في يوم الأحد، الموافق ١٤٤٣/١٠/٧ من الهجرة
——————————————————
(باب شروط البيع وما نهى عنه):
حديث:[ أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله ﷺ عن بيعتين في بيعة))، -رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان-، ولأبي داوود :(( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما، أو الربا))].
سبق بيان درجة الحديث ، والمراد بالبيعتين في بيعة في حكم بيعتين في بيعة .
قيل : المراد به بيع العينة؛ ولذا قال ((فله أوكسهما أو الربا)): أي أنقصهما أو الربا، وهذا لا يكون إلا في بيع العينة، مثاله أن يبيع زيد لعمرو سيارة بقيمة مئة ألف مؤجله بشرط أن يبيعه له عمرو تلك سيارة بثمانين ألف حالّة، فالمقصود منه قرض ثمانين ألف بمائة ألف والسلعة دخلت من باب التحايل الغير مشروع ، لحديث: (( إذا تَبايعْتُم بالعِينَةَ ، وأخذْتُم أذنابَ البقرِ ، ورضِيتُمْ بالزرعِ ، وتركتمُ الجهادَ سلَّطَ اللهُ عليكمْ ذلُّا ، لا ينزعُهُ حتى ترجعُوا إلى دينِكمْ)).
وهذا التفسير يؤيده لفظ يحيى بن زكريا عند أبي داوود وهو اللفظ الثاني للحديث المذكور، فلا إشكال فيه.
والظاهر : أن كل عقدين إذا اجتمعا واحتوى ذلك الاجتماع على محذور شرعي، كان من صور بيعتين في بيعة .
وذلك كصورة بيع العينة السابق .
١/ قاعدة: الأصل في الأحكام التعليل.
- موضعها من الحديث: (حديث أبي هريرة السابق: هو احتوى الاجتماع من العقدين في وقت واحد على المحظور الشرعي، كالجمع بين عقد الإجارة مع عقد البيع في وقت واحد، لما يتضمنه ضمانهما من التناقض.
- العلاقة بينهما: أن هناك من أخذ بظاهر الحديث كالحنابلة بأن من أوقع بيعتين في بيعة فالعقد باطل؛ لأنه يؤدي إلى النزاع والاختلاف.. وهذا فيه نظر لأن الاصل في الاحكام التعليل، فما كان فيه علة ظاهرة في التحريم يكون حرامًا وما لا فإن الأصل فيه الحل، ولو أخذنا بظاهر هذا لكان اشتراط أكثر من شرط في عقد واحد يؤدي إلى البطلان، وهذا وإن كان منصوصاً عليه في حديث ((لا يحلُّ سلفٌ وبيعٌ، ولا شرطانِ في بيعٍ، ولا ربحُ ما لم يضمنْ)) إلا أن المراد -كما سيأتي- في ما لو تظمن محظوراً شرعياً وإلا فلا.
٢/ قاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى.
- موضعها من الحديث: (سبق).
- العلاقة بينهما: وأن هناك كما بينا من أخذ بمعنى الحديث ولقاعدة الأصل في الاحكام التعليل، وقاعدة الأصل في البيوع الحل -وان كان الاصل أضعف الأدلة فلا يستدل به إلا بعد البحث عن بقية الأدلة إلا أنه يكمن أن يؤيده ما بينا ووضحنا،
ومن أهل العلم من يفسر بيعتين في بيعه بأن يقول: بعتك هذه السلعة بمئة ألف حالة ، وبمئة وخمسين ألف مؤجلة ويقول الآخر له اشتريت ، ولم يحدد ، فهذا فيه جهالة في الثمن ولأنه يؤدي إلى أنه يبيعه نقدا ثم يصرفه إلى تلك النسيئة حتى تبطل تلك الزيادة،؛ لأن ربا الجاهلية :(زد وتأجل).
فالخلاصة أنه قيل في هذا الحديث ثلاثة أقوال:
١/ أن يذكر ثمنًا للسلعة مؤجلاً و ثمناً حالاً ويتم البيع دون تحديد، أيهما يراد في العقد، فهذا لا يجوز.
٢/ القول الآخر أن نأخذ الحديث على ظاهره فكل عقدين في عقد فهو باطل، فلو قال بعتك هذا البيت بمئة، وأجرتك هذه الشقة بعشرة ، لا يصح.
٣/ ومنهم من يرى أنه إذا احتوى على محظور شرعي اجتماع عقدين في آن واحد لم يجز ، وما لا فلا؛
لرواية يحيى بن زكريا.وهذا هو الراجح لقاعدتين :
إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر .
وقاعدة : الأصل في الاحكام التعليل.
——————————————————
حديث: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما قال: قال ﷺ:(( لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح مالم يظمن، ولا بيع ما ليس عندك)) رواه رواه الخمسة، وصححه الترمذي والحاكم.
ومعنى قوله (لا يحل سلف وبيع) أي: لا يجوز أن يجمع بين قرض وبيع، لأنه قرض جر نفعاً وكل قرض جر نفعاً فهو ربا.
وقوله: (ولا شرطان في بيع). سبق بيانه في الحديث السابق.
وقوله: ( ولا ربح ما لم يظمن) لأن النبي ﷺ قال:(( الخراج بالضمان))، فإن باع السلعة يجيب أن يخرجها من المكان الذي بيعت فيه أو المكان الذي يختص بالبائع إلى مكان آخر؛ حتى لا يربح في ما لم يضمن؛ لأنها لو تلفت وهي بيد الآر ضمنها، فإن ربح وبح فيما لم يضمن من المشتري.
وقوله:(( ولا بيع ما ليس عندك)): فهذا له ثلاثة أحوال:
١/ أن تكون وسيطاً ، تأخذ من أجل الدلالة، فهذا جائز لا إشكال فيه.
٢/ أن تبيع ما ليس عندك فتستلم المبلغ منه ثم تسعى في تحصيل السلعة، هذا لا يجوز .
٣/ وإما أن يكون بيع عين موصوفة في الذمة، ويشترط لها :( أن تكون ليست عين معينه وإنما موصوفة بصفات منضبطه، وان تسلم الثمن كاملاً بمجس العقد، أن تحدد الأجل إن كان مؤجل).
والله أعلم .
محمد بن سعد الهليل العصيمي.
كتبها عنه تلميذه : سعود بن صالح الزهراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق