بسم الله الرحمن الرحيم
25 / 5 / 1444
( فقه آيات أحكام ٢ )
(وَآتُوا اليَتامى أَموالَهُم وَلا تَتَبَدَّلُوا الخَبيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأكُلوا أَموالَهُم إِلى أَموالِكُم إِنَّهُ كانَ حوبًا كَبيرًا﴾ [النساء: ٢]
- شرح مجمل للآية ثم نذكر بعد ذلك فيما يتعلّق فيها من مسائل:
( و آتو ) أي أعطوا، وتكون بمعنى احفظوا والحفظ بمعنى الإتيان، ومن الإتيان حفظ مال اليتيم قبل بلوغه، وبعد بلوغه وكونه راشداً تدفع إليه كامل ما له بلا خيانة ولا إنقاص ولا تضييع
والقاعدة في ذلك: ( كل من يتصرّف لغيره يجب عليه التصرّف بالأحسن لذلك الغير ) لقوله تعالى
( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن )
و إذا كان التصرّف لنفسه فإنه يختار اختيار تشهّي في المباح.
( اليتامى ) اليتيم هو من فقد أباه قبل البلوغ.
وسمي يتيماً لإعتبار ما كان عليه سابقاً، فإن الإنسان يطلق عليه الشئ بإعتبار حاله الأول، وقد يطلق عليه الشئ بإعتبار حاله الحال، وقد يطلق عليه الشئ بما يؤول إليه مستقبلاً
فالآيه الكريمة تتناول المحافظة عليه بالنفقة وما يحتاج إليه شرعاً وعرفاً بلا تعدّي ولا تفريط، ثم يتناول ما كان بعد بلوغه بحيث أنه يدفع إليه ماله كاملاً غير مبخوس ولا منقوص، فلا يستبدل شاته الضعيفة بشاة اليتيم السمينة ونحو ذلك .
وكذلك لا يأكل ماله الذي عنده؛ لأنه ترك ما أحل الله وهو الكسب الحلال، و أكل ما حرّم الله بأكله لمال اليتيم.
( أموالهم ) جمع مال وهو كل ما يتموّل وينتفع به يسمّى مال
اليتيم لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: إما أن يكون فاقد الأهلية فوجود الفعل منه كعدمه.
الثانية: إما أن يكون ناقص الأهلية كالمميز ، فإنه لا يصح التصرّف فيما ينفعه إلا بأذن وليّه.
الثالثة: إما أن يكون تام الأهلية وهذا يكون بعد البلوغ والرشد.
- فرق بين المنفعة والإنتفاع، فالمنفعة مملوكة والإنتفاع غير مملوك.
( أموالهم ) يدل على أنهم يملكونها لأن الشارع أضافها لهم، وملكهم إيّاها لا يعني أنه يتصرّف بها بغير التصرف الشرعي، بل يجب عليه أن تكون بحسب الضوابط والشروط الشرعية، وهذا يدل على أنه تجب النفقة على اليتيم والزكاة اذا وجب عليه ذلك.
والقاعدة تقول: ( كل من ترث منه إذا مات يجب عليك أن تنفق عليه إذا افتقر ).
لقوله تعالى :( وعلى الوارث مثل ذلك ).
( أموالهم ) الإنسان لايكون غني بالمال إلا بشرطين:
الأول: أن يكون مالكاً له شرعاً.
الثاني: أن يكون تحت تصرّفه.
وهل يجب على الولي أن يدفع الزكاة من مال اليتيم ؟
الجواب: نعم؛ لأنه يملك وتحت تصرّفه.
وتصرف الولي عنه بإذن من الشارع .
وهل تسقط بالتقادم ؟
الجواب: قاعدة ( الحقوق الشرعية لاتسقط بالتقادم ) وكذلك حقوق الآدميين .
( ولا تتبدلوا ) أي تستبدلوا .
( الخبيث بالطيب ) الخبيث يطلق ويراد به الدنئ من الشئ ولو كان مباحاً( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بإخذيه ..)
وفي الحديث( من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا)
وفي الحديث الآخر :( كسب الحجام خبيث).
ويطلق ويراد به الحرام ، ومنه قوله تعالى :( ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث).
وهذا اللفظ في الآية يحمل على كلا المعنيين ، بحيث لا يستبدل الدني من ماله ويأخذ الطيب من مال اليتيم،
وكذا لا يترك ما أحل الله من الكسب الطيب ويأكل مال اليتيم بالباطل .
والقاعدة في ذلك ( أن النص اذا كان يحتمل أكثر من معنى بحسب وضع واحد ولا تعارض بينهما حُمل على جميع تلك المعاني )
( ولا تأكلو ) عبّر عن الأكل لأنه أخبث ما يكون من الحرام حيث أنه لايعود بذاته،
ولكن يمكن إعادة قيمته أو مثله.
والقاعدة: ( المثلي يضمن بمثله والمتقوّم يضمن بقيمته ) والعبرة بذلك عند الإتلاف.
( أموالهم إلى أموالكم ) أي تجمعوها وضموا مالكم الى مالهم .
( إنه كان حوباً كبيرا )
هل الضمير يعود إلى الأكل أو لتبديل الخبيث بالطيب ؟ في ذلك تفصيل:
إذا كان المعنى وضح بدلالة حالية أو مقاليّة أو سياق فإن العبرة بالمعنى .
و إذا كان الأمر يحتمل الأمرين ولا تعارض بينهما حُمل عليهما.
و إذا استويا فإن الضمير يعود إلى أقرب مذكور.
والضمير ههنا يعود على كلا الأمرين : من أكل مال اليتيم، ومن استبدال الرديء بالطيب بحيث يأخذ الطيب من مال اليتيم ويدفع له بدلاً منه الرديء.
( حوباً كبيرا ) ذنباً عظيما .
المسألة الأولى: قوله تعالى ( وآتوا ) معناه أعطوا أي مكنوهم منها و اجعلوها في أيديهم .
المسألة الثانية: ( اليتامى ) وهو اسم لكل من لا أب له من الآدميين حتى يبلغ الحلم فإذا بلغه خرج منه وصار في جملة الرجال، و أصل اليتيم هو الإنفراد.
المسألة الثالثة: ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيّب ) كانوا في الجاهلية لعدم الدين، لا يتحرّجون عن مال اليتيم فيأخذونه ويبدلونه بأموالهم، فنهاهم الله عن ذلك.
المسألة الرابعة: ( ولا تأكلو أموالهم إلى أموالكم )، أي تجمعوا وتضموا أموالهم إلى أموالكم.
المسألة الخامسة: روي أن هذه الآية لما نزلت اعتزل كل وليّ يتيمه و أزال ما يملك عن ملك اليتيم فعاد ذلك بالضرر عليهم فأرخص الله سبحانه في المخالطة قصداً للإصلاح
ونزلت هذه الآيه: ( وَيَسأَلونَكَ عَنِ اليَتامى قُل إِصلاحٌ لَهُم خَيرٌ … )
المسألة السادسة: إن كان المعنيُّ في الآية الإنفاق فذلك يكون ما دامت الولاية، و إن كان الإيتاء و إسلام المال لليتيم فذلك عند الرشد، ويكون تسميتهُ يتيماً مجازاً.
محمد بن سعد الهليل العصيمي.
كتبها عنه تلميذه : مقرن ماجد عبيد العتيبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق