بسم الله الرحمن الرحيم
(فقه آيات الأحكام 3)
في يوم الأربعاء، الموافق ١٤٤٤/٦/١٨ من الهجرة.
——————————————————
قال تعالى: ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾. [النور:1-3].
——————————————————
سبب نزول هذه الآية:
هذه الآيات وردت في سورة النور.
وسميت السورة بذلك؛ لأنها نور يستضاء بها في الأحكام الشرعية وما جاءت به من الحكم والأحكام والشرائع.
وهي من نور الله تبارك وتعالى، قال تعالى فيها:﴿ ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
وهذه السورة جاءت في بناء الأسرة التي هي أساس المجتمع، فمتى ما تفرقت الأسر تفككت المجتمعات، كما هو الحال عند الغربيين تفرق مجتمعهم فأصبح الانسان يعيش بمفرده لاعلاقة له بالآخرين، فتسبب ذلك بإنهيار حقيقي لمجتمعاتهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولهذا انتشر التجنيس عندهم رجاء أن يجبر هذا الخلل.
ومع ذلك فهم يسعون لتفريق مجتمعات المسلمين؛ لأن الأسر إن تفككت تسبب في انحلالها الخلقي ودمار حسي ومعنوي، كما أن الشيطان يقول لمن سعى حتى فرق بين الزوج و زوجه: أنت أنت، ويدنيه من مجلسه.
وقد جعل الله القوامة للرجل، قال تعالى:﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ …﴾.
ولو ولى الزوج الأمر لزوجته، فإنهم لن يفلحوا بذلك، قال ﷺ« لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ ولَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأَةً».
القوم: يكونوا رجال ونساء، أو رجال فقط، لأن الله تعالى قال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ …﴾.
وقد أخبر النبي ﷺ عن نقص عقولهن و دينهن، قال ﷺ « ما رَأَيْتُ مِن نَاقِصَاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِن إحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وما نُقْصَانُ دِينِنَا وعَقْلِنَا يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: أليسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ: بَلَى، قالَ: فَذَلِكِ مِن نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أليسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ قُلْنَ: بَلَى، قالَ: فَذَلِكِ مِن نُقْصَانِ دِينِهَا». كما قال تعالى: ﴿ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ …﴾.
وقد شرع الله ضرب المرأة والصبي من أجل تهذيب السلوك، قال تعالى:﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾.
نشوزهن: أي ارتفاعهن وعلوهن وعدم طاعتهن لأزواجهن، وعدم القيام بحقوقهن، فعلى الزوج أن يعظها أولاً مبيناً ما حقه عليها وما حقها عليه، لأن حق الزوج على الزوجة أعظم من حقها عليه؛ لقوله ﷺ « لو كنْتُ آمِرًا أحدًا أنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ ، لَأَمَرْتُ المرأةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها»، فإن لم يستطع أن يعظها بنفسه وعظها بطريقة أخرى كأن يرسل لها مقطعا لأحد العلماء المعتبرين الذين بينوا ما حق الزوج على زوجته، فإن لم ينفع معها ذلك يقينًا أو غلبة للظن هجرها في بيتها ،كأن يعطها ظهره إذا نام، أو ينام لوحده على سرير آخر، حتى يظن أو يغلب على ظنه أن هذه الطريقة لا تنفع معها فيضربها بعد ذلك، ولا يكون الضرب بالمسواك! لأنه لا يؤثر وقد يكون الضرب به للهزل، وإنما عليه أن يضربها ضربا شديدا بشرط ألا يكسر عظماً أو يخرج دماً، فإن لم ينفع معها ما حصل من خطوات لردعها فأمر الله تعالى بعد ذلك أن يبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، وهذا فيما بعد إذا وصل الأمر لمنتهاه.
فالمحافظة على الأسرة جاءت في هذه السورة، وذلك في ذكر آداب الدخول، وأوقات الاستئذان من الرجال أو الأطفال، وذكر الله تعالى فيها الحجاب أيضاً، قال تعالى:﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾.
أيضاً في النظر ، قال تعالى:﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ … ﴾.
إلى غير ذلك من الأحكام التي ذكرت فيها، للحفاظ على كيان الأسرة.
ولذلك أعداء الاسلام -الذين قال الله تعالى فيهم:﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ ﴾، -يسعون في هدم الاسر المسلمة، ليحصل للمسلمين التفكك والتفرق بينهم.
وهذه السورة جاء فيها أيضاً ما يتعلق بالحدود كحد الزنا، ورمي الزوج زوجته بالزنا، قال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾.
وجاء في هذه السورة أيضاً ما يتعلق بالقذف، قال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾. والتعريض في القذف قد يكون أقوى من التصريح، كمن يسأل عن امرأة فيقول عنه أنا أبرئ ذمتي منها ولكن ليست بنظيفه، كناية على أنه زاني، فعرّض به على سبيل التقوى والورع.
وقد ورد أنَّ رَجُليْنِ اسْتَبَّا -:معنى أنَّهما تَبادلا السِّبابَ والشتائِمَ فيما بينَهما- فى زمانِ عُمَرَ بنِ الخطابِ، فقال أحدُهُما للآخَرِ: واللهِ ما أبي بزانٍ، ولا أمي بزانيةٍ" وهذا إثباتٌ لبراءَةِ والدَيْهِ مِن الوُقوعِ في فاحشةِ الزِّنا، ولكن فيه تعريضٌ بوالديِّ الطَّرَفِ الآخَرِ، وقذفٌ مُبطَّنٌ بأنَّهما وَقَعا في الزِّنا، فجَلَدَه عُمَرُ الحدَّ ثمانينَ.
ولذلك القول الصواب: أنه يوجب الحد أو التعزير - على خلاف بين العلماء في كون عقوبة القذف ، حدية أو تعزيرية - إذا كان صريحًا.
- قوله تعالى:﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ﴾ (السورة) في لغة العرب: هي المنزلة السامية، والمكانة الرفيعة، قال الشاعر:
ألم تر أن الله أعطاك سورةً… ترى كل ملك دونها يتذبذبُ.
- قوله تعالى:﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ﴾: (أنزلناها): أي أوحينا بها عليك يا محمد.
والنبي ﷺ نزل عليه الوحي في غار حراء، « فَجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقْرَأْ، قالَ: ما أنا بقارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ:﴿ اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ ﴾. [العلق: 1- 3] فَرَجَعَ بها رَسولُ اللَّهِ ﷺ يَرْجُفُ فُؤادُهُ، فَدَخَلَ علَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فقالَ لِخَدِيجَةَ وأَخْبَرَها الخَبَرَ: لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي.
فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ، فانْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، فقالَتْ له خَدِيجَةُ: يا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فقالَ له ورَقَةُ: يا ابْنَ أخِي ماذا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَبَرَ ما رَأَى، فقالَ له ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي نَزَّلَ اللَّهُ علَى مُوسَى».
والناموس: هو الذي يأتي بالخير، بخلاف الجاسوس الذي يأتي بالشر.
- قوله تعالى:﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾ (فرضناها): أي فرضها الله عز وجل وكتبها، وأوحينا فيها من الأحكام لهذه الأمة إيجاباً قطعياً.
- قوله تعالى:﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾: الآية في لغة العرب: العلامة، والشاهد، وهي هنا بمعنى العلامة والشاهد على قدرة الله عز وجل، ومنها قوله تعالى: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴾ : أي علامة لهم على قدرة الله عز وجل. وقال تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴾.
ومعنى (بينات): أي واضحات.
- قوله تعالى:﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾: (تذكرون): أي لعلكم تعتبرون وتتعظون، و(تذكرون) مضارع حذف منه تاء من التاءين؛ لأن أصلها: تتذكرون، ومعنى التذكر: أن يعاد للذاكرة الشيء الذي غاب عنه. ومنه قوله تعالى:﴿ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ …﴾.
- قوله تعالى:﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ … ﴾: الزنا في اللغة: هو الوطء المحرم.
وفي الشرع: هو وطء الرجل المرأة في فرجها سواء في القبل أو الدبر، من غير نكاح، ولا شبهة نكاح.
وشبهة النكاح: كأن يتزوج الرجل اخته من الرضاعه (وهو لا يدري أن بينهما رضاع)، وبعد مدة أتت أمرأة وقالت: أنا أرضعتكما، فيفرق بينهما، وإن كان بينهما ولد فينسب الولد إليهما ، لكونهما يعتقدان صحته ، ولا يقام عليهما الحد.
والزنا موجب للحد: فإن كان بالغاً عاقلاً حرًا لم يتزوج قبل ذلك، فإنه يجلد مائة ويغرّب عام.
وإن كان بالغاً عاقلاً حراً وقد تزوج قبل ذلك ووطيء امرأته بعقد صحيح فإنه يرجم.
وحد الرجم: أن يرمى بالحجارة حتى الموت.
قال ﷺ « خُذُوا عنِّي خُذُوا عنِّي ، قدْ جعل اللهُ لهنَّ سَبِيلًا ، البِكرُ بالبِكرِ ؛ جَلدُ مِائةٍ ، و نَفْيُ سَنةٍ ، و الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ ، جَلدُ مائةٍ و الرَّجْمُ».
- قوله تعالى:﴿ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ … ﴾: الجَلد: هو ضربه بالجِلد، والمراد هو: ضربه بالسوط، لأن الجلد نوع من أنواع السياط، فإن كان من جلد أو من غيره من السياط التي يجلد بها فحكمها واحد؛ لأن القاعدة في ذلك:-
١/ قاعدة: المنصوص عليه وما في معناه حكمهما واحد
- موضعها من الآية. :(فاجلدوا).
- العلاقة بينهما: سبق.
- قوله تعالى:﴿ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ …﴾ : (رأفة): أي شفقة وعطف؛ (في دين الله): أي في شرع الله وحكمه وطاعته وإقامة حدوده؛ لأن هذا الشيء لله عز وجل، فيقدم على حظوظ النفس، فليس من الشفقة والعطف إسقاط الحد على من وجب عليه.
- قوله تعالى:﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ … ﴾: هذا من بتب الحض والحث على الفعل، وأنه لا يترك ذلك من كان عنده إيمان ينفذ به أحكام الله عز وجل.
- قوله تعالى:﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ … ﴾: (يشهد): أي يحضر، (طائفة): أي جماعة، وعلى هذا فإنه لابد من التشهير والزجر به.
٢/ قاعدة: المطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ.
- موضعها من الآية. :(طائفة).
- العلاقة بينهما: فكل من يسمى طائفة أو جماعة صغيرة أو كبيرة حضرت المشهد فإنه يكفي لتنفيذ هذا الواجب وهو الحضور.
- قوله تعالى:﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ : اختلف العلماء في ذلك على قولين:-
1. القول الأول: (وهم الحنابلة): قالوا إن المراد به أنه لا يجوز للإنسان أن يعقد على الزانية إلا إذا تابت وظهرت توبتها، وانتفى عنها وصف الزنا.
فإن فعل -بأن تزوجها وهي زانية ولم تتب- فنكاحه باطل. للآية.
2. القول الثاني: (وهم الجمهور): أن معنى الآية: الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، والزانية لا يطأها إلا زان أو مشرك، وهذا محرم على المؤمنين.
والقول الثاني هو الأقرب، - وقد قررته سابقاً في مسألة مستقلة في النت- ومع هذا لو علم الزوج من أن زوجته تزني فهل يجوز أن تبقى في ذمته؟
الجواب: أنه إن استطاع أن يحافظ عليها ويعتني بها ويهذب أخلاقها، فلا بأس.
وإن لم يستطع ذلك فيجب عليه أن يفارقها، حتى لا يكون ديوثاً؛ لأن النبي ﷺ قال« لا يدخل الجنة ديوث».
والله أعلم .
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى - مكة المكرمة .
كتبها عنه تلميذه : سعود بن صالح الزهراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق