حكم من قتل ثم عوفي عنه بشرط دفع مبلغ معين ، فمات القاتل قبل تمام الدفع .
—————-
فمثلاً: رجل قاتل وتنازل الورثة مقابل خمسة مليون بشرط أن له مدة سنة ، وإن لم يتم فلهم الحق بمطالبتهم بالقصاص، فجمعوا أربعة مليون ثم مات القاتل قبل تمام الخمسة مليون ، هل يستحق الورثة الأربعة مليون؟
—————-
الذي يظهر لي والعلم عند الله تعالى : أن الورثة لا يستحقون الأربعة مليون المجموعة في الحساب نظير تنازلهم بشرط تمام الخمسة مليون خلال العام .
بمعنى : فات محل التنازل قبل تمام الشرط، فلا يستحقون المجموع في الحساب مقابل التنازل .
وذلك للأسباب التالية :
1 - أن القاعدة في ذلك : الطلاق المعلق كالطلاق المنجز .
فالمرأة التي علق طلاقها بتمام عام من وقت الطلاق، لا تطلق من زوجها حتى يتم العام .
فكذلك ههنا هذه النفس لم يتم التنازل عنها إلا بتمام الخمسة مليون قبل تمام العام، والتنازل لم يتم بعد ، لفواته بموته قبل تمامه ، فتثبت لهم الدية في مال القاتل فقط.
2 - الأصل في الشروط الصحة ، لقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )، إلا ما الدليل على بطلانه ، كالشرط في الهبة، لحديث العمرى والرقبى - وقد تقدم حكمها -.
وههنا ليس فيها هبة ، وإنما هي عقد معاوضة ، وفي الحديث:( من قتل له قتيل ، فهو بخير النظرين ، إما أن يعفو ، وإما أن يأخذوا الدية، وما صولحوا عليه ، فهو لهم ).
وهذا صلح معاوضة ، فله حكم المعاوضات لا التبرعات .
3 - ولأن القاعدة : العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني .
فلو قال الورثة : تنازلنا عنه بشرط أن يدفع الخمسة مليون في هذا العام أو السنة الهجرية ، فهو بمعنى : لا تنازل عنه حتى يدفع الخمسة مليون في ذلك العام .
فلا يأت من يأخذ باللفظ الأول : تنازلنا ، ويحكم به ، ويقول : ثبت التنازل فلا يحق لهم المطالبة بالقصاص، وبقي المال إما الدية أو الصلح المتفق عليه.
فالجواب : أن في هذا إبطال للنص:( وما صولحوا عليه فهو لهم )
إذ بهذا الفهم لا يحق لهم إلا الدية فقط بهذا الصلح ، وكذلك عدم اعتبار الشرط بدفع المبلغ في تلك المدة ، إبطال للصلح الذي اعتبره الشارع .
والقاعدة : أي اجتهاد يعود على النص بالإبطال ، فهو باطل .
4 - القاعدة : تبدل الأسباب منزل منزلة تبدل الذات ، فالموت تم بسبب الوفاة الطبيعية ، لا بسبب القصاص، فكيف يستحق الورثة مبلغ الصلح على شيء لم يتم من قبلهم .
وفي الحديث:( بأي حق تستحل ماله ).
5 - أن الاتفاق على أخذ المال بدل التنازل لم يتم بعد، والقاعدة : أن الشيء لا يتم إلا بوجود شروطه ، وإنتفاء موانعه .
وههنا وجد المانع من استيفاء الحق قبل تحقق الشرط، لفوات المحل .
6 - فإن قيل : إن الورثة لا يملكون المطالبة بالقصاص في تلك المهلة ( مدة عام ) بعد تنازلهم نظير المال المتفق عليه في ذلك العام )، فكذلك لا يملكونه بعد حصول الوفاة .
نظير زيادة مدة حياته بعد وجوب القصاص عليه .
فالجواب : لا يملك الورثة تنفيذ القصاص عليه ، والمطالبة به في تلك المهلة، لكونهم رضوا بها حتى يجمع المال في فك رقبته .
فالمهلةتمت منهم بعقد لا يملكون الرجوع فيه، وإنما يملكون تنفيذ القصاص بعد انتهاء تلك المهلة .
وتأخير القصاص عن القاتل قبل العفو عنه ، لا يعني العفو المطلق ، فإن حقوق المخلوقين لا تسقط بالتقادم .
والله أعلم.
كتبه / أ . د . محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى . مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق