حكم الصدقة بنية أن الله يرزقه الشهادة ، أو بقصد شفاء المريض ، أو بقصد أن يبره الولد ونحو ذلك :
——————————-
1 - قال تعالى :( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب).
فدل على الفرق بين نية أي عمل من أعمال الآخرة ، وبين أغراض وأعمال الدنيا،
فالصدقة بنية التوفيق من الله تعالى لأعمال الآخرة، والصدقة بنية كفارة المعصية من أعمال الآخرة ، والصدقة بنية التوفق في وظيفة في الدنيا من أعمال الدنيا ، وقراءة القرآن بنية الحصول على المال من أعمال الدنيا.
والقاعدة : لا يجوز اتخاذ أعمال الآخرة من أجل الدنيا.
2 - قال صلى الله عليه وسلم :( من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة).
فإذا كان الغرض من العلم الشرعي الذي هو من أعمال الآخرة وأفضلها إنما كان من أجل غرض من أغراض الدنيا لم يجد رائحة الجنة، دل ذلك على عدم حواز العمل الأخروي من أجل تحقيق مقصد من مقاصد الدنيا.
3 - القاعدة : تشريك من لا مدرك له يجوز، وتشريك من له مدرك لا يجوز .
فأي عمل للآخرة لا يجوز أن يصرف خالصاً لتحقيق مقصد من مقاصد الدنيا، ولكن تشريك النية في عمل من أعمال الآخرة ، وعمل من أعمال الدنيا ، يجوز شريطة أن يكون العمل النيوي الذي تم فيه تشريكه مع عمل الآخرة مما لا إدراك له ولا عقل، كتشريك نية الجهاد في سبيل الله مع الحصول على المغنم ( وجعل رزقي تحت ظل رمحي).
وكالتشريك بين نية الحج ونية التجارة ، :( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) نزلت لما تحرج الصحابة من التجارة في الحج ، مع العلم أن ينقص من أجر العمل بمقدار نية التشريك في ذلك العمل .
وأما تشريك من له مدرك يبطل العمل إذا استرسل معه صاحبه ولم يدافعه، وهو الريا، أو العجب الذي هو مراءة الإنسان لنفسه في العمل الذي عمله.
وبناء على ذلك : ففرق بين نية الصدقة بنية الشفاء فيكون العمل الأخروي يقصد به غرضاً من أغراض الدنيا، فلا يجوز ، وبين نية الصدقة بنية الشهادة في سبيل الله، فتكون لمقصد أخروي، فتجوز، كنية الصدقة بنية الأجر والثواب الأخروي، أو تكفير السيئات ( يدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين )،
وأما حديث:( داووا مرضاكم بالصدقة ) فضعيف، وعلى فرض صحته ، فالمراد أن الصدقة لله سبب في شفاء المرضى ، وإنكشاف السوء عن المسلم ، كما في حديث الكسوف ( فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا وتصدقوا)، ومن حديث عند الطبراني ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء) على فرض صحته ، : من يصنع المعروف لله يكون سبباً لأن يقيه الله تعالى مصارع السوء، وليس المراد أن يعمل المعروف ليتقي مصارع السوء.
والنص إذا كان يحتمل أكثر من معنى ، فإنه يصرف للمعنى الذي دلت عليه بقيت النصوص، وهي قاعدة الراسخين في العلم أنهم يردون المتشبه إلى المحكم .
ومن ذلك قوله تعالى :( ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) نوح/ 10-12
قال ابن كثير رحمه الله :
" أي : إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه ، كثر الرزق عليكم ، وأسقاكم من بركات السماء ، وأنبت لكم من بركات الأرض ، وأنبت لكم الزرع ، وأدر لكم الضرع ، وأمدكم بأموال وبنين ، أي : أعطاكم الأموال والأولاد ، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار ، وخللها بالأنهار الجارية بينها " انتهى .
وليس المراد هو فعل الصالحات وعملها من أجل الحصول على مقاصد دنيوية ، وإنما من أخلص في عمله الصالح كان سبباً أن يترتب عليه من أعمال الدنيا الحسنة مما يرغب فيه الإنسان.
وكذا بر الوالد من أجل أن يبره الولد فقط، هذا لا يجوز ، لكن لو شرك ، أو أخلص بعمله ذلك لله كان سبباً يترتب عليه ما يسعده في الدنيا.
فإن قيل : فاتكم التفريق بين أمور الدنيا التي تطلب من الله، وأمور الدنيا التي تطلب من الخلق!
كمن يستغفر ليفرج الله همه..
أو يدعو -والدعاء عبادة- ﻷن يعطيه الله أمرا في الدنيا.
فالجواب : كما سبق أن اللام فيما ذكرتم للعاقبة ، فيترتب على الاستغفار الذي لله تعالى تفريج الهم ، وزوال الكرب، وسعة الرزق ، كما في قوله تعالى :( فقلت استغفروا ربكم …)
وليست اللام للتعليل ، وذلك أن عمل الاستفغار لغرض دنيوي وإنما الاستغفار قام به لله، فإذا فعله لله ترتب عليه زيادة الرزق وانفراج الهم ونحو ذلك .
وأما الدعو فهو ذاته عباده لا تصرف إلا لله، ولا يكون المقصود به إلا التوجه إلى الله تعالى والتضرع إليه واستجابة المدعو من خير الدنيا والآخرة.
- وقد فرقنا في القواعد بين لام التعليل، ولام العاقبة -.
والله أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق