الدرس الثالث :
—————
١٨ رمضان ١٤٤٣هـ
————
• القاعدة الخامسة:
• "من عجل عبادة قبل وقت الوجوب ثم جاء وقت الوجوب وقد تغير الحال بحيث لو فعل المعجل في وقت الوجوب لم يجزئه، فهل يجزئه؟
هذه القاعدة يمكن سبكها بعبارة أفضل ، وهي :
العبرة بالمنظور لا المنتظر .
أي أن العبرة بالحال القائمة وقت فعل العبادة الواجبة، ولا أثر لتغير الحال بعد أداء ما عليه على وجه صحيح في تلك الحال، وهذه القاعدة تختص بالواجب الموسع بشكل أولي وإن دخل فيها من الأمثلة غيرها.
• من أمثلة القاعدة:
من كفر بالصوم قبل الحنث، ثم حنث بعد ذلك وقد أيسر، فيجزئه الصوم، لأنه فرضه
في ذلك الوقت وقد أدى ما عليه صحيحا.
والقاعدة : كل من فعل ما أمر به بحسب استطاعته فلا إعادة عليه.
• ومن الفروع إذا صام المتمتع لعدم وجدانه الهدي ثم وجده بعد ذلك ، فإنه لا يجب عليه الهدي، ويجزئه صومه الذي مضى، لأن وقت الوجوب صادف ذمة بريئة.
• ومن المسائل من حنث ولم يقدر على شيء من خصال الكفارة، فهل تسقط؟ الصحيح أنها تثبت في الذمة ولا تسقط مطلقاً لحديث الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضرب صدره، ينتف شعره، يقول : هلكت وأهلكت ، جامعة أهلي في نهار رمضان ، قال : أعتق رقبة، قال : لا أجد، قال : صم شهرين متتابعين، قال : وهل وقعت فيما وقعت فيه إلا من الصيام، قال : أطعم ستين مسكيناً) ، قال : لا أجد ، ثم جيء بعرق فيه تمر ، فقال : خذ هذا فاطعمه...)
ولم يقل له ليس عليك شيء لما لم يجد الإطعام بل ثبت ذلك في ذمته ولهذا لما وجد ما يطعم بعد ذلك أمره بالإطعام .
، ويجب عليه من خصالها ما يقدر عليه منها في حين أول ما يجد من تلك الأنواع ، لأن العبرة بالمنظور لا بالمنتظر، ولأن الأصل أن الأمر يقتضي الفورية فيجب إذن تعجيل ما يقدر عليه منها أولا دون تأخير إلى وجود ما هو أولى منها في الترتيب.
فإن لم يكفر حتى وجد الأعلى من خصال الكفارة تعينت بحسب الترتيب .
• ومن أمثلة القاعدة أن من عجل الزكاة إلى فقير مسلم فحال الحول وقد مات أو ارتد أو استغنى فتجزئه زكاته ولا يجب عليه زكاة أخرى.
—————-
• القاعدة السادسة:
تحريرها : فرق بين الاجتهاد ، وبين الجهل .
ففرق بين الاجتهاد المبني على التحري والظن الغالب ،- فهو نوع من العلم وفعل ما أمر به بحسب استطاعته، ولا ينقض باجتهاد مثله، ويمضي الحكم على ما كان عليه في وقت ذلك الاجتهاد، ولا يعارض قاعدة : لا عبرة بالظن البين خطؤه، فإنها في ما يتعلق بحقوق العباد، فلا تسقط بالجهل ولا الخطأ ولا الجهل ، بخلاف حقوق الله تعالى التي يتعبد لله تعالى فيها بالظن الغااب.
وبين مجرد الجهل، وهو ضد العلم ، وليس فيه اجتهاد ، فالاجتهاد نوع من العلم بخلاف الجهل البسيط والمركب القائم على غير إمارات وعلامات .
والقاعدة : الاستدلال بالعلامة والحكم بما دلت عليه مقرر في الشرع والعقل.
فما قام على علامات أو قرائن أو بينات فهو اجتهاد، وذلك أن البينة : هي كل ما أبان الحق وأوضحه على أي وجه كان .
وما لم يقم على بينات وقرائن وعلامات ولم يصب فيه الإنسان فهو جهل .
ولهذا فرق بين الظن الغير على غير قرائن وهو المذموم المذكور في قوله تعالى : ( إن بعض الظن إثم ) وبين الظن القائم على علامات فليس من ظن الإثم .
وبهذا يتبين الفرق بين الاجتهاد وبين الجهل.
فما كان من خطأ مبني على اجتهاد فلا إعادة فيه ، ومنه صلاة من كان يصلي إلى جهة المقدس ولم يعلم بالناسخ، وهم يصلون لما علموا توجهوا إلى الكعبة بناء على صلاتهم ولم يعيدوها من أولها .
• إذا فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه، ثم تبين بأخرة أن الواجب كان غيرها، فإنه يجزيه.
يمكن العبارة عن هذه القاعدة بعبارة أسهل وهي "كل من فعل ما أمر به بحسب قدرته فلا إعادة عليه".
ففرق بين الاجتهاد والتحري في الوصول إلى المطلوب، وبين الجهل بالشيء، كما سبق .
• فمن فروعها أن العاجز إذا حج عن نفسه ثم برئ فإنه يجزئه ولا تجب عليه الإعادة، لأنه فعل الواجب عليه في حينه على قدر استطاعته فبرئت ذمته، لا سيما إذا قلنا إن الأمر هنا على الفورية.
• ومن ذلك إذا أدى زكاته إلى من يظنه فقيرا ثم بان أنه غني، فلا إعادة على الصحيح، ويدل له حديث أبي هريرة حين أتاه الشيطان ليأكل من الصدقة، فأكل منها، ولم يضمنه النبي صلى الله عليه ما أكل منها. حيث قام ذلك الحكم في كونه فقيراً على القرائن والعلامات من ظاهر حاله.
• ومنها إذا صلى المسافر بالاجتهاد إلى القبلة ثم تبين الخطأ، فلا إعادة على الصحيح إذا كان ذلك ناتج عن قرائن وعلامات بنى عليها معرفة اتجاه القبلة.
أما مجرد الجهل غير القائم على العلامات فأخطأ يعيد إذا علم في الوقت وإن لم يعلم
بأنه أخطأ إلا بعد خروج وقت الصلاة فلا إعادة عليه.
• وتأصيل مسألة الجهل في هاتين المسألتين أن يقال: إن الجهل إما أن يكون ناشئا عن إهمال وتفريط أو قام الداعي للسؤال فلم يسأل ، فهذا لا يعذر بجهله .
وإما أن يكن الجهل ناشئاً عن غير تفريط وإهمال ولم يقم الداعي للسؤال، فهذا على قسمين:
إما أن يكن في المحظورات فيعذر بجهله، لأن الذي لبس الجبة وتمخط بالطيب وهو محرم أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة ذلك ولم يأمره بالفدية .
أو أن يكن ذلك في المأمورات، فلا يخلو من حالين:
أن يعلم في الوقت، فيجب عليه الإعادة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته لما ترك الطمأنينة بالإعادة لكونه علم في الوقت .
وإما أن يعلم بالخلل بعد خروج الوقت فلا يؤمر بالإعادة، ويدل له الحديث السابق أيضا، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلوات التي مضت مع أن الظاهر أن الإساءة ملازمة له، فقد قال "والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني".
• ومما ينبغي الإشارة إليه أن هناك فرق بين النسيان والجهل .
وقاعدة النسيان : "الموجود في النسيان ينزل منزلة المعدوم، والمعدوم لا ينزل منزلة الموجود" .
مثال الأول الآكل في نهار رمضان ناسيا، يصح صومه، ويكون ما وجد من الأكل بمثابة العدم حكما،.
ومثال الثاني الناسي للصلاة تجب عليه متى ذكرها، ويكون ما نسيه من الصلاة عدما لا نلحقه بالموجود حكما.
ومما سبق يتبين
١ - حكم صلاة المسافر إذا أخطأ في القبلة .
٢ - والفرق بين الاجتهاد والجهل .
٣- والفرق بين الظن المعتبر ، وغير المعتبر .
٤ - وقاعدة الجهل.
٥ - وقاعدة النسيان .
٦ - وقاعدة : العبرة بالمنظور لا بالمنتظر .
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
كتبها عنه تلميذه : هنيدي يحى الزهراني في شرح قواعد ابن رجب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق