هل من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كونه مستجاب الدعوة، أم في أمته غيره مستجاب الدعوة .
هل من كان مستجاب الدعوة لا ترد له أي دعوة .
———————
النبي صلى الله عليه وسلم مستجاب الدعوة ، وليس ذلك من خصائصه التي اختص بها صلى الله عليه وسلم عن غيره من أمته، بل هناك من أمته من هو مستجاب الدعوة ، نسأل الله تعالى أن نكون منهم ، ولا يعني من كان مستجاب الدعوة أن لا ترد له دعوة، لأن العبرة بالأعم الأغلب لا بالقليل والنادر - كما تقدم تقريره في القواعد -.وقد استجاب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في وقائع كثير ، ومع ذلك لما دعا على أناس بعد غزوة أحد ، نزل قوله تعالى :( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون).
قال الشيخ السعدي : لما جرى يوم "أحد" ما جرى، وجرى على النبي صلى الله عليه وسلم مصائب، رفع الله بها درجته، فشج رأسه وكسرت رباعيته، قال "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم" وجعل يدعو على رؤساء من المشركين مثل أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، أنزل الله تعالى على رسوله نهيا له عن الدعاء عليهم باللعنة والطرد عن رحمة الله { ليس لك من الأمر شيء } إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، وإنما الأمر لله تعالى هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تدع عليهم بل أمرهم راجع إلى ربهم، إن اقتضت حكمته ورحمته أن يتوب عليهم ويمن عليهم بالإسلام فعل، وإن اقتضت حكمته إبقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم، فإنهم هم الذين ظلموا أنفسهم وضروها وتسببوا بذلك، فعل، وقد تاب الله على هؤلاء المعينين وغيرهم، فهداهم للإسلام رضي الله عنهم، وفي هذه الآية مما يدل على أن اختيار الله غالب على اختيار العباد، وأن العبد وإن ارتفعت درجته وعلا قدره قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الأمر شيء فغيره من باب أولى ففيها أعظم رد على من تعلق بالأنبياء أو غيرهم من الصالحين وغيرهم، وأن هذا شرك في العبادة، نقص في العقل، يتركون من الأمر كله له ويدعون من لا يملك من الأمر مثقال ذرة، إن هذا لهو الضلال البعيد .
* ومما يدل على ما سبق تقريره ، الأدلة التالية :
١ - قـال الله تعالى : ﴿ وَيَـسْتَجِيـبُ الَّـذِيـنَ آمَنُوا وَعَـمِلُـوا الـصَّالِـحَـاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي : يـستجيـب لـهم يقال : استجابه واستجاب له فمن دعاه موقنًا أن يجيب دعـوة الـداعـي إذا دعـاه أجـابـه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -:
" وبهذين السببين تحصل إجـابـة الـدعـوة : بـكـمـال الطاعة لألوهيته ؛ وبـصحة الإيمـان بربوييته فـمن أستجاب لربه بامتثال أمره ونهيه حصل مقصوده مـن الـدعـاء وأجيب دعاؤه كمال قـال الله تعالى : ﴿ وَيَـسْتَجِيـبُ الَّـذِيـنَ آمَنُوا وَعَـمِلُـوا الـصَّالِـحَـاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ .
٢ - قال النبي صلى الله عليه وسلم :( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره).
فإذا كان هذا في حق غيره، ففيه صلى الله عليه وسلم من باب أولى ، فقد قال عن نفسه :( أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي).
٣ - وقال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أكل عنده بشماله، قال :( كل بيمينك)، قال : لا أستطع، فقال:( لا استطعت ما منعه إلا الكبر) فما رفعه إلى فيه.
٤ - وقال تعالى : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم).
والقاعدة : الشيء لا يتم إلا بوجود شروطه ، وانتفاء موانعه.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
( أن كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه: ((ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها))، ولأحمد من حديث أبي هريرة: ((إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له))، وله في حديث أبي سعيد رفعه: ((ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)) وصححه الحاكم وهذا شرط ثان للإجابة، ولها شروط أخرى منها: أن يكون طيب المطعم والملبس لحديث: ((فأنى يستجاب لذلك)) وسيأتي بعد عشرين بابا من حديث أبي هريرة ومنها ألا يكون يستعجل لحديث: ((يستجاب لأحدكم ما لم يقل: دعوت فلم يستجب لي)) أخرجه مالك...
وأما حديث أبي هريرة: ((لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي)) رواه البخاري ومسلم
المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة :
القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة.
وقيل: معنى قوله: ((لكل نبي دعوة)) أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخرى .
وقيل: لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب ).
٥ - روى مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها).
فإن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مستجاب على سبيل العموم والإجمال، وقد لا يستجاب له في مسألة بعينها.
قال الحافظ في الفتح: وأما الدعوات الخاصة ـ يعني بالأنبياء ـ فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب.
وجاء في تفسير السراج المنير للشربيني: وإجابة دعاء الأنبياء غالبة لا لازمة، فقد يتخلف لقضاء اللّه تعالى بخلافه كما في دعاء إبراهيم عليه السلام في حق أبيه، وكما في دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق