: يعني لايترتب عليه أثره.
٤/ قاعدة: فرق بين القضاء والشرط.
- موضعها من الحديث، (قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق).
- العلاقة بينهما: أن القضاء: هو الحكم، والشرط: هي الاوصاف التي يجعلها الله مناط للحكم، مثلها: الصلاة واجبة (هذا قضاء شرعي)، وشروطها وهي الاوصاف التي توجب الحكم وهي البلوغ ودخول الوقت وغيره من الاوصاف الموجبة لهذا الحكم.
——————————————————
حديث:[ جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: نهى رسول الله ﷺ عن بيع فضل الماء، وزاد في رواية: وعن بيع ضراب الجمل. -رواه مسلم-.
٥/ قاعدة: كل ما اجتمع بفضل الله عز وجل لا يجوز للإنسان أن يبيعه قبل أن يحوزه.
- موضعها من الحديث:( حديث جابر)
- العلاقة بينهما: فضل الماء وهو الماء الزائد الذي اجتمع بفضل الله عز وجل فلا يجوز بيعه ولو كان في أرض الشخص مادام لم يحزه فهو ملك للجميع لقوله ﷺ:(( المسلمون شركاء في ثلاثة، الماء، والكلأ، والنار))، أما بعد حيازته فيجوز له بيعه؛ لحديثه ﷺ:(( لأن يمد أحدكم حبله فيحتطب خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) مع أن الحطب قبل الحيازة لا يجوز بيعه.
٦/ قاعدة: كل مالا قيمة له عرفا فلا ثمن له شراعاً. حكاه ابن تيمية إجماعاً.
٧/وقاعدة: كل محرم في الشرع فثمنه حرام .( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه).
- موضعها من الحديث:( وعن بيع ضراب الجمل).
- العلاقة بينهما: مثالها: أن يطلب صاحب البعير مالاً مقابل طرق بعيره لناقة شخص أخر، فهاذا لا يجوز، ويدخل في ذلك عسب الفحل وغيره من ماء الحيوانات.
ومن ذلك : تحريم أخذ العوض على أن يطرق الفحل - وهو من مزايين الإبل - ناقة شخص آخر بعوض، فهذا العوض حرام .
( نهى عن عسب الفحل).
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى .
كتبها عنه : تلميذه : سعود بن صالح الزهراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق