حكم الحكر :
————————
المساطحة: هي استئجار الأراضي لمدة طويلـة، وقد تحدد مدة الإيجار إلى حد أقصى في بعض المدد (٢٥ سنة/ ٥٠ سنة/ ٩٩ سنة ….)، ويتملك المستأجر بموجب هذا العقد المنفعة استعمالا واستغلالا، ويحصل على حق البناء والتطوير والاستثمار والتأجير للغير، وله بناء بيته أو متجره، ويتحمل صيانته، ثم يؤول البناء بعده لصاحب الأرض، - حسب الاتفاق بين الطرفين - ويمنح المستأجر بدلا نقديا عنه، وفائدته منح الاستقرار للمؤجر والمستأجر، وتشجيع الاستثمار من غير تمليكه الأرض، ويبقى للمالك الأصلي حق التصرف في عين الأرض بما لا يفسخ عقد الإجارة، كبيعها أو هبتها أو رهنها .
ويعرف :بأنه حق عيني يعطي صاحبه الحق في إقامة بناء أو أغراس على أرض الغير وتملك ما أحدثه في الأرض من مبانٍ أو أصول ثابتة والتصرف فيها، وذلك بمقتضى اتفاق طويل الأمد بين المساطح ومالك الأرض يحدد حقوق وواجبات والتزامات الطرفين وعادة ما تجذب عقود المساطحة المستثمرين طويلي الأجل الذين يرغبون في إقامة مشروعات استثمارية طويلة الأمد.
——————
يتردد هذا العقد بين الإجارة: وهي : ملك منافع الأرض في مدة محددة معلومة .
وبين البيع : وهي نقل العين من ذمة إلى ذمة.
وهذا العقد ليس فيه نقل العين، ولكنه أشبه نقلها من حيث المدة الطويلة التي يغلب على الظن عدم كون تلك العين في ذمة المؤجر في آخر المدة، بل في ذمة ورثته أو نحوه ، كالتأجير لمدة مائة سنة أو ألف سنة .
وفرق بين الحِكر، والإجارة : الحِكر يكون على منفعة الأرض ، وما عليها- من بناء أو زرع أو غرس أو نحوها - ليس مقصوداً بالعقد ، فلو هدمه أو غيره أو عدله، جاز،
والإجارة: : ما على الأرض من بناء أو غراس أو زرع أو نحوه مقصود ، فلا يملك هدمه أو تعديله أو تغييره إلا بإذن صاحب الحق ،
بالإضافة إلى أن الحِكر يكون على مدة طويلة في الغالب، بخلاف الإجارة غالباً لا تكون على مدة طويلة عرفاً.
١ - كون سعر العين المؤجرة يرتفع أو ينخفض ، قيمة أجرتها هذا تابع للمنفعة المملوكة ، فالخراج له والضمان عليه، وفرق بين الغرر وبين الربح.
والقاعدة : كل معاملة دائرة بين الغنم والغرم في أصل المال - بين الوجود والعدم - لا في ربحه فهو غرر .
وقد تقدم ذلك في القواعد .
وفي مسألتنا هذه : في الربح لا في أصل المال .
٢ - كون المالك للمنفعة وهو المؤجر أو المأذون له بالتصرف ، قد مات، فمن قال : بفسخ العقد بالموت فلا إشكال، ويكون الحق لمن بعده ، ولا يسقط حق المستأجر في عين المنافع المقامة على ذلك الأصل ، فما يمكن نقله بلا ضرر نقله ، وما يتضرر بنقله أو يتلف عند نقله، فالمؤجر بالخيار : إما أن يبقي العقد على ما كان أو يتحمل قيمة الضرر، والقاعدة : ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون .
ومن لم يقل بفسخ العقد عند موت أحد أطراف العقد : يبقي العقد على ما كان ما لم تكن هناك جائحة : - وهي ما لا يمكن دفعه ولا تضمينه إذا أتلف العوض أو أنقص قبل التمكن من القبض-.
فإذا تمكن من القبض والحالة تلك كما هو الشأن ههنا فيما مضى فلا جائحة، وما كان فيما بقي من المدة مما لا يستطيع الحصول على المنفعة، فسخ المستأجر فيما بقي من المدة على قدر ما فاته من المنفعة .
٤ - إذا تصرف المالك بما يضر بالورثة، أو الناظر بما يضر بأصحاب الحق ، يرفع الضرر ، لحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) وهذا كله - أي اعتبار كونه ضرراً أم لا - في وقت العقد ، لا بعده،
والقاعدة : العبرة بالمنظور لا بالمنتظر .
أما ما ترتب على مقدار ثمن الأجرة من الاختلاف بعد ذلك فليس بضرر معتبر ، لكون الغنم بالغرم ، وهو في ريح الأصل لا في عينه كما تقدم .
٥ - إلحاق الحكر بالإجارة أولى من إلحاقها بالبيع.
لأن كلا الطرفين لم يقصدا البيع ، ولم يريدا معناه، وإنما قصدا الإجارة وأرادا معناها، ولا مانع من اعتبارها إجارة .
والتفريق بين المدة القصيرة والطويلة بحد معين تحكم .
فكما جازت الإجارة بالمدة القصيرة جازت بالمدة الطويلة.
ولأن المصلحة قد تتحقق في الإجارة بالمدة الطويلة كما تتحقق بالمدة القصيرة .
ولأن الأصل في العقود الصحة إلا بذليل.
٦ - عدم تمكن المستأجر من الانتفاع بالأرض المحكرة ، لعذر معتبر شرعاً، جائحة يستحق بها الفسخ إن أراد ذلك .
وقد تقدم ما يتعلق بأحكام الجوائح في كتابنا : الجائحة في الثمار .
٧ - الأرض الموات المنفكة عن ملك معصوم ، وعن الاختصاصات، لا يملك تأجيرها أحد، لكونها غير محياة شرعاً، وتكون ملكاً لمحييها، وما دفعه لغيره دفعاً لشره، كان جائزاً للدافع حراماً على الآخذ .
٨ - إذا كانت مدة الأرض المستحكرة مؤبدة غير محدد بوقت ، فالمستحكر له حكم المالك، كالأرض المفروض عليها الخراج، وفي حال نزعت الأرض منه للمصلحة العامة في مشروع ما ، فالفرق بين كون الأرض وعليها الحكر، والأرض وليس فيها حكر،يعطى هذا الفرق للمحكر، والباقي من قيمة التعويض للمستحكر .
فقيمة الحكر حينئذ هو الفرق بين كون الأرض محكرة ،وغير محكرة، يعطى للمحكر صاحب الأرض ، والباقي للمستحكر، وهو من ينتفع بالأرض الغير مالك لعينها. والله أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق