حكم من ترك ماله من المعاهدين عند المسلم:
——————
فمثلاً : هندوسي علمل عند مسلم لم يسلمه عدداً من رواتبه، ثم خرج إلى بلده ولم يستطع أن يصل إليه ، فماذا يفعل برواتبه :
————
١ - قال الله تعالى : ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) الأحقاف/ 20 .
قد دلت هذه الآية على أن الكافر إن عمل عملاً صالحاً مطابقاً للشرع ، مخلصاً فيه لله ، كالكافر الذي يبر والديه ، ويصل الرحم ، ويقري الضيف ، وينفس عن المكروب ، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله : يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق ، والعافية ، ونحو ذلك ، ولا نصيب له في الآخرة .
٢ - قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) هود/ 15 ، 16 ,
٣ - قال تعالى : ( وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرةِ مِنْ نَصِيبٍ ) الشورى/ 20 .
وقد قيَّد تعالى هذا الثواب الدنيوي المذكور في الآيات بمشيئته وإرادته ، في قوله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ) الإسراء/ 18 .
٤ - في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةً ، يُعطي بها في الدنيا ، ويُجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر : فيُطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزي بها ) هذا لفظ مسلم في صحيحه .
وفي لفظ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا ، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته ) ا.هـ.
فهذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه التصريح بأن الكافر يُجازى بحسناته في الدنيا فقط ، وأن المؤمن يجازى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً ، وبمقتضى ذلك يتعين تعييناً لا محيص عنه أن الذي أذهب طيباته في الدنيا ، واستمتع بها هو الكافر ؛ لأنه لا يجزى بحسناته إلا في الدنيا خاصة .
وأما المؤمن الذي يُجزى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً : فلم يُذهب طيباته في الدنيا ؛ لأن حسناته مدخرة له في الآخرة ، مع أن الله تعالى يثيبه بها في الدنيا ، كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/ 2،3 , فجعل المخرج من الضيق له ، ورزقه من حيث لا يحتسب ثواباً في الدنيا ، وليس ينقص أجر تقواه في الآخرة .
٥ - وقال تعالى : ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَٰتُهُمْ إِلَّآ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُونَ)
فقي هذه الآية نص على أن الكافر لا تقبل منه نفقاته وصدقاته في الآخر ( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا )
وأما في الدنيا فيمكن أن يثاب عليها جمعاً بين هذه الآية والأدلة السابقة).
وبناء على هذه الأدلة يتضح ما يلي :
١ - من أخر على ذلك المعاهد رواتبه لعذر ، لكونه فقيراً( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) فقد أخرها عنه لعذر ، فإن لم يستطع إيصالها له لعدم تمكنه من معرفة مكانه ، فإنها تكون له حتى إذا أمكن إيصالها له أعطاه ما له من الحقوق قياساً على اللفطه التي أخذها لكون أخذها له مباحاً ، وسقط عنه التعريف ، لأن المقصود من التعريف إمكان وصول الحق إلى مستحقه ، وهو متعذر عليه في مسألتنا .
٢ - من عرف بالقرائن أنه ترك تلك الرواتب والمستحقات رغبة عنها ، فهي لمن هي في يده عند وجودها .
٣ - من أخر عنه رواتبه من غير عذر حتى سافر وتعذر الوصول إليه ، فقد نص المالكية على أنه يدع تلك المستحقات في بيت المال، كالذمي الذي يموت ولا وارث له ، يؤخذ ماله ويوضع في بيت مال المسلمين ليصرف في مصالح المسلمين العامة .
وفيه نظر : لأن الذمي إذا مات وليس له وارث ، وضع ماله في بيت مال المسلمين، لكون الإمام هو الذي له الولاية العامة ، وليس هنالك ولاية خاصة كما هو الشأن ههنا .
والولاية الخاصة مقدمة على الولاية العامة .
كما في الولاية في النكاح .
فكون من عنده مستحقات المعاهد الذي تعذر الوصول إليه له ولاية خاصة على ذلك المال : يخرجها بنية التصدق عن المعاهد إذا كان حياً لينتفع بها في حياته إذا أراد الله تعالى ذلك ، وبنية التخلص من مستحقات الغير الذي لهم عهد وميثاق إذا كان ميتاً، كما سبق أن المعاهد ينتفع بالصدقة في الدنيا لا في الآخرة إذا أراد الله تعالى .
والله أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق