إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الخميس، 19 مايو 2022

تحرير قواعد ابن رجب // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.


 تحرير قواعد ابن رجب:

١٦ شوال ١٤٤٣

————

ً  * القاعدة  السابعة : 

————

• ‏من تلبس بعبادة ثم وجد قبل فراغها ما لو كان واجدا له قبل الشروع لكان هو الواجب دون ما تلبس به، هل يلزمه الانتقال إليه أم يمضي ويجزئه؟


بمعنى : من شرع في عبادة بديلة للأصل ثم وجد الأصل قبل أن يفرغ من تلك العبادة ، هل يبطل البدل ويلزمه الرجوع للأصل أم لا .

بخلاف من انتهى من البدل لعدم  القدرة على الأصل ، ثم وجد الأصل ، فلا إعادة عليه، لما تقدم في قاعدة : 

من فعل ما أمر به بحسب استطاعته ، فلا إعادة عليه.


وكذا من شرع في العبادة مما يبنى بعضها على بعض، لا يؤمر بالإعادة على الأصح

لأنه دخل على الوجه المأمور به شرعاً،  بشرطه وهو تعذر الأصل ، لأن شرط صحة البدل تعذر الأصل ، ووجود الشرط  في أثناء العبادة بعد الشروع فيها  ، ليس كوجود المانع في أثنائها - كما يأتي -.


والدخول في المشروع لا يكون مضموناً عند وجود الأصل ، ولو كان كذلك للزم منه زيادة على الواجب، وهو مقدار ما فات قبل وجود الأصل مع الإلزام بتوفير الأصل كاملاً، وهذا فيه زيادة على الواجب ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة مرتين .


• ‏أشار  المصنف رحمه الله تعالى إلى التفريق في حكم هذه القاعدة بين أن يكون المتلبس به رخصة عامة شرعت للتيسير على المكلف مع إمكان إتيانه بالأصل مع المشقة والتكلف، وأن هذا لا يجب عليه الانتقال منه بوجود الأصل، ومثل له بالمتمتع إذا عدم الهدي فإنه مرخص له بالصيام رخصة تيسير، حتى لو قدر على الشراء بثمن في ذمته وهو موسر في بلده فإنه لا يلزمه الهدي بعد ذلك، ففرق بين هذا وبين أن يكون المتلبس به إنما شرع ضرورة للعجز عن الأصل وتعذره بالكلية فهذا يلزمه الانتقال إلى الأصل عند القدرة عليه، ومثاله العدة بالأشهر فإنها لا تعتبر بحال مع الاعتداد بالحيض، ولهذا تؤمر من ارتفع حيضها لعارض معلوم أن تنتظر زواله ولو طالت المدة.


وهذا التفريق فيه نظر ، وذلك أن ما شرع ضرورة أولى مما لم يصل إلى حد الضرورة .


والأولى في نظري : في ضبط هذه المسائل أن يكون في قاعدتين :


أ - التفريق بين ما ينبني أوله على آخره وبين ما ليس كذلك، فالأول كجمع الصلاة الثانية إلى ما قبلها لوجود المطر، فإذا زال العذر وهو المطر قبل التكبير للثانية فلا يجمع، أما إذا انقطع المطر بعد التكبير فإنه يتم صلاته وتقع صحيحة، وذلك لأن الصلاة جزء واحد ينبني أولها على آخرها، وقد وجد العذر عند التكبيرة الثانية من الصلاة المجموعة لغيرها ، والعبرة بالمنظور لا بالمنتظر .


ومثال الثاني : من أعطيته بعض الصدقة فاغتنى بها فلا يجوز أن يدفع إليه بقيتها، لأن الصدقة لا يبطل أولها بفوات آخرها.


ب - التفريق بين انتفاء الشرط ووجود المانع، فإن انتفاء الشرط لا يوجب بطلان العبادة، بخلاف وجود المانع فتبطل به العبادة، فمن أمثلة انتفاء الشرط أن المرأة

- وكذا الرجل - إذا لم تعلم بأن غداً من رمضان إلا  في منتصف النهار أمسكت وصامت وصح صومها، لكونها فقدت شرط العلم بكون اليوم من رمضان ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بصوم يوم عاشوراء وكان واجباً، ومنهم من لم يعلم إلا في وسط النهار ولم يؤمروا بإعادة صيامه،


 أما من صامت وحاضت ولو قبل غروب الشمس بلحظة فيبطل صومها وتقضيه لوجود المانع من الصوم وهو الحيض .


ومن أمثلة ذلك أيضا ما ذكره المصنف من نكاح المعسر الخائف للعنت أمة فإنه إذا انتفى شرط الجواز  بعد الشروع فيه وانعقاده ، كخوف العنت مثلا فإنه لا ينفسخ نكاحه على الصحيح، أما لو ظهر ثم مانع مثل كونها أخته من الرضاعة فيفرق بينهما قولا واحدا، وقد سبق سرد شيء من الفروق بين انتفاء الشروط ووجود الموانع في القاعدة الرابعة، وذلك من خلال الأوجه التالية :

١ - لا يشرع السؤال عن تحقق الشرط وتوفره مطلقاً، لحديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : يا رسول الله : إن قوماً يأتوننا بلحوم لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لا ؟ قال :( سموا أنتم وكلوا ). فمن شروط الذبح التسمية، فلا يشرع السؤال عن تحقق الشرط حتى ولو كان متوقعاً عدم تحققه ووجوده.

بخلاف السؤال عن المانع إذا كان متوقعاً، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة عن جنازة الأنصاري لما قدمت بين يديه ليصلي عليها ، فقال :(أعليه دين).

٢ - أن فقد الشرط أو انتفاؤه للعذر لا يفسد العبادة، بخلاف وجود المانع ولو كان بعذر قإنه يفسد العبادة.

فمن الأول : عدم فساد صلاة الصحابة الذين صلوا جهة بيت المقدس بعد نسخ الحكم، ولم يعلموا إلا في وسط صلاتهم، فتحولوا وهم في الصلاة ولم يعيدوها من أولها، بخلاف وجود المانع فلو خرج منهم ريح في صلاتهم لبطلت تلك الصلاة من أولها.

وكذلك من لم يعلم بدخول رمضان إلا في وسط النهار صح صومه عند إمساكه بعد علمه، بخلاف وجود المانع كما لو نزل من المرأة دم الحيض قبل الغروب بلحظة فسد صيام يومها ووجب عليها القضاء.

٣ - أن في الشروط يفرق بين شرط الإجزاء، وشرط الصحة، بخلاف المانع فإنه يجعل الموجود كالمعدوم، ومن ذلك أن من حج ولم يبلغ صح حجه ولم يجزئه عن حجة الإسلام ، ولما رفعت امرأة صبياً لها ، فقالت ( ألهذا حج، قال :( نعم ). 

والبلوغ شرط إجزاء لا شرط صحة.

بخلاف لو فسخ إحرامه وترك الحج فلا شيء عليه لكونه غير مكلف وهذا هو مذهب أبي حنيفة وهو الأصح.

——————————————


• القاعدة الثامنة:

• ‏من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها، هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا؟

• ‏ولذلك أحوال ذكرها المصنف:

• ‏الأول: أن يكون المقدور عليه وسيلة محضة ليست مقصودة في العبادة، كتحريك اللسان في القراءة وإمرار الموسى على الرأس في الحلق والختان، فهذا إنما وجب ضرورة لتحصيل العبادة المقصودة، فإذا سقط الأصل سقط الأمر بهذه الوسيلة، وذلك كالأصلع لا يجب عليه إمرار الموسى على رأسه.


• ‏الثاني: ما وجب تبعاً  لغيره، وهو نوعان:

• ‏١- ما كان وجوبه احتياطا للعبادة ليتحقق حصولها كغسل رأس المرفقين، هل يجب غسل المرفق الآخر إذا قطعت يده من المرفق أو لا؟ وهذا يندرج تحت قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وهذا يقال فيما إذا بقي شيء من العضو  المأمور بغسله  كما في وضوء الأقطع، 

أما إن لم يبق شيء بالكلية فيسقط هذا التبع الذي وجب لغيره، كإمساك جزء من الليل في الصوم، لا يلزم من أبيح له الفطر بالاتفاق.


• ‏٢- ما وجب تبعا لغيره على وجه التكميل واللواحق، كرمي الجمار والمبيت بمنى لا يجب على من لم يدرك الوقوف بعرفة على الصحيح، لأنها تبع للوقوف، كأعمال الخير والبر لا تصح إلا تبعا للتوحيد، قال تعالى (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، وذكر المصنف أن من أمثلة هذا أن من عجز عن وضع جبهته على الأرض أنه لا يجب عليه وضع بقية أعضاء السجود، وهذا فيه نظر ،:

وذلك أن هيئة السجود مقصودة مأمور بها ولو تخلف وضع بعض أعضاء السجود للعجز، لقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم)، ومن عجز عن السجود على جبهته فهو مستطيع لوضع بقية أعضائه فتجب عليه، وقال صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم"، فكل عضو يؤمر بوضعه على استقلال ولو حصل العجز عن البقية، وفي الحديث "ولا أكف ثوبا ولا شعرا" وهو يدل على أن السجود هيئة كاملة مقصود كل ما فيها من أعضاء وحركة، وأن كل ما في الإنسان يسجد بسجوده.


• ‏الثالث: ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه، أو هو غير مأمور به لضرره، كصوم بعض اليوم لمن قدر عليه، فلا يلزمه بالعجز عن بقيته  بغير خلاف، 

والثاني كعتق بعض الرقبة في الكفارة، فلا يلزم القادر عليه إذا عجز عن التكميل، لأن الشارع قصده تكميل العتق مهما أمكن، ولهذا شرع السراية والسعاية، والصواب في هذا الذي ذكره المصنف أن من قدر على بعض العتق أو بعض الكفارة أنه يلزمه لأن فيه حقاً مقصودا للفقير الذي تنصرف إليه هذه العبادة، وقد قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم)، وهذه الخصال كالعتق والصيام والإطعام يمكن أن يقع مجزأ بغير تلفيق عند العجز عن باقي الخصال فكان واجبا بهذا.

فمن وجبت عليه كفارة الجماع في نهار رمضان ، وجب عليه عتق رقبة كاملة ، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، فإن لم يستطع ذلك، واستطاع عتق بعض رقبة وجب عليه، فإن لم يستطع عتق من الرقبة شيء ويستطيع أن يصوم بعض أيام الشهرين لا كلها لزمه، فإن لم يستطع جزءاً من ذلك انتقال إلى إطعام بعض من يقدر على إطعامهم من الستين مسكيناً.


• ‏الرابع: ما هو جزء من العبادة وهو عبادة مشروعة في نفسه، فيجب فعله عند تعذر الجميع بغير خلاف، فمن ذلك العاجز عن القراءة يلزم بالقيام لأن القيام مقصود أيضا في نفسه، وإن كانت القراءة مقصوده الأعظم، ومن ذلك من عجز عن بعض الفاتحة لزمه الإتيان بباقيها، ومن عجز عن بعض غسل الجنابة وجب عليه ما تيسر له، وقد ذكر المصنف أن من الفروع التي يقع التردد في إلحاقها بهذا القسم من قدر على بعض الوضوء فهل يؤمر به ويصح منه، أو لا، والصحيح وجوبه عليه وصحته منه، ويدل على صحة بعض  الطهارة  الصغرى إن لم يستطع الكل ما ورد في الحديث عنه  ﷺ قال "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: «لا يبقى من درنه شيء». قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» متفق عليه، وقوله  ﷺ "إذَا تَوضَّأَ الْعبْدُ الْمُسْلِم، أَو الْمُؤْمِنُ فغَسلَ وجْههُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خطِيئةٍ نظر إِلَيْهَا بعينهِ مَعَ الْماءِ، أوْ مَعَ آخِر قَطْرِ الْماءِ" فدل على أن جزء الطهارة مقصود له أثر حسي وشرعي، فيقع صحيحا ً، إذن يكون مأمورا به.

عند عدم القدرة على جميع أعضاء الوضوء يجزيء بعضها بخلاف ما ذكر المصنف من الوجه القائل بعدم لزومه .


والخلاصة : أن كل عبادة يعجز المسلم عن فعلها كاملة ، يجب عليه ما يستطع منها، ما لم يكن ما تبقى منها غير مقصود شرعاً، كصيام بعض اليوم لمن عجز عن صيامه كله.

• ‏والله تعالى أعلم.


محمد بن سعد الهليل العصيمي/  كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.


كتبها عنه من شرحه لقواعد ابن رجب ، تلميذه : هنيدي بن يحى الزهراني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت