إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

السبت، 29 أبريل 2023

( فقه آيات أحكام ٢ ) آيات الطلاق // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.

 



بسم الله الرحمن الرحيم

 

( فقه آيات أحكام ٢ )

 

﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُم أَن تَأخُذوا مِمّا آتَيتُموهُنَّ شَيئًا إِلّا أَن يَخافا أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَإِن خِفتُم أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيمَا افتَدَت بِهِ تِلكَ حُدودُ اللَّهِ فَلا تَعتَدوها وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩]

 

- شرح مُجمل للآيه الكريمة، ثم بعد ذلك نذكر ما ذكره المصنّف بإختصار ولا يغني عن الرجوع للكتاب

 

الطلاق في لغة العرب: هو الإرسال .

وفي الاصطلاح : حلّ قيد عقد النكاح كلّه أو بعضه .

 

( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) أي مرة بعد مرة، وذلك خلافاً لِما كان عليه في الجاهلية، حيث أنهم كانوا يطلّقون المرأة فإذا قَرُبت عدتها راجعها ثم تركها، من باب الإضرار بها و إيذائها .

 

فإذا استوفت ثلاث تطليقات يُشترط لرجوعها لزوجها مرة أخرى شرطان :

1- أن تنكح زوجاً غيره ويكون نكاح رغبة.

2- أن لا يكون النكاح نكاح تحليل، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال ( لعن الله المُحلّلل والمحلل له )

فللزوج أن يراجع زوجته بعد الطلقة الأولى والثانية قبل إنتهاء العدة، فإذا قضت العدة فإنها تبين منه بينونة صُغرى، فحينها إذا أراد الرجوع لها فيجب أن يعقد عقداً جديدا.

    فإذا طلقها ثلاث تطليقات وتخلّل بين كل طلقة وأخرى رجعة أو عقد جديد ، وقعت بحسب ععد الطلاقات .

فإذا وقعت الطلقة الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

- هل الطلاق في مجلس واحد يقع ثلاث أم طلقة واحدة ؟

جمهور العلماء على أن الثلاث في مجلس واحد تقع ثلاثاً، و استدلوا على ذلك بحديث عمر رضي الله عنه لما قال ( إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناه، فلو أمضاه عليهم، فأمضاه عليهم ) 

قالوا : ـ فعله عمر ولم يُعلم له مخالف فكان إجماعاً .


ولو صحّ هذا الإجماع ليس لأحد أن يخالف، لكن هذا الإجماع لم يصح، فقد خالف من الصحابة رضي الله عنهم   ابن عباس ومن التابعين تلميد ابن عباس طاووس.

 

    ثم استمر الخلاف إلى عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من العلماء الذين قالوا إن الثلاث في مجلس واحد تقع واحدة، و استدلوا على ذلك بحديث طاووس بن كيسان عن بن عباس رضي الله عنه أنه قال ( كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر كان الطلاق الثلاث في مجلس واحد تقع واحدة )

 

وقول عمر رضي الله عنه ( إن الناس قد استعجلوا في امر لهم فيه أناه …. ) هذا من باب الزجر والتوبيخ، وعلى هذا القول إذا طلّق الرجل زوجته ثلاثاً في مجلس واحد تُعتبر طلقة واحدة، وللإمام أن يعزّر بالتفريق بينهما من باب الردع له ولغيره .

 

( فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ ) المعروف هو ما كان عليه حكم الشرع فهو كل معروف شرعاً أو عرفاً لا يخالف الشرع ، فيكون هذا الإمساك للقيام بالحقوق الزوجية التي شرعها الله .

( أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ ) تسريح أي فراق بالمعروف بإحسان حتى لايكون فيه ما يؤذي المرأة عند فراقها وبعد فراقها .

 

( وَلا يَحِلُّ لَكُم أَن تَأخُذوا مِمّا آتَيتُموهُنَّ شَيئًا ) أي لا يجوز أن تضار الزوجة لتأخذ المهر إلا إذا كان ذلك بسبب يقتضيه، كالفاحشة المبيّنة .

 

( إِلّا أَن يَخافا أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ ) الخوف هنا العلم أو غلبة الظن بعدم إقامة الحدود والحقوق الزوجية التي شرعها الله بينهما .

 

( فَإِن خِفتُم أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ ) هنا الشارع وجّه الخطاب لمِن يملك الجمع أو التفريق بينهما.

 

( فيمَا افتَدَت بِهِ ) أي أن تدفع له المهر الذي دفعه لها .

 

( تِلكَ حُدودُ اللَّهِ فَلا تَعتَدوها ) أي تلك شرائع الله التي شرعها لكم فلا تتجاوزوها .

 

- يقول المصنّف رحمه الله فيها ثماني عشرةَ مسألة:

 

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِهَا: ثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ لِلطَّلَاقِ عَدَدٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُمْ الْعِدَّةُ مَعْلُومَةً مُقَدَّرَةً،فَرَوَى عُرْوَةُ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَغَضِبَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى امْرَأَتِهِ،فَقَالَ: لَا أَقْرَبُك وَلَا تَحِلِّينَ مِنِّي. قَالَتْ لَهُ: كَيْفَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُك حَتَّى إذَا جَاءَ أَجَلُك رَاجَعْتُك، فَشَكَتْ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] 

 

 الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي مَقْصُودِ الْآيَةِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ جَوَازِ الثَّلَاثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا التَّعْدِيدَ إنَّمَا هُوَ فُسْحَةٌ لَهُمْ، فَمَنْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ.

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِبَيَانِ عَدَدِ الطَّلَاقِ؛ وَقِيلَ: جَاءَتْ لِبَيَانِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ.

وَالْقَوْلَانِ صَحِيحَانِ؛ فَإِنَّ بَيَانَ الْعَدَدِ بَيَانُ السُّنَّةِ فِي الرَّدِّ، وَبَيَانَ سُنَّةِ الْوُقُوعِ بَيَانُ الْعَدَدِ.

 

 

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عُرِّفَ فِيهَا الطَّلَاقُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ؛ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ التَّعْرِيفِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ الطَّلَاقُ الْمَشْرُوعُ [مَرَّتَانِ]، فَمَا جَاءَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ؛ يُرْوَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَالرَّافِضَةِ قَالُوا: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِ، فَمَا جَاءَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ.


الثَّانِي: مَعْنَاهُ الطَّلَاقُ الَّذِي فِيهِ الرَّجْعَةُ مَرَّتَانِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانَتْ تُطَلِّقُ وَتَرُدُّ أَبَدًا، فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يَكُونُ فِي طَلْقَتَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩].


الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَاهُ الطَّلَاقُ الْمَسْنُونُ مَرَّتَانِ؛ قَالَهُ مَالِكٌ.


الرَّابِعُ: مَعْنَاهُ الطَّلَاقُ الْجَائِزُ مَرَّتَانِ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.

 

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ: (مَرَّةٌ): وَهِيَ عِبَارَةٌ فِي اللُّغَةِ عَنْ الْفَعْلَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْأَصْلِ، لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهَا الِاسْتِعْمَالُ فَصَارَتْ ظَرْفًا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ " مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ إلَى مَعْرِفَةِ غَوَامِضِ النَّحْوِيِّينَ ".

 

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩]

قِيلَ: الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ الرَّجْعَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ، وَالتَّسْرِيحُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ.

وَقِيلَ: التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانِ الْإِمْسَاكُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ،وَكِلَاهُمَا مُمْكِنٌ مُرَادٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢]يَعْنِي: إذَا قَارَبْنَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَرَاجِعُوهُنَّ أَوْ فَارِقُوهُنَّ.

 

 

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ زَوْجَيْنِ، إلَّا أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ فَذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَخْصُوصٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ طَلَاقَ الرَّقِيقِ طَلْقَتَانِ؛ فَالْأُولَى فِي حَقِّهِ مَرَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ عَدَدُهُ بِرِقِّ الزَّوْجِ.

وقال أبو حنيفة يُعْتَبَرُ عَدَدُهُ بِرِقِّ الزَّوْجَةِ .


والصحيح : أن العبرة بالزوج ،،لأن الطلاق بيده، وفي الحديث( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق).

 

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ السَّرَاحَ مِنْ صَرِيحِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَلَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ٢٢٩] الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ كَمَا بَيَّنَّا، وَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: ٢٣٠] بَيَانًا لِحُكْمِ [الْحُرَّةِ]الْوَاقِعِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِنَا وَتَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الثَّانِي.

 

 

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٢٩]: ظَنَّ جَهَلَةٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْفَاءَ هُنَا لِلتَّعْقِيبِ، وَفَسَّرَ أَنَّ الَّذِي يَعْقُبُ الطَّلَاقَ مِنْ الْإِمْسَاكِ الرَّجْعَةُ؛ وَهَذَا جَهْلٌ بِالْمَعْنَى وَاللِّسَانِ .

 

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا وَطِئَ بِنِيَّةِ الرَّجْعَةِ جَازَ، وَكَانَ مِنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: قَدْ رَاجَعْتُك كَانَ مَعْرُوفًا جَائِزًا، فَالْوَطْءُ أَجْوَز.

وقد بينا فيما مضى أن الرجعة لا تكون بمجرد الفعل من الجماع ونحوه، وإنما تكون بالقول أو بالفعل بنية الرجعة.

 

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: ٢٢٩]: قَالَ قَوْمٌ: يَعْنِي مِنْ الصَّدَاقِ؛ وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَعْطَاهَا؛ فَإِنَّ الصَّدَاقَ وَإِنْ كَانَ نِحْلَةً شَرْطِيَّةً فَمَا نَحَلَهَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ؛ لِكَوْنِهِ نِحْلَةً عَنْ نِيَّةٍ، عَامٌّ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ، عَامٌّ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِنْ ابْتِدَاءِ أَخْذِ الزَّوْجِ لَهُ أَوْ إعْطَائِهَا هِيَ إيَّاهُ لَهُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ نِكَاحِهِ.

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَفِي ذَلِكَ تَأْوِيلَاتٌ كُلُّهَا أَبَاطِيلُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَظُنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ أَلَّا يُقِيمَ حَقَّ النِّكَاحِ لِصَاحِبِهِ حَسْبَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ لِكَرَاهِيَةٍ يَعْتَقِدُهَا، فَلَا حَرَجَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَفْتَدِيَ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ.


الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: تُعَلَّقُ مَنْ رَأَى اخْتِصَاصَ الْخُلْعِ بِحَالَةِ الشِّقَاقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٢٩] فَشُرِطَ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْخُلْعِ؛ فَخَرَجَ الْقَوْلُ عَلَى الْغَالِبِ وَلَحِقَ النَّادِرُ بِهِ، كَالْعِدَّةِ وُضِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، ثُمَّ لَحِقَ بِهَا الْبَرِيَّةُ الرَّحِمِ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ وَالْيَائِسَةُ،وَاَلَّذِي يَقْطَعُ الْعُذْرَ وَيُوجِبُ الْعِلْمَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] فَإِذَا أَعْطَتْك مَالَهَا بِرِضَاهَا مِنْ صَدَاقٍ وَغَيْرِهِ فَخُذْهُ.

 

والقاعدة : التخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم به لم يبق مفهومه حجة .

وههنا المفهوم من الشرط له سبب غير اختصاص الحكم به 

فلم يبق مفهومه حجة.


الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ، خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ فَسْخٌ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَسْخًا لَمْ يُعَدَّ طَلْقَةً.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ مَرَّتَيْنِ، وَذَكَرَ الْخُلْعَ بَعْدَهُ، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] 

 

 

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا}[البقرة: ٢٢٩] فِيهِ قَوْلَانِ:

الْأَوَّلُ: قِيلَ: هِيَ فِي النِّكَاحِ خَاصَّةً، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا الطَّاعَةُ، يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يُطِيعُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يُطِيعُ صَاحِبَهُ فِي اللَّهِ فَلَا خَيْرَ لَهُمَا فِي الِاجْتِمَاعِ، وَبِهِ أَقُولُ.

 

 

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَالَ مَالِكٌ: الْمُبَارِئَةُ الْمُخَالِعَةُ بِمَالِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْمُخَالِعَةُ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَالْمُفْتَدِيَةُ الْمُخَالِعَةُ بِبَعْضِ مَالِهَا، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ يَدْخُلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ.


والقاعدة : لا مشاحة في الاصطلاح .

 

 

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: ٢٢٩] بَيَّنَ تَعَالَى أَحْكَامَ النِّكَاحِ وَالْفِرَاقِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودِي الَّتِي أَمَرْت بِامْتِثَالِهَا فَلَا تَعْتَدُوهَا، كَمَا بَيَّنَ تَحْرِيمَاتِ الصِّيَامِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ قَالَ: ( تِلْكَ حُدُودِي فَلَا تَقْرَبُوهَا )،فَقَسَّمَ الْحُدُودَ قِسْمَيْنِ: مِنْهَا حُدُودُ الْأَمْرِ بِالِامْتِثَالِ، وَحُدُودُ النهي بالاجتناب.

 ———

قوله تعالى:

﴿فَإِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ حَتّى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَهُ فَإِن طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيهِما أَن يَتَراجَعا إِن ظَنّا أَن يُقيما حُدودَ اللَّهِ وَتِلكَ حُدودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَومٍ يَعلَمونَ﴾ [البقرة: ٢٣٠]

 

- شرح مُجمل للآيه الكريمة، ثم بعد ذلك نذكر ما ذكره المصنّف بإختصار ولا يغني عن الرجوع للكتاب .

 

﴿ فَإِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ حَتّى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَهُ ) أي اذا وقعت الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح غيره، نكتح رغبة لا تحليل، و أن يتحقق الوطء من الزوج الثاني .

 

( فَإِن طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيهِما أَن يَتَراجَعا إِن ظَنّا أَن يُقيما حُدودَ اللَّهِ ) أي إن طلقها الزوج الثاني فلا جناح أن ترجع للأول، لكن لا بد أن يعلموا أو يغلب على ظنهما أن يقيما حدود الله بحيث يؤدي كل منهما ما أوجبه الله من حقوق و واجبات .

 

( وَتِلكَ حُدودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَومٍ يَعلَمونَ ) أي تلك الحدود في النكاح التي بينها الله و وضحها، فلا يجوز لأحد أن يتركها أو يتجاوزها .

 

- يقول المصنّف رحمه الله فيها مسألتان :

 

المسألة الأولى: قوله تعالى ( فَإِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ )

قال سعيدُ بن المُسيّب: تحِلُّ المطلّقة ثلاثاً للأول بمجرّد العقد من الثاني و إن لم يطأها الثاني؛ لظاهر قوله تعالى: ( فَإِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ حَتّى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَهُ ) و النكاح عقد .

 

قال: وهذا لايصحُّ من وجهينِ:

أحدهُمُا أن يُقالَ له بل هو الوطءُ، ولَفظ النكاح قد وَرَدَ بِهما في كتاب الله تعالى جميعاً، فما بالُهُ خصَّصَهُ هَاهُنا بالعقد .

- والجواب : القاعدة : الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الخكم ، وقد بينت السنة المراد وهو أن المراد به في هذه الآية الوطء، لحديث( لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك )

فإن قيل: فأنتم لا تقولون بهِ؛ لأنه شَرَطَ الإنزال و أنتم لا تشترطونَه، إنما شَرَطَ ذوقَ العُسَيلةِ، وذلك يكونُ بالتقاء الخِتانين، هذا لُبَابُ كَلامِ عُلمائنا .


والجواب : أن العسيلة كناية عن الجماع ، والأحكام في الشريعة معلقة بالجماع لا الإنزال .

 

المسألة الثانية: قوله تعالى ( حتى تنكح زوجًا غَيرَه )

على أن المرأَةَ تُزوّج نَفسَها؛ لأنه أضاف العقد إليها، ولنا لو أن سعيدُ ين المُسيِّب يرى هذا مع قولهِ: إن النكاح العقد لجاز له؛ و أما نَحنُ و أنتم الذين نرى أن النكاح هاهُنا هو الوطءُ فلا يصح الاستدلال لكم معنا بهذه الآية .

بمعنى أن النكاح ههنا بمعنى الوطء فلا يستدل به على جواز عقد النكاح من المرأة لنفسها -.

—————-

 

قوله تعالى:

﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُم لا تُخرِجوهُنَّ مِن بُيوتِهِنَّ وَلا يَخرُجنَ إِلّا أَن يَأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلكَ حُدودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللَّهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ لا تَدري لَعَلَّ اللَّهَ يُحدِثُ بَعدَ ذلِكَ أَمرًا﴾ [الطلاق: ١]

 

- شرح مُجمل للآيه الكريمة، ثم بعد ذلك نذكر ما ذكره المصنّف بإختصار ولا يغني عن الرجوع للكتاب .

 

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) هذا خطاب من الله عز وجل الى نبيه محمّد ﷺ والخطاب للنبي ﷺ هو خطاب لأمته إلا ما دلّ الدليل على تخصيص )

 

( إِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) لعدتهن أي في زمن تستقبل فيه العدة، فلا يجوز أن يطلّق الزوج زوجته في زمن لاتستقبل فيه العدة مثل الطلاق في وقت العدة، فإذا طلّق الرجل في هذا الوقت، فإن هذا لا يجوز، لحديث ابن عمر لما طلّق زوجته وهي حائض

فغضب النبي ﷺ وقال لأبيه عمر ( امره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد، و إن شاء طلّق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء )، 


وهل يقع أو لا يقع ؟ الصحيح أنه يقع، لحديث ابن عمر لما طلق زوجته وهي حائض، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مره فليراجعها).والمراجعة الشرعية تدل على وقوع الطلاق .

وفي لفظ في الصحيحين من حديث ابن عمر ( وحسبت تطليقه) وهذا لفظ لا يحتمل التأويل .

بخلاف ما انفرد به مسلم :( ولم يرها شيئاً) قال الشافعي : يعني لم يرأها صواباً.

فهذه اللفظة عند مسلم يمكن تأويلها بخلاف رواية الصحيحين لا يمكن تأويلها، وما في الصحيحين مقدع علىزما انفرد به أحدهما.

 

( وَأَحصُوا العِدَّةَ ) أي اعرفوا العدة من طلاقها لِما يترتّب عليه من أحكام الرجعة وعدة الزواج، فلا بد من الإحصاء والمعرفة .

 

( وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُم ) اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بفعل المأمور و اجتناب المحظور،      والتزموا أحكام الشرع.

 

( لا تُخرِجوهُنَّ مِن بُيوتِهِنَّ وَلا يَخرُجنَ ) أي إذا طلّقت الزوجة وكانت رجعيّة فلها النفقة والسكنى فلا يجوز أن تخرجها من بيتها، فإذا استوفت ثلاث تطليقات فإن النبي ﷺ قال   : ( لانفقة لكِ ولا سُكنى )، فإن كان الطلاق رجعي فلا تُخرجها وهي لا تخرج والحكمة من ذلك، أنه قد يتراجعا ويعودا لما كانا عليه، إلى غير ذلك من الحِكم .

 

( وَلا يَخرُجنَ إِلّا أَن يَأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) الفاحشة هي كل ما كان متفحشًا شرعًا أو عُرفًا، كالزنا والسب والشتم إلى غير ذلك، عند هذا يحق للزوج الإخراج.

 

( وَتِلكَ حُدودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللَّهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ لا تَدري لَعَلَّ اللَّهَ يُحدِثُ بَعدَ ذلِكَ أَمرًا ) أي تلك حدود النكاح التي بينها الله و وضّحها، فلا يجوز لأحد أن يتركها أو يتجاوزها .

 

- يقول المصنّف ( ابن العربي) رحمه الله فيها سِت عشرةَ مسألة :

 

المسألة الأولى: في سبب نزولها، فيها قولان :

أحدهُمُا: أن النبي ﷺ طلَّق حفصة، فلمّا أتت أهلها أنزل الله الآية، وقيل له راجعها فإنها صوَّامة قوَّامة، وهي من أزواجك في الجنة .

الثاني: أنها نزلت في عبدالله بن عُمر أو عبدالله بن عمرو، وعُيينَةَ بن عمرو، وطفيل بن الحارث، وعمرو بن سعيد بن العاص، وهذا كلّه و إن لم يَكن صحيحًا فالقول الأول أمثل، والأصح فيه أنها بيان لشرع مبتدأ .

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الطلاق: ١]: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَهُ، وَقَوْلُهُ: {طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: ١] خَبَرٌ عَنْهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ.

 

الثَّانِي: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ بِهِ أُمَّتُهُ، وَغَايَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ [وَذَلِكَ] لُغَةٌ فَصِيحَةٌ. كَمَا قَالَ: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: ٢٢]:

تَقْدِيرُهُ يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لَهُمْ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْخِطَابَ لَهُ وَحْدَهُ لَفْظًا، وَالْمَعْنَى لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ لَاطَفَهُ بِقَوْلِهِ:يَأَيُّهَا النَّبِيُّ. وَإِذَا كَانَ الْخِطَابُ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا لَهُ قَالَ:يَأَيُّهَا الرَّسُولُ.

 

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى: {لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] يَقْتَضِي أَنَّهُنَّ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ خَرَجْنَ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩]

 

 

 

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ: {لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١]. قِيلَ:  الْمَعْنَى فِي عِدَّتِهِنَّ، وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى فِي؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: ٢٤] أَيْ فِي حَيَاتِي. وَهَذَا فَاسِدٌ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي رِسَالَةِ الْمُلْجِئَةِ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِيهِ: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ الَّتِي تُعْتَبَرُ. وَاللَّامُ عَلَى أَصْلِهَا، كَمَا تَقُولُ: افْعَلْ كَذَا لِكَذَا، وَيَكُونُ مَقْصُودُ الطَّلَاقِ وَالِاعْتِدَادِ مَآلَهُ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ،وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: ٢٤] يَعْنِي حَيَاةَ الْقِيَامَةِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ الدَّائِمَةُ.

 

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ مَا هَذِهِ الْعِدَّةُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ زَمَانُ الطُّهْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

 

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: طَلَاقُ السُّنَّةِ مَا جَمَعَ سَبْعَةَ شُرُوطٍ؛ وَهِيَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ، طَاهِرًا لَمْ يَمَسَّهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ، وَلَا تَقَدَّمَهُ طَلَاقٌ فِي حَيْضٍ، وَلَا تَبِعَهُ طَلَاقٌ فِي طُهْرٍ يَتْلُوهُ، وَخَلَا عَنْ الْعِوَضِ؛ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ مُسْتَقْرَآتٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَمَسَائِلِ الْفِقْهِ.

 

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَوْلُهُ: {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: ١]: مَعْنَاهُ احْفَظُوهَا؛ تَقْدِيرُهُ احْفَظُوا الْوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ، حَتَّى إذَا انْفَصَلَ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ قُرُوءٍ فِي قَوْلِهِ:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ.

 

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: مَنْ الْمُخَاطَبُ بِأَمْرِ الْإِحْصَاءِ؛ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ الْأَزْوَاجُ.

الثَّانِي: أَنَّهُمْ الزَّوْجَاتُ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ الْمُسْلِمُونَ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْأَزْوَاجُ؛ لِأَنَّ الضَّمَائِرَ كُلَّهَا مِنْ {طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: ١]

{وَأَحْصُوا} [الطلاق: ١] وَ {لا تُخْرِجُوهُنَّ} [الطلاق: ١] عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ يَرْجِعُ إلَى الْأَزْوَاجِ، وَلَكِنَّ الزَّوْجَاتِ دَاخِلَةٌ فِيهِ بِالْإِلْحَاقِ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُحْصِي لِيُرَاجِعَ، وَيُنْفِقَ أَوْ يَقْطَعَ، وَلِيُسْكِنَ أَوْ يُخْرِجَ، وَلِيُلْحِقَ نَسَبَهُ أَوْ يَقْطَعَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا أُمُورٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَتَنْفَرِدُ الْمَرْأَةُ دُونَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِحْصَاءِ لِلْعِدَّةِ لِلْفَتْوَى عَلَيْهَا وَفَصْلُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ فِيهَا؛ وَهَذِهِ فَوَائِدُ الْإِحْصَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

 

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: فِيمَا لَا يَتِمُّ الْإِحْصَاءُ إلَّا بِهِ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَسْبَابِ الْعِدَّةِ، وَمَحِلِّهَا، وَأَنْوَاعِهَا: فَأَمَّا أَسْبَابُهَا فَأَرْبَعَةٌ: وَهِيَ الطَّلَاقُ، وَالْفَسْخُ، وَالْوَفَاةُ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ. [وَالْمِلْكُ] وَالْوَفَاةُ مَذْكُورَانِ فِي الْقُرْآنِ، وَالْفَسْخُ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، أَوْ هُوَ هُوَ. وَالِاسْتِبْرَاءُ مَذْكُورٌ فِي السُّنَّةِ، وَلَيْسَ بِعِدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسُمِّيَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ عِدَّةً لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ذَاتُ عَدَدٍ تُعْتَبَرُ بِحِلٍّ وَتَحْرِيمٍ.

 

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ قَوْلُهُ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ}[الطلاق: ١] جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى فَرْضًا وَاجِبًا وَحَقًّا لَازِمًا هُوَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُمْسِكَهُ عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسْقِطَهُ عَنْ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَسِيرَةٌ عَلَى أَكْثَرِ الْمَذَاهِبِ.

 

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ: {مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: ١] إضَافَةُ إسْكَانٍ، وَلَيْسَتْ إضَافَةَ تَمْلِيكٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: ٣٤] وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ.

وَقَوْلُهُ: {لا تُخْرِجُوهُنَّ} [الطلاق: ١] يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَقًّا عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ: {وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: ١] أَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الزَّوْجَاتِ

 

 الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: ذَكَرَ اللَّهُ الْإِخْرَاجَ وَالْخُرُوجَ عَامًّا مُطْلَقًا، وَلَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِخَالَتِهِ فِي الْخُرُوجِ فِي جِذَاذِ نَخْلِهَا».

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مَعًا، «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَكَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ: لَا نَفَقَةَ لَك وَلَا سُكْنَى».

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا خَيْرَ لَهَا فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ.


-وهذا الحديث يدل على مشروعية العدة للمطلقة آخر ثلاث تطليقات ولا يجب ، بخلاف العدة من الوفاة - .

 

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ: أَمَّا الْخُرُوجُ لِخَوْفِ الْبَذَاءِ وَالتَّوَحُّشِ وَالْحَاجَةِ إلَى الْمَعَاشِ؛ فَيَكُونُ انْتِقَالًا مَحْضًا.

وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلتَّصَرُّفِ لِلْحَاجَاتِ فَيَكُونُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ؛ إذْ لَا سَبِيلَ لَهَا إلَى الْبَيْتِ عَنْ مَنْزِلِهَا، وَإِنَّمَا تَخْرُجُ بِالْإِسْفَارِ وَتَرْجِعُ قَبْلَ الْإِغْطَاشِ وَتُمَكَّنُ فَحْمَةُ اللَّيْلِ؛ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تَفْعَلُ ذَلِكَ دَائِمًا. وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ، إنَّمَا يَكُونُ خُرُوجُهَا، فِي الْعِدَّةِ

كَخُرُوجِهَا فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ فَرْعُ النِّكَاحِ، لَكِنَّ النِّكَاحَ يَقِفُ الْخُرُوجُ فِيهِ عَلَى إذْنِ الزَّوْجِ، وَيَقِفُ فِي الْعِدَّةِ عَلَى إذْنِ اللَّهِ؛ وَإِذْنُ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ الْعُذْرِ الْمُوجِبِ لَهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.


- فهل المراد من عدم خروج المعتدة من الوفاة ، هو خروج الانتقال، قيل به ، وفيه نظر، أو المراد عدم الخروج من المنزل إلا لحاجة أو صرورة وهذا هو الأقرب )-.

 

 

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: ١] وَكَانَ هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَمَا بَيَّنَّا كَانَتْ السُّكْنَى حَقًّا عَلَيْهِنَّ لِلَّهِ، وَكَانَتْ النَّفَقَةُ حَقًّا عَلَى الْأَزْوَاجِ، فَسَقَطَتْ بِتَرْكِهِنَّ وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ، وَالسُّكْنَى مِنْ حُقُوقِ الْعِدَّةِ.

 

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُ: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ}[الطلاق: ١]: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الزِّنَا.

الثَّانِي: أَنَّهُ الْبَذَاءُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ. وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْبَيْتِ؛ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عُمَرَ.


فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْخُرُوجُ لِلزِّنَا فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخُرُوجَ هُوَ خُرُوجُ الْقَتْلِ وَالْإِعْدَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَثْنًى فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ.


وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْبَذَاءُ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.


وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ فَوَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ الْمَعَاصِي لَا تُبِيحُ الْإِخْرَاجَ وَلَا الْخُرُوجَ.


وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ شَرْعًا إلَّا أَنْ يَخْرُجْنَ تَعَدِّيًا.

وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ السُّكْنَى، وَحَرَّمَ الْخُرُوجَ وَالْإِخْرَاجَ تَحْرِيمًا

عَامًّا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا بَيَّنَّاهُ، وَرَتَّبْنَا عَلَيْهِ إيضَاحَ الْخُرُوجِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الْجَائِزِ.


الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُ: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١]: قَالَ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ: أَرَادَ بِالْأَمْرِ هَاهُنَا الرَّغْبَةَ فِي الرَّجْعَةِ، وَمَعْنَى الْقَوْلِ: التَّحْرِيضُ عَلَى طَلَاقِ الْوَاحِدَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الثَّلَاث؛ فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا أَضَرَّ بِنَفْسِهِ عِنْدَ النَّدَمِ عَلَى الْفِرَاقِ، وَالرَّغْبَةِ فِي الِارْتِجَاعِ، وَلَا يَجِدُ عِنْدَ إرَادَةِ الرَّجْعَةِ سَبِيلًا.

والله أعلم .


محمد بن سعد العصيمي


كتبه عنه تلميذه : مقرن بن ماجد الذيابي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت