إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

السبت، 29 أبريل 2023

(فقه آيات الأحكام 3) آيات القتل الخطأ // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.

 



بسم الله الرحمن الرحيم

(فقه آيات الأحكام 3) 

 

في يوم الإثنين، الموافق ١٤٤٤/٦/٢ من الهجرة. 

——————————————————

قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ۝﴾. [النساء:٩٢]. 


——————————————————

سبب نزول هذه الآية: أنه كان من قبائل العرب من لا يقتلون الذكر بالأنثى، ولا الحر بالعبد، فنزلت هذه الآية.


- قوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ..۝ ﴾: في هذه الآية قواعد، وهي:


١/ قاعدة: النفي أشد من النهي المجرد. 

٢/ قاعدة: النفي يكون أحياناً بمعنى النهي. 

- موضعها من الآية. :(سبق).

- العلاقة بينهما: فالآية هنا أتت في سياق نفي، وهذا النفي يكون بمعنى النهي، والنفي يكون أشد من النهي؛ لأن الأمر عظيم فلا يحتاج إلا نهي أصلاً، فيكون معنى الآية الكريمة أنه لا يتصور من مؤمن أن يقتل أخاه المؤمن! 

فلماً وجد هذا الأمر صار النفي في الآية بمعنى النهي، ومن ذلك قوله تعالى:﴿ …وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا…۝﴾: أي أنه من دخل مسجد الكعبة صار آمناً، فيكون معنى الآية: اجعلوا من دخله يكون آمنًا، فهو خبر بمعنى النهي،

و عنه ﷺ أنه قال:« يا بني عبدِ منافٍ لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيتِ أو صلَّى أيةَ ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ»، وقال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ۝﴾، وقال تعالى:﴿ ۞ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ۝﴾: أيه أنه داخل حدود أميال الحرم يسمى كعبة، وقوله ﴿ قِيَامًا لِّلنَّاسِ﴾ : أي تقوم به مصالح دينهم ودنياهم. 


- قوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا..۝ ﴾: أي لا يجوز لؤمن أن يقتل مؤمناً، قال تعالى:﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا۝﴾، والوسائل لها أحكام المقاصد، فإذا تسببت في قتل إنسان معصوم فأنت والقاتل في الإثم سواء، والقاعدة في ذلك:



٣/ قاعدة: المعين كالفاعل. 

٤/ قاعدة: الراضي كالفاعل. 

- موضعها من الآية. :(سبق).

- العلاقة بينهما: قال الله تعالى:﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا۝﴾. 

والراضي بالمنكر ينزل منزلة الفاعل، ولهذا قال ابراهيم عليه السلام، كما في قوله تعالى:﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا۝﴾، 

روى أحمد وغيره أن رسول الله ﷺ قال:«لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهمْ، وَوَاكَلُوهُمْ، وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعضِهِمْ بِبَعْضٍ, وَنَزلَ قَولُه تَعَالى:﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ۝﴾. 


- قوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ۝﴾ 


* (كان): لها عدة معانٍ:

أ. -فتارة تأتي بمعنى :الدوام دائمًا، كقوله تعالى:﴿ …وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا۝﴾. 

ب. - وتارة تأتي بمعنى :الدوام غالباً، كما روي عنه ﷺ « أنه كان يخطب الجمعة بسورة (ق)». 


وكان يقرأ في الجمعة بسبح والغاشية.


ج. - وتارة تدل على حصول الفعل ولو مرة واحدة. 

كان الأسد يفترس هذه الدابة.


- قوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ۝﴾، قلنا أن الإيمان والاسلام إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، ولا عبرة بقوة الإيمان أو ضعفه بين القاتل و المقتول، فمادام أنه في دائرة الإيمان فإنه نقتل الجاني به ولو كان المقتول ضعيف إيمانه؛ لقوله ﷺ:«المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم». أما لو كان المقتول مرتدا أو ارتكب ذنباً يخرجه من دائرة الإسلام فلا نقتل الجاني به؛ لقوله ﷺ:« لا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بكافِرٍ»، فلا يتكافأ دم المسلم والكافر، ولا عبرة في كونه يهودي أو مجوسي، وإنما المعتبر أنهم في دائرة الكفر، وكذا في الميراث، فلا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم، ولكنه لو كان يهودي مع وثني فهل يرثه أم لا؟

الجواب: في ذلك خلاف، فمنهم من يمنع ذلك؛ لحديث: «لا يتوارثُ أهلُ مِلَّتَيْن شتّى»، والصحيح أنهم يرثون من بعضهم، لأن المراد من الملتين: أي ملة الاسلام والإيمان، ولحديث« لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلَا الكَافِرُ المُسْلِمَ».  


- قوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا..۝ ﴾: القتل: هو إزهاق الروح، فلا يحل لمسلم أن يتسبب في إزهاق روح مسلم معصوم الدم، أما لو لم يكن معصوم الدم فإننا نزهق روحه تقرباً إلى الله سبحانه، كالزاني المسلم المحصن فإنه يرمى بالحجارة حتى الموت، لقوله تعالى:﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝﴾ وقال ﷺ:« خُذُوا عنِّي خُذُوا عنِّي ، قدْ جعل اللهُ لهنَّ سَبِيلًا ، البِكرُ بالبِكرِ ؛ جَلدُ مِائةٍ ، و نَفْيُ سَنةٍ ، و الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ ، جَلدُ مائةٍ و الرَّجْمُ»، وقد أمر ﷺ برجم ماعز و الغامدية. 


- قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأًۚ…۝﴾: (إلا) هنا بمعنى لكن، وقد سبق أن بينا أن الاستثناء منه ما هو منقطع ومنه ما هو متصل، وقوله ﴿مؤمناً﴾: هذه قد تكون مفعولاً به أو حال أو صفه كله صحيحة، وفيها قاعدة أصولية، وهي:


٥/ قاعدة: النكرة في سياق الشرط تفيد العموم. 

٦/ قاعدة: المفهوم لا عبرة به إذا خالف المنطوق .

 

- موضعها من الآية. :(سبق).

- العلاقة بينهما: فالمؤمن هنا قد يكون صغيرًا أو كبيراً وقد يكون ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً، فالآية تفيد العموم، فالمنطوق من الآية هو وصف الإيمان والمنطوق هو قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ۝﴾. 


وقتل الخطأ: أن يفعل ماله فعله، ويتسبب فعله الذي أخطأ فيه في قتل معصوم، أو أن يقصد رمي صيد فيصيب آدميا معصومًا، وهذا فيه الكفارة والدية وسيأتي. 


والقتل أنواعه ثلاثة: 

1. العمد: وهو أن يقصد الجاني ضرب المجني عليه بما يقتل غالباً، وقد يكون ذلك بالتسميم أو بغيره. وفيه قاعدة وهي: 


٧/ قاعدة: الحكم معلق على الظاهر لا على الباطن. 

- موضعها من الآية. :(أن يقتل).

- العلاقة بينهما: فالعمد في القتل يحكم فيه على ظاهر ما قتل به، فلو مات بسبب ضرب الجاني له بعصا غليظة تقتل غالباً حكم عليه بالقتل العمد، وإن كان الضرب بخيزران وهي العصا النحيفة التي لا تقتل غالباً فلا يحكم عليه بالعمد وإنما بشبه العمد. 

2. شبه العمد: أن يقصد الجاني الجناية بما لا يقتل غالباً.  

3. الخطأ: أن يفعل ما له فعله فيتسبب فعله هذا في قتل معصوم بالخطأ . 

فعقوبة العمد: إما القود وهو القصاص، وإما الدية، وإما الصلح، قال ﷺ«وما صُولِحُوا عليه فهوَ لهمْ». 


ويبقى هنا مسألة: وهي ما إذا كان أحد الورثة انفرد بمبلغ مالي، وتنازل عن القصاص، فهل يكون الورثة معه شركاء أو لا؟

وصورة ذلك أنه لو أن زيداً من الناس ذهب لسعد وهو أحد ورثة عمرو، وقال له خذ هذه العشر ملايين وتنازل عن دم أبيك فوافق سعد على ذلك فهل يشترك أولياء الدم وهم الورثة مع أخيهم سعد في هذا العوض؟

فمن المعلوم أن دم الميت لا يتبعض، فإذا تنازل أحد الورثه سقط القصاص بذلك، ولكن هل يشتركون بقية الورثة معه في العوض أم لا؟ 


والجواب: أن من أهل العلم من قال أنه يشتركون معه في هذه العشرة؛ لأن هذا حق لمورثهم، فلما تنازل عنه بسبب هذا المال فإنهم يكونون به شركاء، فهم مشتركون في دم واحد، فالحق ليس لوحده، ولكن العوض عن شيء واحد لا يتجزأ، فلما أخذه كان الشركاء معه فيه سواء.  

ومن أهل العلم من قال إن هذا حق له خاص؛ لأن حق للوارث، فيأخذ عوضاً اً عن حقه. 


والذي يظهر: أن البقية من الورثة يتشاركون معه؛ لأنه عوض عن مورثه، فيشتركون معه على حد سواء، حتى ولو لم يعلمو به فإنه يجب عليه أن يشاركهم فيه. 

وقد سبق تناول هذه المسألة على انفراد في مسألة مستقلة.


والقاتل عمدا: مستحق لأمور عدة، وهي:-

- الإثم؛ لقوله ﷺ«أتينا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ في صاحبٍ لنا أوجبَ يعني النَّارَ بالقتلِ فقالَ أعتِقوا عنْهُ يعتقِ اللَّهُ بِكلِّ عضوٍ منْهُ عضوًا منْهُ منَ النَّارِ»، 

- وعليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. 

- وتكون الدية مغلظة عليه، وتكون من ماله هو، فإن عفو إلى الصلح فإنه يكون من ماله الخاص، فإن لم يكن فإنه يكون غارمًا لنفسه يستحق أن يعطى من الزكاة ومن الاحسان ما يدفع عنه، فإن لم يتوفر ذلك فإنه يقتل؛ لأن الصلح كان على شرط متفق عليه وإلا القصاص. 

أما قتل شبه العمد: وهو أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالباً فإنه لا إثم عليه إن لم يقصد قتله، ولكن يجب عليه:

- الكفارة: وهي عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. 

- وتكون الدية على عاقلته: وهم الرجال: خرج النساء، البالغين: خرج الصغار، أولي اليسار: خرج الفقراء، ،

الأدنى فالأدنى من عصبته، ونبدأ من الجد الثاني للجاني ، فننظر في ذرية هذا الجد ونخرج الصغار والنساء والفقراء لأنهم ليسو من العاقلة، وندخل الرجال البالغين أولي اليسار منهم ونقسم الدية بينهم، فإن كان المبلغ فاحشاً عرفاً وهو أكبر من استطاعتهم ، أو فيه مشقة فادحة على أغلبهم ننظر في ذرية الجد الثالث ثم في الرابع وهكذا. وسبب البدء من الجد الثاني؛ لقوله ﷺ « إنَّ هذِه الصَّدَقاتِ إنَّما هي أوْساخُ النَّاسِ، وإنَّها لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، ولا لِآلِ مُحَمَّدٍ»، وآل محمد: هم من يجتمعون مع النبي ﷺ في هاشم، وهاشم هو جده ﷺ الثاني، 


- قوله تعالى:﴿ …فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ …۝﴾ : تحرير: أي إزالة، يقال حرره أي أزال ما عليه من قيود، وتحريره بإزالة الرق عنه، وقوله (رقبة) هي جزء من العبد، وفي ذلك قاعدة:


٨/ قاعدة: يطلق الجزء ويراد به الكل.

٩/ قاعدة: الجزء لا يأخذ حكم الكل إلا إذا كان ذلك الجزء ركناً فيه غالباً. 

١٠/ قاعدة: الجزء لا يأخذ حكم الكل. 

- موضعها من الآية. :(رقبة).

- العلاقة بينهما: فتقول العرب: نطلب حسباً ونسباً يد ابنتكم فلانه لابننا فلان، فلا يراد يدها وإنما يراد أن يتزوجها، وقد سبق بيان هذه القواعد والتفصيل فيها. 


- قوله تعالى:﴿ …فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ …۝﴾: لابد من كون هذه الرقبة مؤمنة، فلا تجزء رقبة عبد كافر؛ ودليل ذلك أنه كان لمعاوية رضي الله عنه جارية، وعليه كفارة، وقال:« فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ فَعَظَّمَ ذلكَ عَلَيَّ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أفلا أُعْتِقُهَا؟ قالَ: ائْتِنِي بهَا فأتَيْتُهُ بهَا، فَقالَ لَهَا: أيْنَ اللَّهُ؟ قالَتْ: في السَّمَاءِ، قالَ: مَن أنَا؟ قالَتْ: أنْتَ رَسولُ اللهِ، قالَ: أعْتِقْهَا، فإنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». فالإيمان هو العلة، ولو بقي للجاني من ديته مبلغ يسير وأراد عتق رقبة كافرة ليجبر بها النقص، نقول لا تجزئه.                                


ويشترط فيها أن يكون في عتق هذه الرقبة حصول انتفاع فتكون صالحة للعتق، أما لو كان العتق لهذه الرقبة يسبب إضاعة لها وعدم انتفاع فلا تجزئ؛ لقوله تعالى:﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ۝﴾، فقوله سبحانه (الصالحين من عبادكم) أي الصالح على أن يقوم على نفسه، أما العاجز أو المشلول الذي لا ينتفع من العتق فلا يجزءه. 


- قوله تعالى:﴿ …وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ …۝﴾: الدية: كما قال ﷺ «وإن في النفس مائة من الإبل»، وتكون مخففة ومقسمة على ثلاث سنوات بالإجماع، من باب التخفيف عليهم، وقوله سبحانه (أهله): هم العاقلة، 

والأهل قيل : الأزواج 

وقيل القرابة .

وقيل : أتباعه، 

ويحدد ذلك الدليل أو القرينة ، لأن القاعدة : اللفظ إذا كان يحتمل أكثر من معنى بحسب أوضاع متعددة لم يحمل على أحد تلك المعاني إلا بدليل أو قرينة .

وهي قاعدة : الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم .


فالأهل يراد بهم ههنا ورثته ، ومنهم الزوج أو الزوجة .

فهو : يأهلهم ويعود ويرجع إليهم، قال ﷺ « مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ بَلَغَنِي أذَاهُ في أهْلِي»،. يقصد زوجته عائشة رضي الله عنها.

وزعيم المنافقين عبد الله ابن أبي بن سلول، وقد قال الله تعالى:﴿ ۞ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ۝﴾. 


- قوله تعالى:﴿ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ ۝ ﴾: الصدقة نواعان:-

1. صدقة إعطاء. 

2. وصدقة إسقاط، 

وكذلك الزكاة إذا كنت تطلب إنساناً فقيراً فلا يجوز أن تسقط عنه الزكاة التي في ذمته على انها من الزكاة، لكن لو أخذتها منه وأعطيتها إياه جائز. 


وصدقة الإعطاء أعظم من صدقة الإسقاط، ومنها حديث يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ، قالَ: قُلتُ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا…۝﴾، فقَدْ أَمِنَ النَّاسُ! فَقالَ: عَجِبْتُ ممَّا عَجِبْتَ منه، فَسَأَلْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ عن ذلكَ، فَقالَ ﷺ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بهَا علَيْكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ». يعني أنه تسقط عنه حتى ولو لم نخف، فتبقى ركعتين في حالة الخوف وعدم الخوف في السفر. 


قوله تعالى:﴿ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ …۝﴾، عدو لكم: أي محاربين لكم، لأن الكفار ثلاثة أقسام:


1 - المعاهد: وهو الكافر الذي بيننا وبينه عهد ميثاق، على ألا نحاربه مدة معلومة أو مطلقة، فإذا قويت شوكة المسلمين نبذ إليهم العهد حتى يكونوا هم وإياهم على حد سواء؛ قال تعالى:﴿ بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ۝ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ۝ ﴾، 


2 - الذمي: هو الكافر الذي يبقى على أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر، فلا تقبل منه وكالة وإنما يأتي بها بيده هو، فيدفعها وهو حقير ذليل، فينتظر عن الباب حتى يشعر بالذل والصغار ثم تؤخذ منه، فهذا يبقى في ديار المسلمين ويحميه المسلمون ويدفع الجزية عن يد وهو صاغر، ولا يظهر شيئا من شعائر دينه. 


3 - المستأمن: وهو الكافر الذي يدخل ديار المسلمين لحاجة دينية أو دنيوية، حتى يرجع إلى بلده، 



قوله تعالى:﴿ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ …۝ ﴾؛ فإذا قتل مسلم كافرا خطأً في بلاد المسلمين، وكل ورثة هذا الكافر حربيين، أو كان القتل أيضا في بلادهم فإنه في هذا الحال لا تجب إلا الكفارة فقط، فإن لم يستطع فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإنه يطعم ستين مسكيناً قياساً على كفارة الظهار، وهذا هو الأقرب؛ ولأن عندنا قاعدة أصولية، وهي:


١١/ قاعدة: إذا اتحد الحكم حُمل المطلق على المقيد، ولو اختلف السبب.


وإذا اختلف الحكم لم يحمل المطلق على المقيد. 

- موضعها من الآية. :(فتحرير رقبة).

- العلاقة بينهما: أنه لو قتل معاهد أو ذمي خطأً في بلاد المسلمين فليس لهم دية، وهذا في حال كون المقتول مسلم وقرابته حربيين فليس لهم دية، أما في حال كون المقتول كافر وقرابته حربيين فقد اختلف العلماء في ذلك والذي يظهر أنه لا يرث، والعلة هي: عدم إرث الكافر المسلم، فإن كان كافراً فإنهم يرثونه إن كانوا كفار غير حربيين، وإن كان مسلماً فلا يرثونه؛ لأن الكافر يرث الكافر.


- قوله تعالى:﴿ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۝ ﴾: فإن كان بيننا وبينهم ميثاق وهو كافر وقد وقع عليه القتل خطأ فإننا في هذه الحال نعطيهم الدية. 



- قوله تعالى:﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن ۝﴾ : هل الشهرين هنا تحسب بالتاريخ الهجري أم الميلادي؟. والجواب: إنما يكون بالهجري؛ لقوله ﷺ:«إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وهَكَذَا. يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وعِشْرِينَ، ومَرَّةً ثَلَاثِينَ».                          


وجاء عنه ﷺ أنه قال:« صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ». فالعبرة عندنا بالشهور، فإذا علم الإنسان أن الشهرين الميلاديين ناقصين و صامها قبل منه ولو صام تسعة وعشرين بالميلادي وتسعة وعشرين بالميلادي، لأن الشهر الهجري إما أن يكون تسعة وعشرين وإما أن يكون ثلاثين، للحديث السابق. وإن أفطر في أحد أيام الشهر فعليه أن يعيد حسابه من جديد، ولا عبرة في فطرة بعذر التعب لأنه باستطاعته صوم رمضان كاملاً والمشقة هنا معتادة فلا عبرة بها، 


أما إن أجبر شرعاً على الفطر كما لو كان بين أيام الشهرين يوم عيد للفطر أو الأضحى فيجب عليه الفطر فيه ثم يكمل بعد ذلك ما تبقى له من الشهرين؛ لأن عندنا قاعدة، وهي:


١٢/ قاعدة: المعدوم الشرعي كالمعدوم الحسي، والمعدوم حساً كالمعدوم شرعاً. 

- موضعها من الآية. :(شهرين).

- العلاقة بينهما: سبق.

والله أعلم .


محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .


كتبها عنه تلميذه / سعود بن صالح الزهراني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت