بسم الله الرحمن الرحيم
( فقه آيات أحكام٢ )
﴿يَعمَلونَ لَهُ ما يَشاءُ مِن مَحاريبَ وَتَماثيلَ وَجِفانٍ كَالجَوابِ وَقُدورٍ راسِياتٍ اعمَلوا آلَ داوودَ شُكرًا وَقَليلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكورُ﴾ [سبأ: ١٣]
- شرح مجمل للآية الكريمة ثم نذكر ما ذكره المصنّف بإيجاز، ولا يغني عن الرجوع للكتاب .
( يَعمَلونَ لَهُ ما يَشاءُ مِن مَحاريبَ ) المحاريب هو البناء الحسن الجميل، وقيل هو موضع العبادة، وقيل البناء المرتفع و أحسن ما يكون في البناء يسمى محراب .
( وَتَماثيلَ ) أي صور مجسمات لحيوانات أو جمادات أو لغيرها من النحاس أو الزجاج أو من غيرهما
وهذا خاص بشريعتهم، ونحن شريعتنا حرّمت ذلك أن نجسّم مافيه روح، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة لّما دخل وجد نمرقة لها – أي ستارة فيها تصاوير – فرأت في وجهه الكراهية فقالت يارسول الله ما صنعتُ أتوب إلى الله، فقال يا عائشة:( إن الذين يصنعون هذه الصور يقال لهم يوم القيامة أحيوا ماخلقتم )
.
وجاء في الإستثناء " إلا رقمًا في ثوب " أي نقشاً في ثوب ، ولكن لايعني أن تصويره في الثوب جائز ، بل هو استثناء مما يمنع الملائكة من دخول البيت ، فالملائكة تدخل البيت الذي فيه نقش في الثوب ، ولا تمتنع من دخوله والحالة تلك، ولا يعني جواز تصوير التصاوير إذا كان منقوشاً على الثوب.
- كيف تجمع بين حديث عائشة لما رأى النبي صلى الله عليه وسلّم النمرقه وفيها تصوير ، فرأت عائشة الكراهية في ثوبه …، وبين حديث وبين حديث " إلا رقمًا قي ثوب " ؟
والجواب ـ: حديث " إلا رقمًا في ثوب " استثناء من دخول الملائكة للبيت الذي فيه التصاوير، و أما نقش الصور فهو حرام .
( وَجِفانٍ كَالجَوابِ ) جفان أي إناء، كالجواب أي كبيرة جداً، والجابية هي المكان الكبير الذي يجتمع فيه الماء.
( وَقُدورٍ راسِياتٍ ) أي قدور كبيرة ضخمة ثابته لا تتحرّك لعظمها .
( اعمَلوا آلَ داوودَ شُكرًا ) وهذا التسخير لـ آل داود، و آل داود هم داود و أهله وقرابته .
وقد سبق بيان ما يتعلق بمعنى الآل.
( شُكرًا ) الشكر هو اعتراف القلب بإمتنان الله عز وجل عليه، و أن هذه النعمة من الله عز وجل، ويكون الشكر أيضًا بصرف هذه النعمة في طاعة الله، وصونها عن معصية الله .
( وَقَليلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكورُ ) قليل من عباد الله الشكور للنعم التي انعمها الله عليهم .
- يقول المصنّف رحمه الله فيها سَبعُ مسائل:
المسألة الأولى: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْمِحْرَابُ: هُوَ الْبِنَاءُ الْمُرْتَفِعُ الْمُمْتَنِعُ، وَمِنْهُ يُسَمَّى الْمِحْرَابُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَعُهُ، وَالْجَوَابِي جَمْعُ جَابِيَةٍ، وَهِيَ الْحَوْضُ الْعَظِيمُ الْمَصْنُوعُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: شَاهَدْت مِحْرَابَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِنَاءً عَظِيمًا مِنْ حِجَارَةٍ صَلْدَةٍ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، طُولُ الْحَجَرِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، وَكُلَّمَا قَامَ بِنَاؤُهُ صَغُرَتْ حِجَارَتُهُ، وَيُرَى لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْوَارٍ؛ لِأَنَّهُ فِي السَّحَابِ أَيَّامَ الشِّتَاءِ كُلَّهَا لَا يَظْهَرُ لِارْتِفَاعِ مَوْضِعِهِ وَارْتِفَاعُهُ فِي نَفْسِهِ، لَهُ بَابٌ صَغِيرٌ وَمَدْرَجَةٌ عَرِيضَةٌ، وَفِيهِ الدُّورُ وَالْمَسَاكِنُ، وَفِي أَعْلَاهُ الْمَسْجِدُ، وَفِيهِ كُوَّةٌ شَرْقِيَّةٌ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي قَدْرِ الْبَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَتَمَاثِيلَ} وَاحِدَتُهَا تِمْثَالٌ، وَهُوَ بِنَاءٌ غَرِيبٌ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: التِّمْثَالُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَيَوَانٌ وَمَوَاتٌ، وَالْمَوَاتُ عَلَى قِسْمَيْنِ: جَمَادٌ وَنَامٍ، وَقَدْ كَانَتْ الْجِنُّ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ جَمِيعَهُ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا عُمُومُ قَوْلِهِ: {وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: ١٣]. وَالثَّانِي مَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ، أَصْلُهَا الإسرائليات؛ لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ مِنْ الطَّيْرِ كَانَتْ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي قِسْمِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ قَبْلَ هَذَا.
وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الَّذِي كَانَ يُصْنَعُ لَهُ الصُّوَرُ الْمُبَاحَةُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَصُورَتِهِ فَشَرْعُنَا وَشَرْعُهُ وَاحِدٌ.
وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِ مَا كَانَ شَخْصًا لَا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ .
-والقاعدة : شرع من قبلنا شرع لنا، إذا ثبت في شرعنا أنه شرع لمن كان قبلنا، ولم ينسخه شرعنا.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: كَالْجَوْبَةِ مِنْ الْأَرْضِ.-
{وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} يَعْنِي لَا تُحْمَلُ وَلَا تُحَرَّكُ لِعِظَمِهَا .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
القول الْأَوَّلُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣]. ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آلُ دَاوُد. قَالَ: فَقُلْنَا: مَا هُنَّ؟ قَالَ: الْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا،
وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ
وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ».
القول الثَّانِي: قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ.
القول الثَّالِثُ: الصَّلَاةُ شُكْرٌ، وَالصِّيَامُ شُكْرٌ، وَكُلُّ خَيْرٍ يُفْعَلُ لِلَّهِ شُكْرٌ.
قَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَقِيقَةُ الشُّكْرِ اسْتِعْمَالُ النِّعْمَةِ فِي الطَّاعَةِ، وَالْكُفْرَانُ: اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَعْصِيَةِ.
وَقَلِيلٌ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ أَقَلُّ مِنْ الشَّرِّ، وَالطَّاعَةَ أَقَلُّ مِنْ الْمَعْصِيَةِ بِحَسْبِ سَابِقِ التَّقْدِيرِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
محمد بن سعد العصيمي .
كتبه عنه تلميذه : مقرن بن ماجد الذيابي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق