صور بيعتين في بيعة :
————————————-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة )، رواه أحمد والنسائي ، وصححه الترمذي وابن حبان، وفيه : محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وفيه كلام يسير في حفظه ، وقد روى له البخاري مقروناً، ومسلم في المتابعات ، وقال الحافظ ابن حجر عنه في التقريب ( صدوق له أوهام ).
* وجاء هذا الحديث في رواية أبي داود من طريق : يحيى بن زكريا ، عن محمد بن عمرو ، بلفظ :( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا).
* ويحيى بن زكريا وإن كان ثقة فقد خالفه الثقات الأثبات كعبده بن سليمان ، ويحيى بن سعيد ، ويزيد بن هارون ، وعبدالوهاب بن عطاء وغيرهم ، كلهم رووا هذا الحديث باللفظ الأول .
فالحديث من رواية محمد بن عمرو بن علقمة ، ومن روى عنه اختلف لفظه ، فالثقات الأثبات رروه باللفظ الأول .
فإن صح الحديث فالصحيح منه اللفظ الأول .
والقاعدة : من كان في مرتبة صدوق إذا تفرد بالحديث ، فحديثه يعتبر شاذاً.
- كما سبق في القواعد -
.. فالذي يبدو لي أن حديث النهي عن بيعتين في بيعة لايصح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإنما هو خطأ من محمد بن عمرو، وليس بالقوي.
ويؤيد ذلك أن أصل الحديث مرويٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما من طرق عن أبي هريرة؛ وفيه:
(النهي عن بيعتين: الملامسة والمنابذة ... ).
وفيه أيضاً: (النهي عن لبستين ... ).
ويوضح ذلك : أن محمد بن عمرو بن علقمة قد روى الحديث وفيه النهي عن لبستين
مما يؤكد أن الحديث واحد.
وجاء النهي عن بيعتين في بيعة عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وعمرو بن شعيب فيه خلاف بين المحدِّثين؛ فقد ضعَّفه يحيى القطان، وابن معين في رواية، وأحمد، وأبو داود، وذكره البخاري في الضعفاء الصغير، وذكر أن مما يُعاب عليه أنه كان لا يسمع بشيء إلَّا حدَّثَ به، وقال عنه ابن معين: "ليس بذاك"، وقال أحمد: "له أشياء مناكير؛ وإنما يكتب حديثه يعتبر به، فأما أن يكون حجة فلا .
ومع ذلك فقد نقل الإجماع في النهي عن بيعتين في بيعة ، ابن هبيرة، ابن رشد، والنووي .
ويشكل على هذا الإجماع اختلاف العلماء في معنى بيعتين في بيعة ، فالإجماع على فرض انعقاده على النهي عن بيعتين في بيعة إلا أنهم لم يتفقوا على صورة بيعتين في بيعة .
وقاعدة الراسخين في العلم أنهم يردون المتشابه إلى المحكم ، فيردون ما يحتمل أكثر من معنى إلى ما لا يحتمل إلا معنى واحداً.
وعلى هذا ينظرون إلى المعنى في الجمع بين عقدين فإن احتوى على محظور شرعاً قالوا بتحريمه، وإلا فلا .
والقاعدة : إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر ، وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى .
لا سيما ، أن النص في النهي عن بيعتين في بيعة في صحته نظر، وفي الإجماع على صورة من صوره نظر ، - كما سبق -.
ومن ذلك الجمع بين عقدين في عقد واحد مما يحتوي على المحذور الشرعي:
١ - بأن يقول البائع : خذ هذه السلعة بثمانين نقداً، وبمائة نسيئة بعد سنة ، فيقول المشتري : قبلت، ولم يحدد نسيئة أو حالاً.
فهذا يحتوي على الغرر، ويحتوي على أن ينوي أخذها حالة فيعجز، فيقال له : زد وتاجل فيقع في الربا.
٢ - أو يقال : بعتك هذه السلعة بمائة بعد سنة على أن تبيعني إياه بثمانين حالة.
وهذا هو بيع العينة المنهي عنه ، ونحو ذلك مما يحتوي على محظور شرعي.
ويؤيده ما جاء في رواية أبي داود السابقة( فله أوكسهما أو الربا) على فرض صحتها.
٣ - أو يقول البائع : أبيعك هذه الدار التي قيمتها مائة بسبعين على أن تقرضين مائة، فيجمع بين السلف والبيع، وفي الحديث( نهى عن سلف وبيع) وذلك لأن يؤدي إلى القرض الذي يجر نفعاً، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا.
فإن باعه بيته الذي يساوي مائة بمائة واشترط عليه أن يقرضه ، لم يجز أيضاً.
لأن القاعدة : العبرة بالجنس لا بالمفرد .
والقاعدة : العبرة بالأعم الأغلب لا بالقليل والنادر.
والأعم الأغلب أن في الجمع بين القرض والبيع ، قرضاً جر نفعاً، فكان حراماً.
ولم نحمل الحديث على ظاهرة في الجمع بين أي عقدين مطلقاً، للأسباب التالية :
١ - أن الحديث لم يصح على الأصح كما سبق.
٢ - أن الإجماع في النهي عن بيعتين في بيعة لم يتفق على صورته التي تم الإجماع عليها.
٣ - أن قاعدة الراسخين في العلم : رد المتشابه إلى المحكم ، فترد الصور المحتملة إلى الصور التي تحتوي على المحظور الشرعي، وذلك لأن الأصل في البيوع الحل.
٤ - القاعدة في ذلك : إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر .
والمعنى الظاهر في التحريم : كل ما احتوى محظوراً شرعياً .
٥ - والقاعدة : الأصل في الأحكام التعليل.
فما كان الجمع بين العقدين فيه معنى منهي عنه شرعاً بدليله نهي عنه، وإلا بقي على أصل الحل.
٦ - ولأن النهي عن شرطين في بيع إنما يكون في ما كان في اجتماعها محظوراً شرعياً، فكذا ههنا في اجتماع العقدين ، لكون القياس يقتضيه .والله أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/جامعة أم القرى/ مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق