———————
االعدو من العدواء وهو البعد، ومنه العُدْوَة، والشيء إذا ولى الشيء ودنا منه وقرب إليه اتّصل به، كما أنه إذا عُدّى عنه، ونأى عنه، وبعد منه، كان ماضياً عنه.
و( البغضاء ) : نفرة النفس ، والكراهية .
قال شيخ الإسلام في أصل معنى الولاية والعداوة: "والولاية ضدّ العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد..
———
١ - قال تعالى : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )
حيث دلت الآية على إذلال الكافرين واحتقارهم وعدم إكرامهم ولو كانوا مسالمين ، ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ذليلون حقيرون .
٢ - وقال صلى الله عليه وسلم :( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه)
أي ابقوا صامدين عزيزين في وسط الطريق حتى يلجأوا إلى حافة الطريق ، إعزازاً للمؤمن ، وإذلاً للكافر .
وهذا يدخل فيه أهل الذمة والأمان وغيرهم من الكفار .
٣ - وقال تعالى :( ومن يهن الله فما له من مكرم )
والكافر أهانه الله فلا يكرمه المؤمن .
٤ - ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
وظاهر هذه الآية عدم التفريق بين المسالمين والمحاربين منهم في إظهار العداوة والبغضاء لهم .
ولأن في فهل ذلك حاجز للمسلم من التأثر بالكافر .
@ فإن قيل : كيف يجمع بين هذه النصوص والأدلة السابقة ، مع هذه الأدلة :
١ - قال تعالى : ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) أي أن تحسن لهما ولو كانا على الكفر .
٢ - قال تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ).
حيث جاء التفريق في هذا النص بين المحاربين والمسالمين في البر والإحسان ، والتي قد تستلزم نوعاً من المودة إذا كانت لمنفعة أو قرابة خاصة .
وذلك أن محبة الكافر لكفرة مخرجة من الإسلام، ومحبته للدنيا مطلقاً: معصية ، ومحبته لقرابته أو لنفع خاص به ، محبة مقيدة، له نوع موالاة جائزة بالإحسان والمودة الجزئية وهذا واضح بالمقابلة بين الحربي وغير الحربي من الكفار في الآية .
٣ - عن أسماء - هي بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما - قالت : قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها ؟ قال : " نعم ، صلي أمك ".
٤ - وقال تعالى : (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)،
، فليس من العقل ولا من المشروع أن تقول لصاحب في السفر أو زميل في العمل أو جار أو والد أو قريب كلَّما لقيته: إني أبغضك؛ فإن هذا مما ينفر عن الإسلام، وينافي ما أمر الله به من حسن الصحبة وحسن الجوار وبر بالوالدين وصلة الرحم،
٥ - وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعشيرته حين أنذرهم: (إني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها) متفق عليه.
٦ - وقد ورد : أن النبي صلى الله عليه وسلم زار ابن اليهودي ودعاه للإسلام ، وقال والده اليهودي:( أطع أبا القاسم).
٧ - وكان صلى الله عليه وسلم يرد على اليهود السلام عندما يسلمون عليه، ويقول : ( وعليكم ).
٨ - وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي ذبحتها له اليهودية ، وأجاب دعوتها.
وتوضأ من مزادة امرأة مشركة .
وعامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من الثمر .
حيث دل على مشروعية زيارتهم وعدم إظهار العداوة لهم للمصلحة الراجحة .
والجواب : أنه لا تعارض :
١ - فمن أهل العلم من فرق بين المحارب وغيره ، فأوجب إظهار العداوة والبغضاء لهم ،
بخلاف غير المحارب لا يجب إظهار العداوة والبغضاء لهم ، مع وجود العداوة والبغضاء لهم وجوباً.
جمعاً بين الأدلة .
ويشكل عليه : ماورد في الأدلة السابقة من أخذ الجزية من المسالمين مع إذلالهم حتى يشعروا بالذلة والصغار .
،
ومما يكون من عدم التوسعة لهم في الطريق حتى يضطروا إلى أضيقه إعزازاً للمؤمن وإذلالاً للكافر .
٢ - ومن أهل العلم : من أوجب إظهار العداوة والبغضاء للكافر مسالمهم ومحاربهم إلا ما اقتصت المصلحة الشرعية عدم إظهار ذلك لهم ، سواء كانت المصلحة الراجحة دينية أو دنيوية ، أو شخصية .
فمن ذلك ترك إظهار العداوة لهم : بقصد دعوتهم، أو رد جميلهم والمعروف لهم ( لو كان حياً، وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له) ، أو لقرابتهم وصلتهم ، كالوالدين والرحم، أو لعمله معهم لدرء شرهم .
ولا يتعارض هذا مع البر والقسط وأداء ما لهم من الحقوق مع إظهار العداوة والبغضاء لما هم فيه من الكفر والإلحاد والعناد ، وإخفاء ذلك عند ما تقتضيه المصلحة الراجحة .
فلا تعارض بين إظهار العداوة لهم حربيهم ومسالمهم ، وبين بر المسالم منهم والإحسان إليه، ، ومتى ما اقتضت المصلحة الشرعية أو الدنيوية عدم إظهار ذلك لهم ، فلا بأس ، وهذا الجمع في نطري أقرب، والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق